صفقة تاريخية تثير الجدل
أثار انتقال ترنت ألكساندر-آرنولد من ليفربول إلى ريال مدريد جدلاً واسعاً واهتماماً كبيراً عبر منصات التواصل والمواقع الرياضية العالمية، خاصة بعد الكشف عن قيمة الصفقة التي وصفها الصحفي الإنجليزي باتريك كافيه سولهيكول بأنها “أغلى صفقة مجانية في تاريخ كرة القدم”.
وبهذا الإعلان رسم النادي الملكي عنواناً جديداً في سوق الانتقالات الصيفية قبل بدايتها الرسمية، متجاوزاً الكثير من القيود المالية ومخلّفاً وراءه تساؤلات حول تأثير هذا التحول على خططه المستقبلية داخل وخارج المستطيل الأخضر.
مفاوضات سرية امتدت لأشهر
باحثة المواقع الرياضية المختصة بالميركاتو أشارت إلى أن الصفقة جاءت بعد مفاوضات سرية امتدت لأشهر، انطلقت في اللحظة التي بدا فيها واضحاً أن عقد آرنولد مع ليفربول سينتهي بنهاية شهر يونيو 2025.
لقد سبق أن ارتبط اسم ألكساندر-آرنولد بعدد من الأندية الكبرى في أوروبا، لكن ريال مدريد كان الأكثر إصراراً على إنهاء الصفقة قبل انتهاء العقد الرسمي للمحور الدفاعي الإنجليزي الشاب.
وبهذه الخطوة الاستباقية استطاع المرينغي حسم الصفقة قبل أكثر من شهر من انتقاله إلى أسوار سانتياجو برنابيو تأكيداً على أهمية دوره المرتقب في مشروع المدرب كارلو أنشيلوتي الفني الذي يهدف إلى إعادة بناء الفريق العاصمي حول قاعدة تضم نجوم الخطوط الخلفية بجانب تعزيز القوة الهجومية.
تفاصيل الاتفاق والتكاليف غير المتوقعة

الإعلان الرسمي للصفقة جاء صباح يوم الجمعة لينقل أصداء الخبر إلى عشاق كرة القدم في الشرق والغرب، حيث أعلن ريال مدريد عقداً يمتد لستة مواسم تبدأ اعتباراً من الأول من يونيو 2025.
لكن الملفت في التفاصيل التي كشف عنها الصحفي كافيه سولهيكول عبر قناة سكاي سبورتس هو أن المرينغي دفع عشرة ملايين يورو كاملة كتعويض عن انتقال آلكساندر-آرنولد قبل انتهاء عقده بنحو 29 يوماً، إضافة إلى راتبه عن شهر يونيو بالعملة ذاتها.
ويعني هذا أن اللاعب كان بإمكانه الانضمام إلى النادي الملكي بدون مقابل في غضون أيام قليلة حال انتظاره حتى نهاية عقده مع ليفربول، لكن ريال مدريد فضل تحمّل هذه التكلفة المُفاجئة لضمان انضمامه الفوري والخضوع للبرنامج الإعدادي المُخصّص للفريق قبل انطلاق مشوارهم في كأس العالم للأندية 2025.
رفض ليفربول للعرض الأول وتأكيد قيمته
أوضح كافيه سولهيكول أن ليفربول رفض العرض الأول لريال مدريد والذي بلغ مليون يورو فقط بشرط الاستغناء عن راتب اللاعب عن شهر يونيو، متمسكاً بالحصول على المبلغ كاملًا لضمان تعويض جزئي عن رحيل نجمٍ يعدّ عموداً أساسياً في تشكيلة الريدز.
وقال في تصريحاته: “لم أر مثل هذه الصفقة المجانية باهظة التكلفة من قبل في حياتي، لم يعد هناك وجه يقارنها بأي صفقة انتقالٍ مجانية سابقة”.
هنا يقصد الصحفي الإنجليزي أن القيمة الإجمالية (العشرة ملايين يورو وراتب اللاعب) حطّمت كافة الأرقام المعلنة لنقل اللاعبين بعد انتهاء عقودهم، حتى تلك التي كانت تُقدّر بالملايين القليلة مقارنة بما دفعه المرينغي.
الشرط الجزائي الخيالي

في السياق ذاته، أكد الصحفي الإيطالي المعروف فابريتسيو رومانو عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أن عقد آلكساندر-آرنولد يتضمّن بنداً جزائياً يصل إلى مليار يورو، مما يجعل أي محاولة لاستقطابه من قبل أي نادٍ آخر مستحيلة دون اتفاق مسبق مع ريال مدريد.
وقد ضاعف هذا الشرط الفلكي من جاذبية النادي الإسباني للرسائل التي يرغب في توجيهها للاعبين والإدارات الأخرى فيما يتعلق بقوته المالية المطلقة وقوة جاذبية علامته التجارية، مانحاً آلكساندر-آرنولد دفعة معنوية إضافية قبل الانتقال إلى العاصمة الإسبانية.
مسيرة آرنولد في ليفربول
عيّن نادي ليفربول اللاعب الإنجليزي ترجمة فعلية للنجوم الشبان الأكفاء الذين خرجوا من أكاديمية «أكسا» وارتبطوا بأسماء أمثال ستيفن جيرارد وفرانك لامبارد في أجواء تحمل طابع الإنجازات المحلية والقارية.
وقد شارك ألكساندر-آرنولد في أكثر من 300 مباراة رسمية مع الريدز في جميع المسابقات، مسجلاً أكثر من 30 هدفاً وقدّم نحو 90 تمريرة حاسمة، ما يجعله ثروة فنية حقيقية ودعامة ثابتة ضمن جدار دفاع فريق المدرب يورغن كلوب سابقاً.
