نمطٌ تكتيكيٌ اختارته الأفاعي
قدّم لامين يامال نفسه هذا الموسم كأسطورةٍ مراهقةٍ لا يُستهان بها، بعدما سجل في المباريات الكبرى مع برشلونة وابتكر فرصًا لا تُحصى. لكن رهان إنتر ميلانو بقيادة سيموني إنزاجي على خطةٍ دفاعيةٍ حازمةٍ وركّزت على إخراجه من المعادلة النهائية، نجح في حرمان الجوهرة الإسبانية من أي مساهمةٍ في الإياب المصيري لنصف نهائي دوري أبطال أوروبا، رغم أن ذهاب المواجهة انتهى بالتعادل 3–3 على ملعب الكامب نو.
عمد إنزاجي إلى إبراز نسخةٍ أكثر انضباطًا من فريقه الإيطالي في سان سيرو، فكرّر تجربة الذهاب في ميلانو بإغلاق المساحات الضيقة أمام حركة يامال السريعة، لكن هذه المرة كانت خطة الرقابة المركّزة مزدوجةً من قلب الدفاع والظهير، ما حرمه من التمريرات العرضية المثالية وتصويباته النفطية. وحين سُجِّل الهدفان الأول والثاني لإنتر (لاوتارو مارتينيز وهاكان تشالهان أوغلو)، بدا واضحًا أن الضغط المنظّم وسيطرة الركائز الدفاعية أذلَّت فاعلية خط وسط برشلونة.
عُروضٌ كبرى فاتته لأول مرةٍ
وما بين بايرن ميونخ وأتلتيكو مدريد وريال مدريد، كان يامال غالبًا ما يُسطّر أرقامه في سجل النجوم:
- صناعة هدفٍ ضد البافاري في دور المجموعات بدوري الأبطال.
- تسجيل هدفيْن في ذهاب نصف نهائي الأبطال أمام إنتر.
- ثنائيةٌ متفجّرةٌ ضد ريال مدريد وأتلتيكو مدريد في الدورين الحاسمين بكأس الملك والدوري.
إجمالًا، خاض الموهوب البالغ 17 عامًا ثماني مبارياتٍ كبرىٍ هذا الموسم، سجّل أربع مراتٍ وصنع خمس تمريراتٍ حاسمةٍ. لكن معضلة سان سيرو كانت الأولى التي لم يترك فيها بصمته التهديفية أو الإبداعية، حيث أفقدته الرقابة المزدوجة فرصته في أي تمريرةٍ أو تسديدةٍ خطرين.
مَن يستفيد من يامال لو لعبوه من دون غطاءٍ مزدوجٍ؟
اتبع داني أولمو في المؤتمر الصحفي نهجًا فنيًا متقدمًا، حين رأى أن انشغال إنتر بإيقاف يامال سيخلق “لاعب حرٍّ إضافيٍّ” في الملعب، يصبّ في مصلحة بقية عناصر برشلونة، خصوصًا الظهير الداعم إيريك جارسيا وجيرارد مارتين. وقد أثبتت الإحصائيات تلك الفكرة، إذ صنع جارسيا هدفًا من تحركٍ خلف الدفاع على عرضيةٍ أرضيةٍ، فيما سجل أولمو نفسه هدف التعادل الثاني.
“سُم الأفاعي”.. ضربةٌ قاسيةٌ في الوقت القاتل
وبعد أن بدا أن برشلونة في طريقه لتأمين بطاقة النهائي حين تقدّم بثلاثةٍ مقابل هدفين، قوّض فرانشيسكو أتشيربي تلك الآمال في 90+3 بهدفٍ غالٍ، منحت الأفاعي روح القتال الإضافي، ثم توّج دافيد فراتيسي المسرحية الملحمية بتسديدةٍ أرضيةٍ قاتلةٍ في الدقيقة التاسعة من الشوط الإضافي الأول (4–3)، محولًا مجموع المواجهتين إلى 7–6 لصالح إنتر.
إنتر فاز حيث أخفق الكبار
لم ينجح أثرياء أوروبا الكبار من مانشستر سيتي وريال مدريد ومانشستر يونايتد في نفس الموسم في إخراج يامال عن تركيزه كما فعل إنتر. فقد ورغم تألقه في المدرجات والدفاع القوي، لم يتمكّن أي لاعبٍ من جعل الخطة التفاضلية ضد يامال تتسبّب في سقوطه مثلما فعل أبطار “جوزيبي مياتزا” أمس.
رسالةٌ ختام
قد يكون هذا الختام القاسي للقاء نصف النهائي أكبر درسٍ لبرشلونة وقائده الشاب يامال: أن العبقرية الفردية وحدها لا تكفي لمواجهة من يُقنِّع خطوطه الخلفية بالقتال ككتلةٍ واحدةٍ متماسكةٍ. وقد أخذ إنتر بقيادة إنزاجي هذه الدروس إلى العالمية، حين حولوها من خطةٍ مؤقتةٍ للقاء إلى فلسفةٍ ثابتةٍ لبناء فريقٍ قادرٍ على التحدي في ميونيخ.
وهكذا، رغم أنّ يامال لم يقامر بحدودٍ خارج تعبيره الفني المعتاد، إلا أنّه وجد نفسه ضحيةَ “سم الأفاعي” الإيطالية في قمةٍ لا تُنسى، كتب فيها الأبطال المجهولون فصول انتصارٍ دراميٍّ وحجز لموعدٍ نهائيٍّ ينتظر قارع الأبطال.
