نقطة التحول في أداء إسبانيا
انطلقت مواجهة “لاروخا” أمام الديوك بتوازن نسبي في الدقائق الأولى، إذ استهل كلا المنتخبين اللقاء بمحاولات ضغط متبادلة استهدف خلالها اللاعبون استكشاف نقاط ضعف المنافس. لكن سرعان ما ظهر الثنائي لامين يامال ونيكو ويليامز كعاملين حاسمين في بناء هجمات إسبانيا. في الدقيقة ٢٢، افتتح نيكو ويليامز التسجيل بعد استلام تمريرة ذكية من بيدري داخل المنطقة، أمكنته من إنهاء الهجمة بتسديدة متقنة في الشباك. وبعد ثلاث دقائق فقط، أضاف بيدري الهدف الثاني من متابعة ممتازة لكرة ارتدت من الدفاع الفرنسي، ليشير إلى الاعتماد المتبادل بين العناصر الشابة في وسط الملعب والهجوم الإسباني.
انطلاق مبابي ودفاع فرنسا
لم يكن منتخب فرنسا قادراً على الاستسلام، فتدارك لاعبو الديوك تأخرهم سريعاً عبر ضغط متواصل على خط وسط إسبانيا واستغلال المساحات. وفي الدقيقة ٥٩، سجل كيليان مبابي هدف تقليص الفارق بعد انطلاقة سريعة من الجبهة اليمنى لم يصل إليها التغطية الدفاعية قبل أن يسدد الكرة أرضية في الشباك. ومع تنامي ثقة أشبال ديديه ديشان، اشتدت وتيرة الأداء حتى أضاف ريان شرقي الهدف الثالث للمنتخب الفرنسي في الدقيقة ٧٩ بعد كرة رأسية داخل منطقة الجزاء، ليثير الشكوك حول قدرة إسبانيا على الحفاظ على تقدمها.
يامال يحسم المواجهة

لم تمر سوى دقائق قليلة حتى ظهر لامين يامال كصاحب الكلمة الأخيرة، ففي الدقيقة ٥٤ ردّ بلمسة فريدة على مبابي عندما توغل في الجهة اليسرى، مراوغًا أكثر من مدافع قبل أن يطلق تسديدة قوية لم يتمكن الحارس الفرنسي من التصدي لها. ثم عاد يامال مرة أخرى في الدقيقة ٦٧ مسجلاً الهدف الرابع بعد تلقيه تمريرة خلف الدفاع من نيكو ويليامز، قبل أن يتوجه مباشرة نحو المرمى ويسدد الكرة بانسيابية في الزاوية البعيدة. سجّل بذلك هدفين في غضون ١٣ دقيقة، مترجماً وعده لشعاره “الأداء داخل الميدان يفوق أي حديث خارجي”.
إحصائيات توضح قيمة الأداء الفردي
تفوق يامال الفردي بدا جلياً من خلال الأرقام: فقد بلغت محاولاته التسديدية خمس تسديدات، نجح من بينها في تحويل اثنتين إلى أهداف، كما صنع فرصة مؤكدة للتسجيل وثلاث فرص واعدة أخرى لزملائه. من الناحية الفنية، نجح في استعادة الكرة عشر مرات من لاعبي فرنسا، وكسب عشرة صراعات بدنية من أصل اثني عشر. إضافة إلى ذلك، حصل على ركلة جزاء بعد تعرضه لإعاقة داخل منطقة الجزاء، ما يعكس تميزه في اللجوء إلى دفاع المنافس وخلق الأمر للضغط عليه. كل هذه المعطيات ترسم صورة لاعب لا يعرف التراجع في الثلث الهجومي الأخير، وهو الأمر الذي يشي بأن الفتى لم يظهر راضياً بعد عن المستوى الذي يقدمه.
