تحت أضواء سانتياغو برنابيو وفي ليلة وداع استثنائية، لم يستطع فلورنتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد التاريخي، كبح انفعاله أثناء توديعه لعملاقين بنكهة الملكي: لوكا مودريتش وكارلو أنشيلوتي. المشاهد التي انتشرت عبر منصات التواصل أظهرت دموع بيريز تنهمر على وجنتيه وهو يلوّح لهما مودعًا بين هتافات الجماهير وصفعات اليد الحارة، في لحظةٍ قلّما شهدها ملعبٌ زارته أعرق الأساطير.
دموع بيريز: استثناءٌ في سجل الحِجرات الحديدية
في تاريخ ريال مدريد، نادراً ما رأى العالم رئيسًا يذرف الدموع أمام نجومه الراحلين. إلا أن حادثة وداع مودريتش وأنشيلوتي، اللذين غيّرا وجه النادي في العقد الماضي، كشفت عن مشاعرٍ مُرهفةٍ لدى بيريز:
• مودريتش: صاحب الرقم القياسي كأكثر اللاعبين تتويجًا بالألقاب في تاريخ النادي (6 ألقاب دوري أبطال أوروبا، 4 دوري إسبانيّ، و12 قطعة ناصعة من الكؤوس العالمية والإسبانية)
• أنشيلوتي: المدرب الوحيد الذي نال لقب دوري الأبطال كلاعب ومدربٍ مع ريال مدريد، محققًا ثلاثيةً تاريخيةً عام 2014 ثم العودة بقوةٍ في عهدٍ جديدٍ (2013–2015)
رغم صلابة بيريز المعروفة، بدا الرئيس غارقًا في الحزن والفخر معًا، وهو يستند إلى درابزين المنصة الشرفية، فيما كانت عيونه تخطف النظرات نحو النجم الكرواتي والمدرب الإيطالي اللذين قدما الكثير للنادي الملكي.
رسالة امتنان من الجماهير ومنصة البرنابيو

عند صافرة النهاية التي أنهت مباراة ريال سوسييداد الأخيرة، وقف لاعبو ريال مدريد ليقوموا بدورٍ فريدٍ في تاريخ كرة القدم الإسبانية: محيط بشري ملؤه الاحترام للمغادرين.
• وقفت الجماهير الصفّوف مُصفّقة باسم مودريتش، الذي منذ انضمامه صيف 2012 كان ركيزةً أساسيةً في وسط الملعب، ووسط تكهناتٍ حول انتقاله المحتمل إلى إنتر ميامي الأمريكي.
• صافحت الجماهير أنشيلوتي، ورقت لافتاتٌ كتب عليها: “شكرًا يا كارليتو” و”المدرب الأبدي”، في تذكيرٍ بأنه أعاد “الميرنغي” إلى كراسي العرش الأوروبي.
عند نزال الوداع، توجه بيريز إلى منصة التتويج، مدّ يده مرتين لتصافح مودريتش وأنشيلوتي، ثم خيَّم الصمت لبرهةٍ، قبل أن تتساقط الدموع بشكلٍ واضحٍ لأول مرةٍ في مشواره الإداري الطويل.
ما وراء المشهد: علاقة استثنائية وتاريخٌ من الإنجازات
لم تكن لحظة الوداع عاطفيةً فحسب، بل هي استعادةٌ لفصولٍ ذهبيةٍ كتبها الثنائي:
1. مودريتش: كان نجمه المتأنق بلمساتٍ ساحرةٍ، من الدوري الإسباني إلى كأس العالم للأندية، وتوجّه بجائزة أفضل لاعب في العالم عام 2018.
2. أنشيلوتي: مدير فنيٌ تصالحت خططه التكتيكية مع طقوس الفوز، فقاد الفريق لألقابٍ محليةٍ وقاريةٍ عديدةٍ، فيما حافظ على استقرارٍ نفسيٍ للاعبين تحت ضغطٍ هائلٍ.
تضافرت جهودهما تحت قيادة بيريز، وصارت قاعات الكؤوس في سانتياغو برنابيو شاهدةً على إنجازاتٍ تاريخيةٍ: من عام 2014 الثلاثي الأعجوبة (الدوري الإسباني، دوري الأبطال، كأس العالم للأندية) إلى ثلاثيةٍ جديدةٍ في 2022–2024 تحت مظلة أنشيلوتي الثاني.
نظرات المستقبل… واستثمار العواطف في مشروعٍ جديد

مع إعلان النادي عن قدوم تشابي ألونسو لقيادة أول مواجهة رسمية يوم 1 يونيو 2025، يسعى بيريز وبقية الإدارة لبناء جسرٍ بين الأمس واليوم:
• الاستفادة من إرث مودريتش وخبرته في تأهيل المواهب الشابة داخل أكاديمية “لاس روساليس”.
• تطبيق فلسفة أنشيلوتي في إدارة اللاعبين ودعم حرية الإبداع داخل الملعب.
• ترسيخ مبدأ “الأبطال يستحقون الوداع” كأساسٍ ثقافيٍ يجمع بين الكادر الفني والإداري والجماهير.
في تصريحاتٍ لاحقةٍ لـ”ماركا” الإسبانية، أشار بيريز إلى أن “عاطفةً مثل التي رأيناها في وداع مودريتش وأنشيلوتي هي التي تبني فرقًا لا تُنسى وتُلهم الأجيال المقبلة لاستكمال مسيرة المجد”.
تفاعل وسائل الإعلام والجماهير
لم يمر هذا المشهد مرور الكرام على الصحافة الرياضية العالمية، إذ عنونت:
• AS: “دموع بيريز تكسر قواعد الملكي… وداعٌ لا يشبه الوداع”
• L’Équipe: “أعظم رئيس يذرف الدمع… نهاية عصرٍ وبداية عهدٍ جديد”
• Sky Sports: “لحظة الوداع التي كتبت تاريخًا في سانتياغو برنابيو”
وسرعان ما تصدّر هاشتاج #وداع_الأساطير منصّات التواصل في إسبانيا والعالم، مؤكدًا ربط اللحظة بين الزخم الإعلامي والعاطفة الجماهيرية التي تميز بها ريال مدريد.
خاتمة… حين تكون الدموع أبلغ من الكلمات
بمزيجٍ من الفخر والحنين، ودّع فلورنتينو بيريز اثنين من أعظم أبناء النادي، مطلقًا بذلك صيحةً عاطفيةً في وجه كرة القدم الحديثة التي لا تعرف مشاعرَ إلا في قصص الأفلام.
ويبدو أن هذا المشهد سيبقى محفورًا في ذاكرة “الملكي” وعشّاقه، تذكيرًا بأن العاطفة والولاء يمكن أن يتقدا وسط أروقة كرة القدم، حتى في قلعةٍ اعتبرت دائمًا حصنًا منيعًا ضد أي انفعالاتٍ شخصية.