بعد تتويجه بدوري أبطال أوروبا مع باريس سان جيرمان وقيادته للفوز التاريخي على إنتر ميلان بخمسة أهداف دون مقابل في النهائي الذي أقيم على ملعب أليانز أرينا، رد النجم الفرنسي عثمان ديمبيلي على الهجوم الذي تعرض له من جانب روبرت فيرنانديز المدير الرياضي السابق لنادي برشلونة، وذلك في تصريحات نقلتها صحيفة موندو ديبورتيفو. وجاءت هذه التصريحات بعد أن أشار فيرنانديز إلى أن انتقال ديمبيلي من برشلونة إلى باريس شكّل صدمة للجميع، وهو ما دفع اللاعب إلى الرد بشكل ودي أكد فيه أنه لا يحمل أي ضغينة تجاه القلعة الكتالونية، وأن تجربته مع برشلونة ستظل من أجمل المحطات في مسيرته الاحترافية.
أكد ديمبيلي في اتصال مع شبكة قنوات بي إن سبورتس أن سجله مع النادي الكتالوني سيبقى محفورًا في ذاكرته، مضيفًا بلهجة رقيقة: “كنت في العشرين من عمري عندما انضممت إلى برشلونة، وهذا الفريق كان حلم حياتي منذ الصغر. لقد تعلمت الكثير تحت راية البلوجرانا وبجانب نجوم من العيار الثقيل مثل ليونيل ميسي، لذلك فإنني سأحتفظ بالذكرى الجميلة فقط ولن أتلفظ بأي كلمة مسيئة تجاه أحد.” وأوضح مهاجم باريس سان جيرمان أنه لا ينسى اللحظات السعيدة التي قضاها في كامب نو، وأنه سوف يظل ممتنًا للنادي والجماهير ولو لم تسعفه الظروف بالبقاء أكثر من ذلك.
رد ديمبيلي على انتقادات فيرنانديز
استشهد فيرنانديز بما ورد في تقارير سابقة عن ديمبيلي من كون اللاعب “غير محترف” ويميل للخروج ليلا وتعاطي السهر، ثم عاد لينفي الاتهام نفسه، مشيرًا إلى أن ديمبيلي عانى إصابتين خطيرتين في برشلونة قبل أن ينجح في التعافي والعودة بقوة بعد أن اعتمد أسلوب حياة صحيًا وتحت قيادة تشافي هيرنانديز قدم مستوى متميزًا. وقال فيرنانديز إن أي لاعب آخر في سنه كان ليسلم بالوضع وينهار نفسيًا، لكن ديمبيلي أثبت أنه محترف حقيقي وعمل بجهد كبير حتى استعاد لياقته وقدرته التهديفية. وخص فيرنانديز اللاعب بعبارة “لقد صفعنا جميعًا” دلالة على مدى التأثير الذي أحدثه ديمبيلي برحيله المفاجئ إلى باريس رغم الصعوبات التي مر بها في كامب نو.
“أنا فخور بما حققته مع باريس”
وعن هذه العبارة قال ديمبيلي: “لا شك أنني مَن اختار الانضمام إلى باريس سان جيرمان وأنا فخور بما حققته هذا الموسم مع الفريق الفرنسي. عندما عشت تلك الفترة الصعبة في برشلونة كانت فرصة التعلم كبيرة، وبفضل التحديات والإصابات تمكنت من تطوير نفسي بشكل أفضل. لقد استفدت كثيرًا من الخبرات التي تعلمتها داخل أسوار كامب نو، ولذا لن أشتمهم أبدًا. أتوجه بالشكر إلى كل مدرب عملت معه وكل زميل لعبت بجانبه في برشلونة.”
مسيرة ديمبيلي في برشلونة
يُذكر أن ديمبيلي انضم إلى برشلونة في صيف 2017 قادمًا من بوروسيا دورتموند الألماني في صفقة وصلت قيمتها إلى 105 ملايين يورو، مما جعله ثاني أغلى صفقة في تاريخ النادي بعد نيمار دا سيلفا. وعلى الرغم من تعرّضه لإصابات متكررة أثرت على قدرته على المشاركة المتواصلة، إلا أن ديمبيلي تمكن من المشاركة في أكثر من 200 مباراة بقميص البلوجرانا، سجل خلالها 43 هدفًا وصنع 37 هدفًا لزملائه، مساهمًا في تتويج الفريق بالعديد من الألقاب المحلية والقارية.
