حرص أردا توران نجم برشلونة السابق على توجيه رسالة دعم خاصة إلى مواطنه هاكان تشالهان أوغلو لاعب وسط إنتر ميلان بعد تلقي الأخير صدمة كبيرة إثر خسارته نهائي دوري أبطال أوروبا بخماسية نظيفة أمام باريس سان جيرمان السبت الماضي على ملعب أليانز أرينا في ميونيخ. وجاءت هذه المبادرة من توران لتؤكد مدى قوة العلاقة التي تربط الثنائي على المستويين الكروي والشخصي منذ تواجدهما مع صفوف المنتخب التركي، وكذلك لتسلط الضوء على الوقفة الإيجابية تجاه من يمر بلحظات صعبة رغم بلوغه قمة كرة القدم الأوروبية.
فخماسية باريس سان جيرمان أمام إنتر تمثل واحدة من أكبر الهزائم التي شهدها نهائي دوري أبطال أوروبا على مدار تاريخه، إذ انتهت المباراة بواقع خمسة أهداف دون رد لنادي العاصمة الفرنسية الذي احتفل بلقب البطولة للمرة الأولى في تاريخه، وذلك بعد موسم استثنائي قاده فيه النجم الليفربولي السابق مويس كين إلى صناعة الفارق في عدة مباريات حاسمة. في المقابل اضطر تشالهان أوغلو إلى مواجهة صدمة لم يكن يتوقعها طوال أيار الجاري، خصوصًا وأنه ساهم بفاعلية في وصول فريقه إلى المباراة النهائية عقب انتصارات مثيرة في الأدوار الإقصائية التي كان أبرزها ثأر إنتر أمام بايرن ميونيخ في نصف النهائي.
فقدان التوازن بعد الهدف الأول
عقب الدقائق الأولى من هبوط معنويات لاعبي إنتر إثر أولى أهداف باريس التي سجلها النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي بطريقة متميزة عبر تسديدة متمكنة من خارج منطقة الجزاء، فقد أبناء المدرب سيموني إنزاجي توازنهم تمامًا، ليُكمل كتيبة هدّاف حديقة الأمراء أهدافها بإضافة أسماء مثل كيليان مبابي ونجولو كانتي وباولو ديبالا ومالكوم في الشوط الثاني. وتسببت هذه الخسارة القاسية في شعور عميق بالخيبة لأبناء مدينة ميلانو الذين شهدوا موسمًا قويًا لكتيبتهم الإيطالية إلا أن مفاجأة رتم الأداء الهجومي الباريسي ارتدت بنتائج مفاجئة على أرضية الملعب.
ردود الفعل الإعلامية والدعم المعنوي
ووسط أجواء الأسى التي عاشها تشلهان أوغلو بعد صافرة النهاية بدأ الإعلام الإيطالي في الحديث عن احتياج اللاعب إلى الدعم المعنوي، وهو ما نجح أردا توران في تقديم جزءٍ منه سريعًا عبر نشر تغريدةٍ عبر حسابه الرسمي على منصة إكس كتب فيها: “أنا فخور بك شكرًا لك على تمثيلنا دائمًا على أعلى مستوى يا أخي”. لم تكن هذه العبارة مجرد كلماتٍ روتينية بل إنما تحمل في طياتها الكثير من الإحساس بالزمالة والتقدير لمجهود تشالهان أوغلو الذي طوى بدايات صعبة حتى أصبح من الأعمدة الأساسية في تشكيلة إنتر ومن أهم صانعي اللعب في السيري آ منذ انتقاله إلى قلعة النيراتزوري قادمًا من ميلان الصيف الماضي.
علاقة تجمع بين الخبرة والموهبة
ويعود تاريخ العلاقة بين توران وتشالهان إلى انضمام الثنائي إلى صفوف المنتخب التركي في أعقد مراحل تطوير الفريق، إذ شاركا معًا في بطولة كأس الأمم الأوروبية عام 2016 حيث تألقت تركيا بفضل تماسك عناصرها ومنظومة اللعب الثاقبة التي بُنيت على سيارات نارية من اللاعبين الشباب ذوي التحركات السريعة. وبعد ذلك عاش الثنائي عمرًا مليئًا بالمباريات الودية والرسمية وطنيةً وأنظرية حيث تبادل توران الخبرات التكتيكية التي اكتسبها في معترك الليغا وجوارديولا مع تشالهان الذي تأثر بروح كرة القدم المحترفة التي سيطرت على أجواء كامب نو وباعثها في الخطوط الخلفية للهجوم.
الجانب الفني لتشالهان أوغلو
من الناحية الفنية يتمتع تشالهان بموهبة استثنائية في التسديد من خارج منطقة الجزاء والتمريرات الدقيقة التي يرسلها بين خطوط الخصم، وكذلك القدرة الفائقة على قراءة اللعب وقيادة الوسط من المنظور التكتيكي على غرار الأسلوب الذي اعتمدده المدرب أنطونيو كونتي في تدريبه السابق لميلان قبل انتقاله إلى إنتر ميلان. وقد وصلت مساهماته إلى تسجيل 14 هدفًا وصناعة 10 آخرين على مستوى الدوري الإيطالي ومنافسات كأس إيطاليا بالإضافة إلى قيادته للإنتر في عددٍ من المباريات القارية التي شكلت من خلالها استفتاءً على أهمية وجوده في تركيبة تشكيلة المدرب سيموني إنزاجي.
