في ليلٍ احتُشدت فيه الجماهير بحماس غير مسبوق في منطقة “باريو هوميدو” بمدينة ليون الفرنسية، شهدت الأجواء المدرسية قبل انطلاق مباراة كولتورال ليونيسا ضد نادي أندورا مشهدًا دراميًا من طراز فريد، حيث اضطر المدافع الإسباني المعتزل ورجل الأعمال جيرارد بيكيه إلى مغادرة أحد المطاعم تحت حراسة الشرطة الوطنية، في لقطة تكشف عن التوتر الذي يرافق كرة القدم حتى خارج حدود الملعب.
قبل ساعات قليلة من صافرة البداية التي رفعت سقف شغف مدينة ليون بصعود كولتورال ليونيسا إلى دوري الدرجة الثانية، كان بيكيه برفقة شريكته الشهيرة كلارا تشيا يتناولان وجبة مسائية هادئة في مطعمٍ يقع في قلب “الحي الرطب”. ولكنّ زخم الاحتفالات المُسبق لصعود “الثقافيين” وأجواء الإثارة التي عمّت الشوارع سرعان ما حَوّلت المكان إلى ساحة للازدحام والتصفيق، ما دفع قوات الأمن للتدخّل السريع لحماية شخصيةٍ عامةٍ باتت محط أنظار الجميع.
وفقًا لتقرير صحيفة “ماركا” الإسبانية، فقد غطّى بيكيه رأسه بقلنسوة سترته الرياضية وحاول التسلل خارج المطعم بهدوء، لكنّ حشود المشجعين الذين تفاخروا بتصوير المشهد عبر هواتفهم ألحت على قوات الشرطة لتشكيل حاجزٍ بشريٍّ حول صاحب نادي أندورا لتجنّب أي احتكاك أو تراشق كلمات قد تتصاعد إلى عنف. ولم تخلُ المشاهد من بعض الإهانات الخفيفة التي أطلقها مشجعو كولتورال ليونيسا ضد الفريق الكتالوني الصغير ممثلًا بصاحبه بيكيه، في تذكيرٍ بأن كرة القدم لا تزال تتغذى على الانتماء والانفعال الشديد.
على الرغم من هذا المنعطف الأمني المفاجئ، نجح بيكيه في الوصول إلى مقصورته الخاصة في ملعب “رينو دو ليون” قبل ربع ساعة من انطلاق المباراة. ويأتي هذا الظهور في خضم موسمٍ شهد صعود كولتورال ليونيسا إلى الدرجة الثانية بعد تصدره جدول الترتيب برصيدٍ مكنه من الانفراد باللقب، فيما انتهى موسم أندورا باعتلاء المركز الرابع، رغم النجاحات التي حققها بيكيه كمالك ومدير فني في تعزيز مكانة النادي الصاعد حديثًا.
الحكاية وراء صعود كولتورال ليونيسا

منذ تأسيسه، ظل نادي كولتورال ليونيسا يصارع من أجل النفوذ في أروقة الأندية الصاعدة، ومع ذلك، فقد استطاع هذا الموسم تأكيد جدارته بحصد الفوز في 24 مباراة من أصل 38، مع تعادل 8 وهزيمتين فقط، ليخطف بطاقة الصعود ويعيد إلى ليون ذاكرة أمجادها الكروية التي تلاشت قبل عقودٍ طويلة. ولم يكن صعود “أسود القش” وليونيسا محصورًا في أرض الملعب فحسب، بل تجاوب معه الشارع الفرنسي إيمانًا بأن القصص الكروية العظيمة لا تُصنع إلا بمثابرة الجماهير والصبر الإداري.
من جانبه، قدم نادي أندورا بقيادة بيكيه خطوات متسارعة منذ دخوله عالم الممتازات المحلية في إسبانيا، مرورًا بإقامة شراكاتٍ استراتيجية مع نوادي قارية، ووصولًا إلى توفير بنية تحتية تدعم العودة إلى المنافسات الأوروبية مستقبلاً. ورغم تراجع النتائج هذا الموسم وابتعادهم عن الصدارة، إلا أنّ تحقيق المركز الرابع وعروضهم القوية أمام كبار الدوري الإسباني يكشفان عن مشروع طموح لا يزال في بداياته.
