عقب موسم مخيب خالي من الألقاب وإخفاق في التأهل لبطولة دوري أبطال آسيا 2025، شرع نادي النصر في رسم خارطة طريق جديدة تمهيدًا لانطلاق حقبة استثمارية وفنية مختلفة. وتكشفت أولى ملامح هذه الثورية بعد إعلان التعاقد رسميًا مع الموهوب السعودي الشاب عبدالملك الجابر، قادمًا من نادي جيزينتيشار البوسني بعقد يمتد لأربعة أعوام حتى صيف 2029. تمثل هذه الصفقة بداية لسلسلة تحركات متوقعة خلال فترة الانتقالات الصيفية، إذ تأتي في إطار جهود النصر لتعزيز صفوفه والشروع في إعادة بناء الفريق بعد موسم انتهى دون تحقيق أي لقب. وفيما يلي نستعرض كافة تفاصيل الصفقة وسيرة اللاعب الكروية وأسباب ترحيب العالمي بضمه إلى صفوفه.
وضع النصر قبل الصفقة
ودّع النصر موسم 2024-2025 دون أي بطولة بعدما اكتفى بالمركز الثالث في جدول ترتيب دوري روشن السعودي للمحترفين. ومع ذلك فإن هذا المركز لم يكن كافيًا للتأهل إلى دوري أبطال آسيا للموسم المقبل، حيث احتل أصحاب المركزين الأول والثاني المقاعد المؤهلة مباشرة إلى بطولة الأندية الأهم في القارة. وبحلول مايو 2025، وجد النصر نفسه خارج منافسات النسخة الرئيسية من دوري أبطال آسيا مكتفيًا باللعب في دوري الأبطال المرحلة الثانية فقط، وهو ما اعتبر فشلًا ذريعًا لجماهير النادي التي اعتادت على المنافسة بقوة على الألقاب المحلية والقارية في السنوات الأخيرة. وكان الموسم نفسه قد شهد تذبذبًا في المستوى الفني والإداري، إلى جانب قرارات تغيير الجهاز الفني والإخلال باستقرار بعض اللاعبين، فضلاً عن الاستثمارات الكبيرة التي لم تترجم إلى حصيلة مناسبة على مستوى البطولات. لذا برز الطموح لدى الإدارة الحالية بقيادة البرتغالي رودريغو ليما لعقد صفقات جديدة تصب في مسار إعادة الثقة إلى المشروع الرياضي للنصر.
تفاصيل صفقة عبدالملك الجابر
بحسب ما نقلته صحيفة الرياضية السعودية، فقد بلغت قيمة الانتقال الرسمي للاعب عبدالملك الجابر مبلغ 1.8 مليون يورو فقط، وهو رقم يعد ضئيلًا بالمقارنة مع الصفقات المحلية والأجنبية التي تشهدها سوق انتقالات أندية الدوري السعودي في الفترة الأخيرة. وإلى جانب ذلك يشير المبلغ المنخفض إلى توقيت الصفقة الذي يسبق تفعيل صندوق الاستثمارات العامة بشكل كامل في الدعم المالي للأندية المحلية، مما يعني أن القيمة المدفوعة قبل تفعيل الصندوق تعود إلى فترة ما قبل ضخ استثمارات إضافية ضخمة في الانتقالات الصيفية. وسيوقع اللاعب على عقد احترافي يمتد لأربعة مواسم كاملين حتى 30 يونيو 2029، في خطوة يؤمل منها أن يحصل على فرصة اللعب أساسيا مع الفريق الأول ومتابعة تطوره الكروي بشكل مباشر تحت إشراف الجهاز الفني الجديد.
