
في ليلة تتردد أصداؤها في أروقة سانتياغو بيرنابيو، عاد المدافع الإسباني خوسيه فاييخو إلى تشكيلة ريال مدريد بأكثر من مجرد مشاركة عابرة، إذ خطف الأضواء بتمريرة حاسمة أهدت الأبيض فوزاً قاتلاً وأجلت تتويج غريمه التاريخي برشلونة بلقب الليجا. بعد غياب بلغ 232 يوماً متتالياً، شخص كل المراقبين سؤال «لماذا؟» قبل أن تتحول الفرحة بعودة فاييخو إلى هدية وداع أسطورية يقدمها لفريقه.
لغز التجاهل المتعمد
منذ 24 سبتمبر 2024، عندما دخل فاييخو كبديل في مباراة ريال مدريد وألافيس في الجولة الثانية من الدوري الإسباني، اختفى تماماً من حسابات المدرب كارلو أنشيلوتي وجهازه الفني. اقتحام مدافع العاصمة لأجواء الملعب في تلك الليلة ألهب حماس الجمهور بعد تقدمه المتأخر في الدقيقة 78، رغم اقتراب ألافيس من تعديل النتيجة من 3-0 إلى 3-2. ورغم أن فاييخو بدا بعيداً عن أي أخطاء فادحة، لم يتلقَ بعدها أي فرص للظهور مع الفريق الأول، تاركاً متابعين يتساءلون عن سر إقصائه.
حالة فاييخو أثارت ضجة إعلامية واسعة؛ فاللاعب صاحب الـ28 عاماً يتمتع بخبرة كبيرة في قلعة «السانتياغو بيرنابيو» منذ صغره، وسبق أن جُرِّب في مناسبات عدة خلال المواسم الماضية. مع ذلك، اختفى فجأة من التشكيلة الأساسية والبديلة على حد سواء، بينما اضطُرّ أنشيلوتي ليلجأ إلى تحويل لاعبي وسط الميدان والأظهرة إلى قلب الدفاع في مناسبات عدة لتغطية غيابات الفئات الدفاعية.
أنشيلوتي يكشف سبب الإقصاء
في مؤتمر صحفي عقده في نوفمبر 2024، تطرق كارلو أنشيلوتي إلى غياب فاييخو دون الإفصاح عن كل التفاصيل. قال المدير الفني الإيطالي:
“لا توجد مشاكل شخصية بيني وبين خوسيه، فهو يتدرب بشكلٍ ممتازٍ ويظهر احترافية عالية، لكن عقده شارف على نهايته، ونرغب في إفساح المجال أمام العناصر الشابة لتعزيز الفريق مستقبلاً”.
يشير كلام أنشيلوتي إلى وجود استراتيجية طويلة الأمد للريال تعتمد على دمج المواهب الشابة في قائمة «المرينغي»، دون إغفال أن تجديد عقد فاييخو بدا معلقاً حتى نهاية الموسم.
الانتظار الطويل وانفراجة العودة

مع اقتراب نهاية الموسم، وتحديداً في مباراة الجولة الـ36 من الليجا ضد مايوركا يوم أمس، اضطر أنشيلوتي للاستعانة بخوسيه فاييخو بعد إصابة راؤول أسينسيو القاسية التي حرمته من إكمال اللقاء.
دخل فاييخو للأرض في الدقيقة 78 بأداء هادئ ومركز. تبدو العودة عادية على الورق، لكنها كانت لحظة انتصار شخصي بعد 232 يوماً من الغياب عن المباريات الرسمية، و50 مباراة منذ آخر ظهور له. وقد ردّ فاييخو على كل الأسئلة الصامتة بأفضل طريقة ممكنة.
هدية وداع لا تُنسى
بعد دقائق من دخوله، نجح فاييخو في صناعة الهدف القاتل الذي سجله زميله جاكوبو رامون في الوقت بدل الضائع، مانحاً ريال مدريد فوزاً ثميناً (2-1) على ملعب بلدية مايوركا.
لم يكن الهدف مجرد تفوقٍ في النتيجة، بل أوقف احتفالات برشلونة المتوقع بداية من تلك الجولة لتثبيت الصدارة وتتويجهم رسمياً بلقب الليجا. ومن هنا، تحول تمريرته الحاسمة إلى «هدية وداع» استثنائية من الفاييخو لـ"المرينغي"، وكأنها تذكير بأن خبرته وكفاءته لا تعرفان العمر ولا العقود.
ماذا بعد الوداع الأسطوري؟

يتزامن هذا المشهد مع اقتراب نهاية عقد فاييخو مع ريال مدريد بنهاية الموسم الجاري، وسط ترجيحات كبيرة بعدم تجديده. بعض الأنباء تشير إلى أنه سيشارك ضمن تشكيلة النادي في كأس العالم للأندية، تحضيراً لرحلته القادمة، في حين ربطت أندية كبرى في الدوري الإنجليزي والإيطالي والألماني اسمه بصفقات مستقبلية.
• خيارات توسيع الأفق:
يمتلك فاييخو فرصاً متعددة للانتقال إلى نادٍ يضمن له المشاركة المستمرة والدور القيادي الدفاعي، خصوصاً بعد أن أثبت جدارته تحت الضغط.
• انطباع جماهيري جديد:
سيظل المشجعون يحتفظون بصورة المدافع الذي عاد بقوة وقدّم آخر لمسة فنية حاسمة، وهو ما يعزز من سمعته السوقية قبل أيام الحسم.
• قرارات الجهاز الفني:
يحسم أنشيلوتي وفريقه مستقبل فاييخو بناءً على معطيات تتعلق بالاحتياجات الدفاعية والأسماء الصاعدة من الكاستيا.
خاتمة شغف «السانتياغو بيرنابيو»
يبقى مشهد فاييخو وهو يدلف إلى أرض الملعب، ويمرر الكرة بكل حنكة في اللحظات الأخيرة، واحداً من أكثر اللقطات الرومانسية التي عاشها ريال مدريد هذا الموسم. فبعد 232 يوماً من الظل والإحجام، أضاء المدافع الإسباني سماء البرنابيو بلمسة وداعية ستخلد في ذاكرة عشاق الملكي.
بهذا، يختتم فاييخو فصول العلاقة العاصفة مع القلعة البيضاء بانتصارٍ يؤكد مرة أخرى أن كرة القدم لا تُقاس فقط بالدقائق أو العقود، بل بالإسهامات التي تُسطّر في اللحظة الحاسمة.