لم يكن الانتقال من "جلد الأفعى" في الهلال إلى مقعد المدير الفني لمنتخب السامبا في البرازيل حلمًا اعتاد عليه جورج جيسوس، المدرب البرتغالي الذي قاد الهلال إلى أكثر من لقب محلي وقاري خلال عامي 2023–2025. بيد أن إعلان الاتحاد البرازيلي لكرة القدم – في 12 مايو الجاري – عن اختيار الإيطالي كارلو أنشيلوتي لوراثة مقعد قيادة المنتخب الأول بدلًا من جيسوس، أشعل احتجاجات واسعة داخل أروقة المدرب السابق وردود فعل غاضبة على مواقع التواصل.
تحضيرات مبكرة و"تسهيلات" غير مسبوقة
تسلّمت إدارة الاتحاد البرازيلي طلبات ترشيح المدربين بعد انتهاء عقد تيتي، وظهر اسم جيسوس بقوة بفضل إنجازاته مع الهلال، حيث سهّل خطوة فك ارتباطه مبكرًا مع النادي السعودي، ووافق على فسخ ما تبقى من عقده من دون تعقيد (UOL). بل ذهب أكثر من ذلك، فقدَّم ضمانات خطية لرئيس الاتحاد إيدنالدو رودريجيز بأن علاقته بالنجم نيمار دا سيلفا، الذي تدرب تحت قيادته في الهلال، لن تكون عائقًا في إدارة غرفة تبديل الملابس البرازيلية (UOL)، برغم ما تردَّد عن توتر العلاقة بين الثنائي خلال فترة احترافهما معًا.
وعندما تقاطعت "الضمانات" مع رغبة الاتحاد في مدرب يتمتّع بشهرة عالمية تفوق حدود أميركا الجنوبية، انبرت الأنظار صوب أنشيلوتي، الذي سبق له قيادة ريال مدريد إلى الذهب الأوروبي ثلاث مرات، فقُدّم له العقد رسميًا قبل ساعات من توقيع جيسوس على أي ورقةٍ رسمية لدى الاتحاد.
انهيار جيسوس النفسي والمطالب الداخلية

يروي مقربون من غرفة جيسوس في الدقائق الأولى بعد الخبر أن البرتغالي ارتعش وارتفعت دقات قلبه، وهو يتلقّى المكالمة التي أخبرته أن الاتحاد اختار مدربًا آخر رغم اتفاقه النظري مع مسؤولي "الكافيهة" قبل أيام. وقال أحدهم: "لجورج حسٌ إنساني كبير، ولا يحب أن تُسحب منه صفقات وهو على مشارف إتمامها، وهذه المرة كانت صفقة حياته".
وفي غضون ساعات قليلة، تصدّر وسم #خيانة_الاتحاد_البرازيلي قائمة التغريدات في البرازيل، مع مئات الرسائل المناصرة لجيسوس والمطالبة بإعادة فتح باب الترشح. وانتقد معلقون النادي المحلي لعدم احترامه دور المدرب البرتغالي الذي صبّ جلّ اهتمامه في الإشراف على نجوم السامبا، وعلى رأسهم نيمار، الذي وصفه جيسوس في أكثر من مناسبة بأنه "اللاعب الذي يمتلك القدرة على قلب أي مصير خلال دقائق".
موقف الاتحاد وجاذبية أنشيلوتي
من جانبه، أشار إيدنالدو رودريجيز في مؤتمر صحفي إلى أن "الاختيار وقع على كارلو أنشيلوتي لما يتمتع به من تجربة أوروبية لا تضاهى، وقدرة على التعامل مع نجوم الصف الأول"، مؤكدًا أن الأولوية كانت لـ"مشروع فني يمتد لسنوات وليس محطة انتقالية بسيطة" (بيان رسمي للاتحاد البرازيلي).
بينما يعتلي أنشيلوتي قمة مجده بدعوة السامبا لمعسكره التأسيسي في يونيو، يبقى السؤال الملحّ: هل سينجح أسلوبه الإيطالي التقليدي في التماشي مع ثقافة الكرة البرازيلية الصاخبة ومطالب الجماهير المتعطشة للانتصارات؟
تداعيات على الهلال ومستقبل جيسوس

لا يقتصر الأمر على أروقة السامبا، إذ وصل صدى الواقعة إلى الرياض أيضًا، حيث تسبّب رحيل جيسوس المبكر عن الهلال في أزمة فنية. فقد كان متوقعًا أن يُستفيد النجم نيمار من استكمال العلاقة مع مدرب يفهم طريقة تفكيره، لكن انتقال جيسوس إلى مهمة جديدة وإخفاقه بها حرم "الهلال" من مدير فني حقّق 6 ألقاب في 18 شهرًا.
وفي الأثناء، يدرس جيسوس عروضًا من أوروبا، أبرزها من الدوري التركي والبرتغالي، في محاولة لاستعادة بريقه وكسر حاجز الإقصاء المفاجئ. وتشير تقارير إلى أن بعض عمالقة البوندسليجا يرصدون إمكانية التعاقد معه كمدرب مؤقت قبل انطلاق الموسم المقبل.
سيناريوهات قادمة وصراع "اليمين واليسار"
مع اقتراب كأس كوبا أميركا 2026، سيحسم الاتحاد البرازيلي أمر المدرب مبكرًا لتفادي أي صراعات داخلية، وقد يشمل العقد بندًا جزائيًا ضخمًا للطرف الذي يخطئ بالإقالة المفاجئة. من جهته، يستعد جيسوس لجولة مفاوضات مرتقبة بعد إتمام "الدوّامة السامبا" التي تركته غاضبًا، وفي جعبته ملف إنجازاته مع الهلال وسيرة تجارب التدريب في أوروبا مع بازل البرتغالي وبنفيكا.
ختامًا: مفترق طرق للسامبا
كشفت أزمة اختيار كارلو أنشيلوتي على حساب جورج جيسوس عن تناقضات حادة داخل الاتحاد البرازيلي بين الإبقاء على الهُوية المحلية وجذب النجوم الكبرى لخدمة المنتخب. وهنا تبدو كرة القدم البرازيلية عند مفترق طرق حقيقي: هل يستمر الزخم التقليدي لصيدي النجوم المحليين، أم سيكون لخطوة الاتحاد هذه تداعيات بعيدة المدى على هوية "السامبا" وجماهيرها العاشقة للمخاطرة الفنية؟