خلفية عبدالملك الجابر ومسيرته الاحترافية الأوروبية

يبلغ عبدالملك الجابر 21 عامًا، وينتمي لواحد من أبرز برامج اكتشاب المواهب السعودية والمعروفة باسم صقور المستقبل. وانطلقت مسيرة الجابر الاحترافية عندما انتقل في فبراير 2023 من نادي أحد السعودي إلى صفوف الفئات السنية لـ دينامو زغرب الكرواتي. وعلى الرغم من أن إقامته مع دينامو زغرب لم تستمر طويلًا، فقد أتاح له هذا التوجه إلى أوروبا التعرف على أجواء الاحتراف المكثف وتطوير مهاراته التكتيكية والفنية في بيئات لا تتوفر عادة في الأندية المحلية. وبعد ستة أشهر فقط مع دينامو زغرب، وقع الجابر عقدًا مع فريق جيزينتيشار البوسني، حيث خاض معه 48 مباراة رسمية خلال الفترة الممتدة من صيف 2023 حتى مايو 2025. وسجل في تلك المباريات أربعة أهداف وأضاف ثلاثة تمريرات حاسمة، مما جعل اسمه لافتًا في كشوفات الأندية السعودية.
أسباب عودة الجابر للنصر
أفادت تقارير محلية بأن النصر راقب تقدم الجابر في الملاعب الأوروبية عن كثب، واعتبره خيارًا مثاليًا لمركز المحور الدفاعي أو الوسط المساند نظرًا إلى طريقة تمركزه الجيدة وقدرته على كسر خطوط المنافس عن طريق التمرير الأرضي السريع. واعتمدت إدارة العالمي على عدة معطيات قبل حسم الصفقة، منها الأداء الثابت للاعب مع جيزينتيشار في الدوري البوسني والتزامه الاحترافي خارج الملعب، إلى جانب قدرته على الانسجام مع أسلوب اللعب الحديث الذي يتطلب ضغطًا عاليًا واستلامًا ذكيًا للكرة أثناء الانتقال من الدفاع للهجوم. وفي يناير 2025 حاول النصر جلبه قبل انتهاء الموسم، لكن بعض الإجراءات الإدارية والاتحادية حالت دون إتمام الصفقة في بداية العام. وبعد انتهاء الموسم قرّر مسؤولو النادي تحريك ملف الجابر بشكل رسمي، خاصة أنه كان أحد اللاعبين الشباب القلائل الذين اكتسبوا خبرة الاحتراف الأوروبي ولديهم الطموح للعودة إلى الدوري السعودي في الوقت المناسب من مسيرتهم.
مقارنة بالقيمة السوقية الحالية وأثر الصفقة
تُظهر القيمة المدفوعة في صفقة الجابر تنافسية واضحة مع الأندية المحلية التي تصرف مبالغ أكبر في صفقات تتضمن نجومًا معروفين، واختار النصر أن يستثمر باكورة تعاقداته الصيفية في عنصر شبابي قادر على النمو طويل الأمد داخل قلعة العالمي. وقد اعتبرت الصحافة أن هذا الرقم التعجيزي عن طريق دفع 1.8 مليون يورو ينتمي إلى الحقبة قبل ضخّ الاستثمارات الضخمة التي بدأت تتصدر المشهد الكروي في السعودية، ولذلك فإن الصفقة حظيت بوصفها “رقمًا من عهد ما قبل صندوق الاستثمارات العامة”. لكن في الوقت ذاته يرى المراقبون أن الإتقان في اختيار لاعب شاب أظهرّ جديته والتزامه في ملاعب أوروبا يمكن أن يمنح النصر قيمة أكبر على المدى المتوسط مقارنة بصفقات باهظة الثمن دون ضمانات للعودة الفنية.