توتّرات ما قبل المباراة وتأثيرها على بيكيه
لم يكن مشهد بيكيه في “باريو هوميدو” حادثة معزولة؛ بل يمكن اعتباره انعكاسًا لحالة من الانقسام الجماهيري بين من يرى في بيكيه رمزًا للنجاح بعد مسيرة كلاعب ومشروعٍ استثماريٍ مثيرٍ، ومن يرفض فكرة أن يحل صاحب ألقاب دوري أبطال أوروبا مكان مسؤولٍ محليٍّ في مدينةٍ تاريخيةٍ كبعد ليون. وتنعكس هذه الصراعات في الشوارع والمطاعم قبل الملاعب، حيث يتحول الزائرون والشخصيات العامة إلى أهالي مدينةٍ ثانية، تُطالب بحقها في تقدير إنجازات النادي العريق المحلي.
ويضاف إلى ذلك أن بيكيه، بعد اعتزاله، لم يخلُ من الجدل الإعلامي على خلفية تصريحاته حول مستقبل كرة القدم، علاوةً على اهتمام وسائل الإعلام العالمية بكل خطوةٍ يخطوها، سواء على صعيد الأعمال أو العلاقات الشخصية مع كلارا تشيا، مما يجعل وجوده في أي مكان عام حدثًا يستحق المتابعة.
متابعة المباراة والصعود التاريخي

انتهت المباراة المثيرة بالتعادل الإيجابي 1-1، وهي نتيجةٌ كانت كافيةً لكولتورال ليونيسا لحسم بطاقة التأهل، بينما شهدت المقصورة الخاصة حضورًا مكثفًا لوسائل الإعلام الإسبانية التي رافقت بيكيه منذ دخوله الملعب وحتى الخروج. وسط تصفيق الجماهير وتصوير الكاميرات للفرحة المزدوجة، بدا واضحًا أن صعود الفريق الفرنسي الصغير تجاوز حدود الملعب ودخل سجلّات “ماركا” و”آس” كواحدٍ من الأحداث الكروية الأبرز في ربيع 2025.
في المقالات المصاحبة لهذا الحدث، ركّزت الصحف الرياضية على الروح القتالية للاعبين الشباب في كولتورال ليونيسا، وأشادت بدور الجهاز الفني في تحفيزهم، بينما انتقلت مناقشات رؤساء الأندية إلى أهمية حماية الشخصيات العامة كبيكيه في أماكن عامة لتجنّب الاحتكاك مع الجماهير المحتفزة.
ماذا بعد؟ استحقاقات جديدة وحماية أفضل
مع صعود كولتورال ليونيسا إلى دوري الدرجة الثانية، تنتظر اللاعبين تحديات أقوى أمام أندية ذات ميزانيات أكبر وجماهيرٍ أكثر انخراطًا. وعلى الجانب الآخر، يعود بيكيه كلّه اهتمامٍ بنادي أندورا ليرسم استراتيجيةً تصحيحيةً للموسم القادم، سواء عبر التعاقد مع لاعبين مميزين أو الاستعانة بخبرات جديدة في الجهاز الفني. وبالنسبة إلى الأجهزة الأمنية والبلديات الفرنسية، فقد أثبت الحادث أن إدارة الحشود تتطلب خططًا مسبقةً أكثر دقةً عند ظهور وجوه عالمية في مناطق مكتظةٍ بالأنصار.
النهاية
تظهر أن كرة القدم، سواء داخل المستطيل الأخضر أو خارجه، لا تنفصل عن التوتر والدراما والاحتفالات في آنٍ واحد. ومن ليون إلى كتالونيا مرورًا بملعب “رينو دو ليون”، يتواصل الحديث عن بيكيه، عن كلارا تشيا، وعن صعود كولتورال ليونيسا الأسطوري، في فصلٍ جديدٍ من فصول اللعبة التي لا تتوقف عند حدود الملعب.