
انعطاف بعيدًا عن الأندلس نحو لندن
بعد أشهر من جولات استطلاعية في إسبانيا، وتحديدًا للاستثمار في ألميريا، يبدو أن تركي آل الشيخ استقرت نظراته على الدوري الإنجليزي المزدحم بطموحات الصعود إلى البريميرليغ. تحدث مراسلون في “ديلي ميل” عن “سلسلة محادثات” قادها آل الشيخ أو وكلاؤه مع إدارة ميلوول، النادي العريق الذي أنهى الموسم المنصرم في المرتبة الثامنة بجدول تشامبيونشيب، وسط تقارير أفادت بأن العرض السعودي شمل نسبة من الملكية المشتركة وأولوية في خطط التوسعة والاستاد الجديد[¹].
غير أن تصريحات رسمية صادرة عن ملعب “ذا دن” جاء في ردها حاسمًا: “النادي غير معروض للبيع”، مؤكدة عدم وجود أي مفاوضات بشأن استثمار أو شراكة في الوقت الراهن. إدارة ميلوول، المملوكة حاليًا لشركة Millwall Holdings Limited، وأشرف عليها جيمس بيريلسون خلفًا لوالده الراحل عام 2023، شددت في بيان مقتضب على تمسكها باستقلاليتها ورغبتها في مواصلة مسيرة التحسن تحت قيادتها الراسخة.
لماذا تشدّ تركي آل الشيخ الرحال نحو بورصة الأندية الإنجليزية؟

خلال السنوات الخمس الماضية، أثبتت تجربة المستشار السعودي في عالم كرة القدم فعالية ضخ رؤوس أموال كبيرة في صفقات شراء أندية متوسطة الحجم. البداية مع ألميريا قبل أن يعلن منذ أسابيع انسحابه المفاجئ، ما دفع كثيرين للتساؤل عن خلفيات الرفض الإسباني للشراكة، وما إذا كانت الخلافات الإدارية أو تقييم الأصول الحقيقية للنادي هي السبب وراء تراجعه عن الصفقة.
أما الدوري الإنجليزي، فلا يخفي أحد جاذبيته الاقتصادية والتسويقية، خاصة وأن الأندية وسط تشامبيونشيب لم تتجاوز ببعضها مرحلة الاستحواذ الأجنبي، ما يعني فرصًا كبيرة للاستثمار على صعيد تطوير البنى التحتية وبيع الحقوق الإعلامية وفضاءات الرعاية. ولا يبدو أن تركي آل الشيخ يكتفي بالاستثمار المالي، بل يسعى لفرض بصمة ترفيهية مرتبطة بمشاريعه في المملكة، من خلال دمج خبرات إنجليزية في مجالات التنظيم وحفلات ما قبل المباريات والاستثمارات السياحية في الرياض.
جوردان يقترح “وينزداي” كبديل مُغري
صحفي الرياضة والمستثمر السابق سيمون جوردان كان قد تحدث في عموده بصحيفة “ديلي ميل” قبل أسابيع معلقًا على بحث آل الشيخ عن نادٍ إنجليزي، مقترحًا أن يكون شيفيلد وينزداي خيارًا أنسب. فالفريق الذي أنهى الموسم الحالي في مركز أقل بأربعة مراتب من ميلوول، يمتلك ملعبًا تاريخيًا بسعة كبيرة ومجتمعًا محليًا متحمسًا للاستثمار الطموح، مع توقعات بأن تكاليف امتلاك حصة مسيطرة فيه لن تتجاوز نصف القيمة المتداولة لأي صفقة في دوري التشامبيونشيب[²].
وعلى الرغم من أن سيناريو انتقال المفاوضات إلى وينزداي لم يتجاوز كونه “نصيحة ودية”، إلا أن انعكاسات طرح صورته على الطاولة أمام عدد من الأندية الإنجليزية أطلقت شرارة في الأسواق الإعلامية، إذ يتوقع محللون أن تجد الأندية الباحثة عن تمويل واستقرار رأسمالي دعمًا لوجستيًا وتسويقيًا كبيرًا في حال موافقة هيئة الترفيه السعودية.
هل يكرر آل الشيخ نجاح ألميريا في إنجلترا؟

تجربة ألميريا في دوري الدرجة الثانية الإسباني كانت قائمة على خطة تطوير تدريجي للاعبين الشباب وتعزيز الأكاديمية المحلية، وصولًا إلى تحقيق صعود أول في تاريخ النادي إلى الدرجة الأولى سنة 2023. إن أبرز التحديات أمام أي استثمار أجنبي في إنجلترا تتعلق بالتشريعات الجديدة بعد “بريكست”، التي تفرض رقابة على أوقات الملّاك الأجانب وإجراءات فحص الأهلية المالية (Owners’ and Directors’ Test). وبما أن تركي آل الشيخ يتمتع بسجل حكومي رفيع المستوى، فإن احتمالية تجاوزه لتلك المراحل تبدو أكبر مقارنةً بمستثمرين آخرين.
انعكاسات محتملة على سوق الانتقالات وصعود قيمة الأندية
في حال دخول المستشار السعودي بقوة في تشامبيونشيب، فمن المتوقع أن يشهد السوق المحلي ارتفاعًا في أسعار لاعبي الدرجة الأولى الإنجليزي، خاصة أولئك الذين يمتلكون مؤهلات صعود قوية للأندية المنافسة. ناهيك عن تدفقات الرعاة السعوديين المحتملة نحو شراكات استراتيجية مع النادي الذي سيغدو جزءًا من محفظة الهيئة العامة للترفيه.
ختامًا: فصول جديدة في ملحمة الاستثمار الكروي السعودي
بينما يحتدم الجدل حول نية تركي آل الشيخ ودوافعه الحقيقية، يبقى الاستنتاج الأولي أن استراتيجية الاستثمار الرياضي السعودي لم تعد تقف عند حدود الأندية القارية التقليدية، بل تتجه صوب الاستحواذ على أندية وسط أوروبا والجزء الأعلى انخفاضًا من القارة العجوز. فهل ينجح آل الشيخ هذه المرة في كتابة فصلٍ جديد يماثل نجاحه مع ألميريا؟ أم ستقف الجدران التنظيمية والمالية للدوري الإنجليزي سدًا أمام أطماعه؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة على سؤالٍ واحد: أي “نادي إنجليزي” سينال شرف ضم اسم المستشار إلى قائمة ملاكه؟