في ليلةٍ لم تكن عاديةً على ملعب “الإمارات” بل قلبت موازين المشاعر في معقل نادي أرسنال، كُشف الستارُ عن معاناةٍ عميقةٍ يعيشها لوكاس باكيتا، جناح وست هام يونايتد، عبر دموعه عقب حصوله على بطاقة صفراء في قمةٍ ديربي شمال لندن أمام توتنهام (1–1) ضمن الجولة الخامسة والثلاثين من الدوري الإنجليزي الممتاز. لم تكن الدموع مجرد رد فعلٍ على القرار التحكيمي، بل تجسيدٌ لأزمةٍ استمرت منذ عامين، كما كشفت زوجته ماريا إدواردا فورنييه في تصريحات صحيفة “ماركا”، موضحةً أن العائلة تعيش “كابوسًا” منذ انطلاق التحقيقات ضده في قضايا مراهنات.
إطارٌ زمني للاستجواب والتحقيق
ظهرت أولى بوادر الأزمة في أواخر 2022، حين فتح الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم ملفًا ضد باكيتا للاشتباه في تورطٍ بمراهناتٍ على بطاقاته الصفراء داخل مباريات وست هام. وقد شملت الفترة قضايا حصوله على إنذاراتٍ متكررةٍ بين نوفمبر 2022 وديسمبر 2023، ما أثار شكوكًا حول احتمالية اختياره للتظلم التحكيمي في مواقفٍ كان يمكنه في الغالب تجنبها. ولم يتأخر الاتحاد الإنجليزي في رفع سقف الاتهامات إلى احتمالٍ بارتكاب مخالفةٍ تستوجب عقوبةً قد تصل إلى الإيقاف مدى الحياة، بناءً على اللوائح الصارمة التي تمنع المراهنات على أي عنصرٍ من عناصر اللعبة من قبل اللاعبين.
انخفاضٌ واضحٌ في الأداء وقلق النادي

منذ انطلاقة الموسم الحالي، بدا واضحًا أن باكيتا يعاني من تراجعٍ ملحوظٍ في مستواه. فقد افتقد جرأته المعهودة في الانطلاق في الأجنحة وصناعة الفرص، وتراجع معدل المراوغات الناجحة إلى 40% مقارنةً بموسمه الممتاز مع ميلان في 2021، بينما انخفضت تمريراته الحاسمة في الدوري إلى 2 فقط مقابل 7 في الموسم الماضي. وفي مواجهة الأخبار المتداولة وضغط الإعلام، أعلنت إدارة وست هام يونايتد تفعيل خطةٍ سريةٍ لدعم اللاعب نفسيًا، بالتنسيق مع أخصائيين نفسيين ورياضيين، خشيةً من أن تؤدي المعاناة العائلية والاتهامات إلى إضرارٍ دائمٍ بتركيزه داخل المستطيل الأخضر.
بكاؤه أمام توتنهام… لحظةٌ امتزجت فيها الغضب بالأسى
جاءت لحظة بكاء باكيتا بعد لحظاتٍ من تلقيه البطاقة الصفراء، فبدت الدموع تتساقط من عينيه ليستخدم يده مسحةً سريعةً من على خده، قبل أن يكمل المباراة وسط هدوءٍ تقمصه الزملاء حتى تبدّى مشهد البراءة المتوجسة في وجهه. وأوضح موقع “ديلي ميل” أن الهدف لم يكن اعتراضًا محضًا على الحكم ديفيد كوتنز، بل تفجيرًا لصدمةٍ داخليةٍ تكدّست منذ أشهر، حين تحوّل نشاطه اليومي من الاستمتاع بلعب الكرة إلى الدفاع عن سمعته في مواجهة اتهاماتٍ تُبعده عن تركيزه.
كابوس العائلة… شهادات من الداخل

في تصريحٍ نادرٍ نقلته “ماركا”، قالت ماريا إدواردا:
“نعيش منذ ما يقارب العامين في هذا الجحيم، جدًاُ الأمر صعبٌ على لوكاس وليس هو وحده من يتألم. العائلة بأكملها تمر بضغطٍ رهيب، لكنه يظل قويًا ويسعى للتحلي بالهدوء في الملعب وخارجه. يرجو الناس أن يقدروا الموقف ويعاملوه باحترامٍ، فالأمور ليست كما تبدو على مواقع التواصل.”
وأضافت زوجته:
“هو لن يدافع عن نفسه إلا في الوقت والمكان المناسبين. لا شيء ضده؛ الله يعلم الحقيقة كاملةً. نحن بفضل الله في صحةٍ وسعادةٍ عائلية، لكننا بحاجةٍ إلى مساحةٍ للخصوصية بعيدًا عن التشويه الإعلامي.”
وعبرت ماريا عن أملها بأن يعود دعم الجماهير حافزًا لاستعادة صلاحياته الفنية؛ فما زال لدى باكيتا القدرة على أن يقدّم تمريراتٍ لا تضيع وفرصًا صريحةً أمام المرمى، خصوصًا إذا عاد لاستقرارِه النفسي.
نهجٌ فنيٌّ يُعالج إهدار الفرص
لم يتوانَ المدرب ديفيد مويز عن تسليط الضوء على ضرورة استعادة باكيتا لقدرته التهديفية التي شهدناها في ميلان، عبر تخصيصه لتمارينٍ خاصةٍ على إنهاء الهجمات:
1. تكرار اللمسات داخل صندوق الجزاء:
لتقوية ردة فعل اللاعب أمام المرمى.
2. جلسات فيديوية مكثافة:
لمراجعة أخطاء التمركز ومواضع استقبال الكرة.
3. دعمٌ نفسيٌّ تقنيٌّ:
عبر التعاون مع أخصائيين نفسيين لتعزيز ثقته بنفسه.
ورغم كل التشاؤم، يؤكد مويز أن النادي لن يتخلى عن مهاجمه، معتبرًا أن أي مساعدةٍ نفسيةٍ وفنيةٍ ستعيد “المهاجم البرازيلي” القادر على التحول إلى صانع ألعابٍ ومُسجلٍ متألقٍ.
خريطة الطريق للمستقبل… من الشكوك إلى الإثبات
تُظهر حالة باكيتا أهمية الدعم الشامل للاعبين الشباب في أنديتهم، لا سيما عندما يواجهون تحدياتٍ من خارج الملعب قد تهدد مسيرتهم. ويُحسب لوست هام اتخاذه إجراءاتٍ مبكرةٍ لضمان عودته لمستواه، بينما ينتظر المهاجم موعد جلسة الاستماع النهائية مع لجنة الانضباط في الاتحاد الإنجليزي، التي ستحدد ما إذا كان سيواجه إيقافًا نهائيًا أو خففًا للعقوبة بناءً على الأدلة والاعترافات.
في الأفق، يبقى السؤال: هل يخرج لوكاس باكيتا من هذا النفق المظلم بلا خسائرٍ فنيةٍ أو نفسيةٍ؟ أم أن خروجه من المشكلة المراهناتية سيُعيد الإنتاج الإبداعي الذي بدا أنه تلاشى؟ الأكيد أن المعركة الحقيقية لا تدور داخل الشباك وحسب، بل في مستوى الثبات الذهني الذي يتمسك به اللاعب حين تهدده أبواق الظنون.