ديمبلي: من الانتقادات إلى التألق
في مقابلة مثيرة للجدل مع صحيفة موندو ديبورتيفو، فتح روبرت فيرنانديز المدير الرياضي السابق لنادي برشلونة النار على فترته في الإدارة الرياضية للنادي الكتالوني، كاشفًا تفاصيل جديدة حول صفقتين من أكثر الصفقات المثيرة للجدل في تاريخ برشلونة الحديث: عثمان ديمبلي وفيليب كوتينيو. وبينما أقر بفشل صفقة كوتينيو، لم يتردد في الاعتراف أن ديمبلي “صفع الجميع”، وأثبت في نهاية المطاف أنه كان يستحق الثقة التي لم يحظ بها في بداياته مع الفريق.
ديمبلي: 135 مليون يورو تحت ضغوط نيمار
بدأ ديمبلي مشواره مع برشلونة في صيف 2017 بعد انتقاله من بوروسيا دورتموند مقابل ما يزيد عن 135 مليون يورو، ليكون واحدًا من أغلى التعاقدات في تاريخ النادي. الصفقة جاءت كاستجابة مباشرة لرحيل نيمار المفاجئ إلى باريس سان جيرمان، وهو ما دفع إدارة برشلونة إلى التحرك بشكل سريع واستعجالي لإيجاد بديل بنفس الوزن الفني والإعلامي. لكن التوقعات المرتفعة اصطدمت بالواقع القاسي، حيث عانى اللاعب الفرنسي الشاب من إصابات متكررة أثرت بشكل كبير على مسيرته في موسمه الأول والثاني، وأثارت شكوك الصحافة والجماهير بشأن التزامه المهني وسلوكه الشخصي خارج الملعب.
فيرنانديز: ديمبلي لم يكن ناضجًا.. لكنه عاد بقوة
روبرت فيرنانديز، الذي كان له دور مباشر في جلب ديمبلي وكوتينيو، لم يتهرب من المسؤولية، بل قدم تحليلاً عميقًا حول أسباب الفشل والنجاح. وفيما يخص ديمبلي، قال فيرنانديز إن الجميع كان قاسيًا جدًا عليه، سواء الإعلام أو إدارة النادي وحتى الجهاز الفني، مؤكدًا أن اللاعب لم يكن ناضجًا بما يكفي وقت انضمامه لبرشلونة، وكان من الصعب عليه فهم الضغط الهائل الذي يصاحب ارتداء قميص فريق مثل برشلونة. ومع ذلك، يعتقد فيرنانديز أن اللاعب أظهر تطورًا استثنائيًا في سنواته الأخيرة، خاصة في ظل العمل مع المدرب تشافي هيرنانديز، حيث وصفه بـ“المحترف الحقيقي”، وأكد أن ديمبلي “صفعنا جميعًا” بعدما عاد من إصابتين خطيرتين، واستعاد مستواه، وقدم أداءً قويًا حتى لحظة رحيله إلى باريس سان جيرمان في صيف 2023.
كوتينيو: من الأمل إلى العبء
أما على صعيد صفقة فيليب كوتينيو، فلم تكن تصريحات فيرنانديز أقل صراحة، حيث أكد أن اللاعب البرازيلي كان وقتها “أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز”، وكان يشكل تهديدًا هجوميًا استثنائيًا بفضل مهاراته في التسجيل والتحرك بين الخطوط. برشلونة راهن عليه ليكون الخليفة المنتظر لإنييستا في خط الوسط، لاعب يجمع بين الإبداع والرؤية والتهديف، لكن الأمور لم تسر كما خُطط لها، وتحوّلت الصفقة إلى عبء مالي وفني ضخم. لم ينجح كوتينيو في التأقلم مع أسلوب اللعب في “كامب نو”، وبدلًا من أن يكون عنصر قوة، أصبح رمزًا لإخفاقات الإدارة في فترة ما بعد الثلاثية التاريخية.
السبب؟ غياب الرؤية وليس الجودة
وأكد فيرنانديز أن الصفقة لم تكن مجرد خطأ تكتيكي، بل عكست خللاً في منظومة اتخاذ القرار داخل النادي في ذلك الوقت. وأضاف: “كان لدينا الأمل في أن يصبح كوتينيو لاعبًا حاسمًا، وقد كان يمتلك المؤهلات لفعل ذلك، لكن البيئة لم تساعده، ولا هو استطاع التأقلم سريعًا”. أشار كذلك إلى أن فشل صفقة كوتينيو لم يكن بسبب نقص في الجودة بل بسبب غياب الرؤية الفنية في كيفية استخدامه، والضغط الكبير من الجمهور والإعلام الذي لم يمنحه الفرصة الكافية لإثبات نفسه.
مراجعة ذاتية نادرة
ما يجعل تصريحات فيرنانديز تكتسب أهمية مضاعفة هو أنه يقدم مراجعة ذاتية نادرة، لا تهدف إلى التبرير بل إلى توضيح الفجوة بين التوقعات والواقع في سوق الانتقالات. فبعد مغادرة اللاعبين للفريق، بات من السهل رؤية الصورة بوضوح: ديمبلي أصبح أحد أبرز نجوم باريس سان جيرمان، ويواصل تقديم مستويات متميزة جعلته أحد الأعمدة الأساسية للفريق الفرنسي، بينما تحوّل كوتينيو إلى لاعب يتنقل بين الإعارات، ويكافح من أجل استعادة مستواه السابق.
الضغوط أم الرؤية طويلة المدى؟
وبين الإشادة والندم، يظهر فيرنانديز كأحد الشخصيات التي لا تخجل من النقد الذاتي، معترفًا بأن كثيرًا من قراراته كانت مدفوعة بالضغوط الخارجية أكثر من الرؤية طويلة المدى. فبرشلونة في تلك الفترة كان في سباق مع الزمن للحفاظ على هيبته الأوروبية، ولم يكن أمامه رفاهية الوقت لاختبار اللاعبين أو تطويرهم تدريجيًا.
الخلاصة
في الختام، تأتي هذه التصريحات لتضع نقاطًا حاسمة على حروف صفقات شكلت جزءًا مهمًا من التحولات الكبرى التي مر بها برشلونة خلال السنوات الأخيرة. فقد حمل ديمبلي على كتفيه شكوكًا وظلمًا كبيرًا لكنه صمد ورد بقوة، فيما كان كوتينيو ضحية لضغط التوقعات وعدم وجود خطة فنية تناسبه. وبين هذه التجارب، تتضح أهمية الإدارة الهادئة، الصبورة، وذات الرؤية الواضحة في التعامل مع صفقات بالملايين، فكل قرار خاطئ لا يكلّف فقط الأموال، بل يؤثر على مسار نادٍ بحجم برشلونة لسنوات طويلة.