دور عبدالملك الجابر المتوقع في تشكيلة النصر
من المنتظر أن يصبح الجابر أحد الأعمدة الأساسية في وسط ملعب النصر خلال الموسم المقبل، إذ يخطط الجهاز الفني لرفده بالخبرات التي اكتسبها خلال الاحتراف الأوروبي. وسيخصص له دور لاعب محور دفاعي قادر على تغطية مساحات واسعة أمام خط الدفاع، مع إمكانية التقدم لدعم الضغط العالي وقطع الكرات في منطقة منتصف الملعب. ويأمل المدرب الجديد في دمجه بشكل تدريجي حتى يضمن له التأقلم مع أجواء البطولة المحلية وضغط الجماهير، على أن يخوض عدداً من المباريات الودية في تحضيرات النصر للموسم قبل الاعتماد عليه في مباريات دوري روشن السعودي وكأس الملك. كما قد يتلقى دعوة للانضمام إلى صفوف المنتخب السعودي الأول خلال التصفيات المقبلة، خصوصًا أن تواجد لاعب محترف سابق في أوروبا يزيد من فرصه للمشاركة في الاستحقاقات القارية.
ردود فعل الجماهير والإعلام المحلي
لاقى إعلان الصفقة ترحيبًا من بعض أنصار النصر الذين رأوا في قدوم الجابر بداية موفقة لحملة تصحيح المسار بعد إخفاقات الموسم المنصرم. واكتفى عدد آخر بالتشكيك في القيمة المادية للصفقة واعتباره لاعبًا لم يثبت نفسه بعد في دوري قوي مثل البوندسليغا البوسنية. إلا أن الغالبية توافق على ضرورة منح الفرصة لشباب المنتخب السعودي الذين خاضوا غمار الاحتراف الخارجي لاكتساب مهارات جديدة ومواجهة تحديات مختلفة. كما أشارت بعض التقارير إلى أن ثمة اعتمادًا واضحًا على فترة طويلة لإعادة بناء الفريق عبر التركيز على المواهب المحلية وتجارب الاحتراف الأوروبي، وأن الذي يهم أولًا هو التأسيس المُحكم قبل التفكير في صفقات الأسماء اللامعة.
ما ينتظر النصر في سوق الانتقالات الصيفية

لا تنتهي ثورة النصر عند حدود ضم عبدالملك الجابر، وإنما يتوقع أن تليها تحركات أخرى على صعيد تعديل هيكل اللاعبين وتعزيز مراكز الخلل التي كشف عنها المستويان المحلي والأسيوي الموسم الماضي. ويتحدث بعض المراقبين عن إمكانية التعاقد مع لاعب أو اثنين في مركز الظهير الأيمن والظهير الأيسر، بالإضافة إلى درع صلب جديد في قلب الدفاع لمساعدة الحارس الأساسي في تسجيل درجات أقل من الأهداف. كما قد يعزز النادي خياراته في خط المقدمة في حال استقر على استراتيجيته الفنية التي ستكون مرتبطة بقدرة الجهاز الفني على استيعاب أسلوب الضغط العالي والتحول السريع. ومن المنتظر أن يكون سوق الانتقالات الصيفية صورة مصغرة لاندفاعة النصر نحو استعادة مكانته التقليدية بين الكبار في بطولة دوري روشن السعودي وإعادة حجز مقعده في دوري أبطال آسيا للموسم التالي.
خلاصة رؤية إدارة النصر
تعتبر صفقة عبدالملك الجابر بداية شبه رسمية لمرحلة جديدة في مسيرة نادي النصر، حيث تُعاد كتابة أولويات الفريق بناءً على قدرات اللاعبين الشبان وإمكاناتهم على العمل بروحٍ احترافية انطلقت من الديار الأوروبية. واختيار لاعب سعودٍي يبلغ من العمر 21 عامًا كان له تجربة احترافية يدعم الرسالة القائلة بأن النصر يتجه لتشكيل فريقٍ متجانسٍ بين الخبرة المحلية والإلمام بأساليب العصر الحديث في كرة القدم. وفي حال نجحت هذه الرؤية واستمرارية توفير بيئةٍ مستقرة للاعبين، فقد يعود النصر سريعًا إلى منصات التتويج ويضع حداٍ لفترةٍ من التذبذب طالت أكثر من موسمٍ واحد.