التألق مع قدوم تشافي
خلال المواسم الأربعة الأولى كان دور ديمبيلي يتذبذب بسبب الإصابة وغياب الانسجام التكتيكي، لكن مع قدوم تشافي هيرنانديز مدربًا للفريق في منتصف الموسم الماضي، عاد ديمبيلي لنسخته المعهودة وتألّق في عدة مباريات حاسمة. وعليه ارتفعت أسهمه بين أنصار النادي الذين رأوا فيه مستقبل الجناح السريع عليه أن يستعيد مستواه الكامل. وقد احتل ديمبيلي في أحد التصنيفات الثالثة لجوائز الكرة الذهبية في عام 2019 بناءً على الأصوات التي منحت له، ما يدل على مدى قدرة اللاعبين والنقاد على تقدير إمكانياته الفردية على الرغم من مشاكل الإصابات السابقة.
الانتقال إلى باريس سان جيرمان
عندما قرر ديمبيلي الرحيل إلى باريس سان جيرمان أواخر سوق الانتقالات الصيفية في أغسطس 2023، كانت الصفقة تُقدَّر بنحو 50 مليون يورو مع متغيرات إضافية قد تصل إلى 10 ملايين يورو. وجاء هذا القرار من اللاعب رغبةً في خوض تجربة جديدة تعيد له ثقة نفسه قبل خوض فترة كانت تعد الأخطر في مشواره الاحترافي بسبب الإرهاق وتكرار الإصابات. وقد أوضح في أكثر من مناسبة أن اختياره كنجم قائم بجانب كيليان مبابي ونيمار في باريس سان جيرمان استند إلى طموح جديد يرنو إليه بعد تولّي كلوب المدرب الألماني توماس توخيل ثم الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو قيادة الفريق.
موسم استثنائي مع باريس
سجّل عثمان ديمبيلي هذا الموسم 33 هدفًا وصنع 15 تمريرة حاسمة في 49 مباراة خاضها مع باريس سان جيرمان في مختلف المسابقات، ما جعله أبرز المرشحين لنيل جائزة الكرة الذهبية بعد أدائه المميز ومساهمته الفعالة في تحقيق “الثلاثية التاريخية” التي ضمت لقب الدوري الفرنسي وكأس فرنسا وكأس دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخ النادي الباريسي. واعتبرت الصحف والمواقع الرياضية الأوربية أنه رغم تأخره في بداية الموسم بسبب الإصابات، إلا أنه صعد بعد ذلك بحماس ليرتقي بمعدلاته التهديفية إلى مستويات بارزة، وسط إشادة كبيرة من مشجعي النادي ومتابعي البطولة القارية.
إثبات الذات أمام الانتقادات
وقد أعرب عدد من نجوم كرة القدم عن تقديرهم للدور الذي لعبه ديمبيلي مع باريس سان جيرمان في حملّة “لا للعقدة الأوروبية” التي عانى منها النادي لفترة طويلة، حيث لم يكن يجيد الضغط العالي والتحولات السريعة التي أظهروها الموسم الحالي. ووصفه مدرب إنتر ميلان السابق أنطونيو كونتي بأنه يمثل تهديدًا حقيقيًا في الهجمات المرتدة بفضل سرعته الفائقة وتناغمه لاعبو باريس الآخرين في خط الهجوم.
مسيرة ديمبيلي من الأكاديمية إلى النجومية
يُذكَر أن ديمبيلي انتقل إلى أكاديمية الشباب في لومان الفرنسية وهو في سن الثماني سنوات، قبل أن ينتقل إلى رين في عام 2013 ويقدم مستويات مبهرة أهلته للظهور في تشكيلة المنتخب الفرنسي الأول في 2016 وهو لا يزال يبلغ من العمر 19 عامًا. ومن ثم خطف الأنظار باحترافه مع دورتموند الذي افتتح معه مسيرة تسجيل الأهداف الدولية بقذائف صاروخية، وهو ما جعله هدفًا لعملاقين أوربيين هما برشلونة ومانشستر يونايتد، قبل أن يحسم برشلونة الصفقة في عام 2017.
ختامًا: ديمبيلي نموذج للتغلب على الصعاب
ختامًا، يظل عثمان ديمبيلي نموذجًا للاعب الذي تخطى الصعوبات والإصابات وأثبت أنه يستحق مكانته بين صفوة النجوم العالمية، رغم الصعوبات التي واجهها في كامب نو. وإن رده على تصريحات روبرت فيرنانديز لم يكن مجرد دفاع عن نفسه، بل إعلان تضامن أخوي مع مدرسة برشلونة التي صنعته كلاعب ناشئ. وقد أكد ديمبيلي في ختام تصريحه قائلاً: “لن أشتم أحدًا والحياة تظل جميلة وسأحمل دائمًا ذكريات جميلة عن النادي الذي أعطاني الكثير، لكن الآن تركيزي ينصب على مواصلة صنع الإنجازات مع باريس سان جيرمان ومن ثم المنتخب الفرنسي في مسيرتي القادمة.”