مسيرة أردا توران الاستثنائية
أما بالنسبة لأردا توران فقد خاض مسيرة استثنائية مع برشلونة بدأت في عام 2015 قادمًا من أتلتيكو مدريد، حيث ساهم في تحقيق العديد من الألقاب المحلية والقارية بينها لقب دوري أبطال أوروبا عام 2015 الذي حطم حينها طموحات يوفنتوس في النهائي الذي جرى بأمستردام. وكان دور توران مؤثرًا للغاية في بناء اللعب الإبداعي الذي تعلمه على يد المدرب الإسباني لويس إنريكي حيث تطلب منه الإبداع في المساحات الصغيرة والتوجه نحو العمق والهجوم من مركز الجناحين وفق فلسفة تيكي تاكا التي رسخها نادي برشلونة في السنوات الماضية.
وقفة أخوية تتجاوز المنافسة
ومع انتهاء المشوار الأوروبي للموسم الحالي وتوجه الجماهير نحو المحلي من واقع تذبذب نتائج بعض الأندية الكبرى، باتت وقفة توران إلى جانب تشالهان نموذجًا إيجابيًا يعكس أسمى معاني الأخوة والسلام الرياضي. إذ يرى كثير من المتابعين أن الدعم المعنوي يُعد جزءًا لا يتجزأ من بناء شخصية اللاعب عندما يمر بفترة معنوية صعبة، وقد كانت اللافتة السريعة من النجم الإسباني بمثابة رسالة إعلامية قوية مفادها أن التقويم لا يمر من خلال الأرقام فقط ولكن بمقدار الجهد والروح القتالية التي قدمها تشالهان طوال رحلة التأهل إلى النهائي.
تعاطف جماهيري وإعلامي واسع
ولم يقتصر الأمر على تعاطف جماهير إنتر وإيطاليا بأكملها فحسب، بل امتد أيضًا إلى جمهور برشلونة الذي بات يدرك أن كوكبة نجومه السابقين لا تنسى من ساهم معها في صنع أمجاد جارديولا وإنريكي، فتاديم آلاف التعليقات من أنصار البلوغرانا يثنون على موقف توران ويؤكدون على أن القرارات التي يتخذها اللاعبون بحس الأخلاق والوفاء تعكس قيمة حقيقية لشعار النادي الانساني والاجتماعي. كما أن الصحف الإسبانية والإيطالية سلطت الضوء على القيم المشتركة بين اللاعبين القدماء والحاليين، خاصة في أوقات الأزمات والخسارات.
أهمية الروح داخل وخارج الملعب
من جهة أخرى يعكس هذا التضامن التركي أهمية تعزيز العلاقة بين اللاعبين داخل وخارج الميدان، خاصة في ظل المنافسات الأوروبية الكبيرة التي تضع أندية إيطاليا على مساحة عالية من الاهتمام العالمي. وتعد وقفة توران لهذه الغاية بمثابة نصيحة غير معلنة توضح أن استمرارية التفوق لا تقتصر على الانتصارات فحسب، وإنما على الأجواء الإيجابية والمحافظة على الروح المعنوية العالية حتى في خضم الهزائم الثقيلة. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن تفادي تداعيات الخسارة يتطلب تماسكًا داخليًا من قِبل الفريق بأجمعه، وما يقوم به لاعب قديم كأردا من مواساة وتقدير يؤسس لمناخ صحي في كرة القدم الحديثة التي باتت ترتبط غالبًا بعالم الاحترافية والإنتاجية العالية.
ختامًا: رسالة إنسانية من أردا توران
وفي نهاية المطاف، فإن رسالة الدعم التي بعثها أردا توران إلى هاكان تشالهان أوغلو تعتبر تجسيدًا حقيقيًا لمعنى الأخوة الرياضية وكيفية التكاتف في اللحظات الصعبة بعيدًا عن أضواء المجد وعناوين الصحف. ويبقى الأمل معقودًا على أن يتجاوز تشالهان أوغلو آثار الهزيمة الكبيرة وأن يستمد منها حماسه للمواصلة وتقديم أفضل ما لديه لمساعدة إنتر ميلان على العودة سريعًا إلى منصات التتويج في الدوري الإيطالي ودوري أبطال أوروبا. ولم تبقَ سوى أن يلتحم الشجاعة والإرادة مع الخبرة التكتيكية إلى جانب الدعم المتواصل من العائلة الكروية كي ينشئ اللاعب التركي قصة انتعاش جديدة تليق باسم تشالهان أوغلو وتلاحم الأصدقاء السابقين عبر حدود الملاعب.