لكن مع اقتراب نهاية عقده اختار اللاعب خوض تجربة جديدة تتناسب مع طموحاته والتحديات المقبلة التي يأمل في تحقيقها على صعيد الألقاب الأوروبية والعالمية.
مشروع ريال مدريد الجديد
تأتي صفقة آلكساندر-آرنولد إلى ريال مدريد في وقت يعِد فيه حلّ حزمة التعاقدات الصيفية القادمة باكتظاظ قادم لا يقل أهمية عن تلك التي شهدها النادي الملكي في السنوات الماضية.
فقد أصبح واضحاً أن الخطة تتجه نحو استقطاب لاعبين في عمرٍ شبابي ويمتلكون خبرة المباريات الكبرى، وهم عناصرٌ سبق لهم ضبط إيقاع أنفيلد وروح المنافسة في البريميرليغ والدوري الأوروبي.
الراتب والتكيف في ريال مدريد
تكشف المصادر ذاتها أن ريال مدريد سيدفع راتباً سنوياً يصل إلى نحو 8 ملايين يورو صافية بعد الضرائب لألكساندر-آرنولد، وهي قيمة تتماشى مع سقف رواتب نجوم الريال الجدد مثل إدواردو كامافينجا ورودريغو جويس بالإضافة إلى إدواردو مينديز من مانشستر سيتي.
ويأمل النجم الإنجليزي في الاستفادة من تجربته مع تشكيلة ريال مدريد الإنسانية والفنية، خاصةً أن أنشيلوتي يُعرف عنه أنه لا يتردد في رعاية المواهب الشابة وإشراكها في المباريات الأكثر حساسية.
ردود الأفعال بين المشجعين
من جانب مشجعي ليفربول وصل الخبر إلى آلاف التدوينات والتغريدات التي تمنّت للاعب التوفيق في رحلته الجديدة، إلا أن الفصحى الإعلامية الإنجليزية والترجمة الرسمية للعقد أظهرت عدة علامات استفهام تتعلق بمثل هذه الخطوة الاستباقية التي أقدم عليها المرينغي.
فالبعض يرى أنها رسالة تسويقية أكثر منها فنية، وأن ريال مدريد لم يعد يعتمد على سياسة صقل المواهب داخلياً وإنما يسعى لضم عناصر جاهزة عوضاً عن تطوير صغار اللاعبين في كاستيا.
في حين يرى آخرون أن هذه الصفقة تمثّل انتصاراً لنموذج “سوق الانتقالات الحديثة” الذي يجمع بين القوة المالية والقيمة الفنية في آنٍ واحد، ما يمثّل دافعاً لأندية أخرى لإعادة ترتيب أولوياتها في الفترة المقبلة.
استقبال اللاعب في مدريد
في هذه الأثناء يترقب عشاق ريال مدريد اللحظة التي سيحمل فيها ألكساندر-آرنولد قميص الرقم 66 الذي ظلّ شاغراً منذ رحيل زميله في منتخب إنجلترا رحيم سترلينج عن ريال سوسيداد الصيف الماضي.
ومن المتوقع أن يخوض الإنجليزي أول تدريباته مع زملائه الجدد في الأسابيع الأخيرة من شهر مايو 2025، قبل أن يعود إلى مدريد في يونيو للدخول في معسكر إعداد الفريق الأول استعداداً للمشاركة في كأس العالم للأندية المقررة في ديسمبر المقبل.
وستكون هذه البطولة اختباراً مبكراً لأدائه مع الخطوط الخلفية الملكية التي شهدت ويشهدها تغييراتٌ جذرية منذ مواسم.
قراءات مختلفة من المحللين
أخيراً، تختلف قراءة كواليس الصفقة من محللٍ لآخر، لكن الاتفاق العام يجمع على أن ريال مدريد أدخل نفسه في سباق قوي لضم اللاعبين الشبان رغم وجود تباين في وجهات النظر حول عقلانية الدفع المسبق قبل انتهاء العقد.
ومع إعلان البرنابيو الرسمي عن الصفقة، بات التركيز الآن على كيفية توظيف آلكساندر-آرنولد في تشكيلة أنشيلوتي، وكيف سيستفيد النادي من قدرته على التسديد المباشر والعرضيات المتقنة من الجهة اليمنى.
الخلاصة: منعطف جديد في سوق الانتقالات
في الختام، يمكن القول إن ما وصفته صحيفة كافيه سولهيكول بـ”أغلى صفقة مجانية في التاريخ” لم يأتِ عبثاً، وإنما نتج عن رؤيةٍ استراتيجيةٍ لريال مدريد يهدف من خلالها إلى تكوين فريقٍ قادر على المنافسة لألقاب أوروبا والدوري المحلي معاً.
وقد حمل هذا القرار معه تحدياتٍ وإيجابياتٍ في آنٍ واحد، لكنه بلا شك فتح آفاقاً جديدة في كيفية تفكير الأندية العريقة تجاه صفقات نهاية العقود والأهمية المتصاعدة لضمان التعاقد قبل وقوع الحرج.
ومهما تباينت الآراء، فقد سجّلت هذه الصفقة صفحاتٍ من الحكاية الكروية تتحدث عن لاعبٍ إنجليزي انتقل إلى عاصمة الريال بأعلى كلفةٍ ممكنة رغم كونه سيكلف النادي صفقة “مجانية” بعد أيامٍ قليلة، وهذا بذاته يُعدّ منعطفاً مهماً في تاريخ سوق الانتقالات الأوروبية.