فرنسا لا تستسلم
لم يهدأ الديوك رغم تأخرهم بأربعة أهداف، فاستغل مبابي ورفاقه ضعف الرقابة الدفاعية في الدقائق الأخيرة، فسجل مبابي هدفاً رائعاً في الدقيقة ٨٤ بعد تعامل جيد مع الكرة داخل منطقة الجزاء، قبل أن يضيف كولو مواني الهدف الرابع لفرنسا في الدقيقة ٩٠+٣ إثر ركلة ثابتة نفذها بطريقة ذكية. وسجل الفرنسيون أربعة أهداف متتالية لتختتم المباراة بإثارة كبيرة، حيث شهدت النهاية لحظات من التوتر والفرص الضائعة من الجانبين قبل إطلاق صافرة الحكم معلنة فوز إسبانيا وتأهلها إلى نهائي البطولة.
النهائي المرتقب ومواجهة الأبطال

بفوزها على فرنسا انتهت رحلة “لاروخا” في نصف النهائي، لتتجه نحو النهائي المقرر أن يقام على ملعب “أليانز أرينا” يوم الأحد المقبل. هناك، سيواجه الإسبان منتخب البرتغال الذي تغلب بدوره على ألمانيا (٢-١) في نصف النهائي الآخر. ويترقب عشاق الكرة العالمية على أرض ميونخ صداماً تاريخياً يجمع بين لامين يامال الفتى الذهبي وكريستيانو رونالدو أسطورة بولونيا، في مواجهة ستجمع بين الإبداع الشبابي والتجربة المخضرمة.
معركة الكرة الذهبية تتصاعد
صنع يامال أداءً يضعه بقوة في صدارة المنافسة على جائزة الكرة الذهبية، بعد أن تفوق على نجوم بحجم مبابي وديمبيلي. فقد قدم اللاعب مستويات مميزة رفقة نادي برشلونة هذا الموسم، ساهمت في تتويج الفريق بثلاثية محلية شملت لقب الدوري الإسباني وكأس ملك إسبانيا والسوبر الإسباني، وهو ما يُضاف إلى إنجاز قيادته لإسبانيا لنهائي دوري الأمم الأوروبية قبل بلوغ سن الثامنة عشرة. وبذلك يلحق يامال كوكبة اللاعبين الشباب الذين دخلوا سباق الجوائز الفردية الكبرى منذ سن مبكرة، إذ حصد في الماضي نيمار وثم مبابي اهتمام الصحافة العالمية وهو في مقتبل العمر ذاته.
الدروس التي تستفادها الأندية
لا تقتصر أهمية مواجهة إسبانيا وفرنسا على قيمة اللقب القاري، بل تمتد إلى مستوى الأندية قبل موسم الانتقالات الصيفية. فقد أثبتت المواجهة أن برشلونة يملك فارقاً هائلاً بوجود يامال ورفقاته الشباب، مما يفرض على إدارة النادي ضرورة بناء صفقات تتماشى مع خطة تعزيز الشقين الهجومي والدفاعي. في هذا السياق، يبرز اسم نيكو ويليامز الذي أثبت جدارته مع إسبانيا، ليكون هدفاً قاب قوسين أو أدنى لدى إدارة برشلونة لتعزيز الجناح اليمنى. فباستثمار الطاقات الشابة ودمجها مع عناصر الخبرة، سيمتلك الفريق الإضافي الدافع لمنافسة ريال مدريد وأطراف أخرى في الموسم المقبل.
ختام يستبق النهائي
سيعرض النهائي المنتظر بين إسبانيا والبرتغال مباراة فريدة تجمع الأحلام القديمة بالتطلعات الجديدة. فبينما يسعى يامال لتحقيق إنجاز تاريخي جديد مع منتخب بلاده، يسعى رونالدو إلى مواصلة مسيرته الذهبية التي جعلته يتربع على عرش الهدافين التاريخيين في العالم. لكن يبقى السؤال قائماً: هل سيتواصل نجم البرسا الصاعد في خطف الأضواء من الكبار وكتابة اسمه بحروف من ذهب قبل أن يتم عامه الثامن عشر؟ أيام قليلة تفصلنا عن الإجابة، ولكن الأكيد أن كرة القدم العالميّة على موعد مع تحفة فنية جديدة تُروى حكايتها في سجلات الأساطير.