
في تطور قضائي لافت، قُبلت الاعترافات الصادمة لأربعة من مشجعي نادي بلد الوليد بتوجيه عبارات “قرد لعين” و”أسود ملعون” للبرازيلي فينيسيوس جونيور، جناح ريال مدريد، خلال الجولة الخامسة عشرة من الدوري الإسباني في 30 ديسمبر 2022، ما أسفر عن صدور أحكام بالسجن عام كامل لكل منهم، إضافة إلى غرامات مالية صارمة وحظرٍ ملاحي داخل الملاعب المحلية والأوروبية لمدة أربع سنوات.
انكشاف العار في صفوف الـ “بيكوليس”
مباراة بلد الوليد وريال مدريد في منتصف الموسم الماضي شهدت فصولًا من العنف اللفظي، حين وثّق العديد من الرواد في المدرجات تسجيلات صوتية حملت شتائم عنصرية صريحة بحق فينيسيوس، اشتملت على ألفاظ “ابن العاهرة” و”أسود” و”قرد”، بهدف إذلال النجم البرازيلي وإهانته على خلفية لونه. وأكدت تلك التسجيلات أن “النية” في تلك الإهانات تمثّلت في إلحاق الضرر بكرامته وإهانة كرامة السود، وفق نص الاتهامات المنقولة عن “ريليفو”.
تفاصيل الأحكام… سجن + منع + غرامات بـ “اليومي”
بعد اكتمال التحقيقات، أقرّ أربعة من المتهمين بمسؤوليتهم أمام محكمة بلد الوليد، وقُضِي عليهم بما يلي:
• السجن لمدة عام واحد دون بدل.
حكمٌ رادع يعكس خطورة الواقعة ويُعدّ سابقة في القضاء الإسباني بقضايا العنصرية في الملاعب.
• منع تام من دخول الملاعب والحضور في الأنشطة الرياضية والترفيهية لأربع سنوات.
إجراء يهدف إلى عزل المخالفين عن البيئة التي ولّدت الحادثة.
• حرمان من حق التصويت في الانتخابات المحلية لأمد عام كامل.
عقوبة سياسية تضيف بعداً مجتمعياً للعقاب، وتُظهر مدى خطورة الفعل.
• غرامة مالية مقدارها 6 يورو يوميًا لمدة 9 أشهر (إجمالي يقارب 1,620 يورو لكلِّ متهم)، بالإضافة إلى تغريم خامس من المجموعة 4 يورو يوميًا لنفس المدة.
رسالة واضحة بأن السلوك العنصري لا يُترك بلا ثمن.
لم يُبدِ فينيسيوس أي رغبة في الحصول على تعويضات مالية، معلنًا تنازله عنها أمام المحكمة، مفضّلًا أن تُركّز الإجراءات على الجانب الإنساني والانتصار لقيم الاحترام والمساواة بعيدًا عن “الفوداليات” العنصرية.
منع التوظيف والتدريس… “الإقصاء الاجتماعي” أداة رادعة

لم تقتصر العقوبات على الجانب الجنائي، بل شملت أيضًا حرمان المدانين من مزاولة أي نشاط في قطاع التعليم أو التدريس أو العمل الرياضي أو الأنشطة الترفيهية لمدة أربع سنوات، في إجراء يهدف إلى “تغذية وعي المجتمعات بأهمية احترام التعددية والابتعاد عن خطاب الكراهية”، بحسب مصدر قضائي أوضح لـ"ريليفو".
“ريليفو” يرسم خريطة الأحداث… والاتهام يتجه إلى “العنصرية”
نقل موقع “ريليفو” نص الاتهامات بوضوح، مفصّلًا البنود التي اعتبرت “الإساءات ذات دلالة عنصرية صريحة وبتصميمٍ واضحٍ لإذلال الضحية كونه أسود البشرة”. وأبرزت الوثائق كيف تم جمع الأدلة عبر عدة تسجيلات مختلفة في نقاط متعددة من المدرجات، ثم تناقلها مسبقًا عبر منصات التواصل، وهو ما سهّل على النيابة العامة بناء قضيّة متينة أمام المحكمة.
جمهور بلد الوليد في مرمى الانتقادات… والأندية الكبرى تراقب!
مع إعلان الأحكام، تعرضت روابط جماهير بلد الوليد لانتقادات حادة من الإعلام الإسباني والعالمي، وصار اسم “بيكوليس” (مشجعو بلد الوليد) مرادفًا للتعصب الداعي للكراهية. وفي الوقت نفسه، أبدت أندية كبرى في أوروبا خشيتها من انتشار مثل هذه التصرفات العنصرية، داعيةً اتحاد الكرة الإسباني واللجنة الوطنية لمكافحة العنصرية إلى تشديد العقوبات وتفعيل برامج توعية بحقوق الإنسان بلا هوادة.
سطور جديدة في حرب الأندية ضد “العنصرية”

هذه الحادثة جاءت بعد سلسلة وقائع مماثلة شهدتها الملاعب الأوروبية خلال السنوات الماضية، أبرزها ما تعرض له نجم برشلونة أنسو فاتي ومهاجم توتنهام هيونغ مين سون، ما دفع الفيفا والاتحاد الأوروبي إلى إطلاق مبادرات مباشرة لمحاصرة “خطاب الكراهية” وتعزيز عقوبات قاطعة ضد كل من يسيء لأي لاعب بسبب لون بشرته أو ديانته أو عرقه.
• برامج توعية:
أُطلقت دورات تثقيفية في أندية الدوري الإسباني ورافقها حملة إعلامية بعنوان “لعب نظيف.. قبل أن تبدأ المباراة”، استهدفت حس الجماهير وتوعية الشباب.
• عقوبات صارمة:
الاتحاد الإسباني يدرس إلغاء بطاقة المشجع الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، التي تخوّل أصحابه حضور المباريات القارية، عن كل من يثبت تورطه في أعمال عنف أو عنصرية.
• لجنة وطنية:
تم إخطار لجنة الدولة لمكافحة العنف والعنصرية وكراهية الأجانب رسميًا، لمتابعة تنفيذ الأحكام ومراقبة أي إجراءات إدارية إضافية قد تُتخذ ضد المتهمين.
مسار الحكاية يتواصل… ومحكمة بلد الوليد على الخط
من المقرر أن تعقد المحكمة جلسة رسمية يوم 21 مايو الجاري لإصدار الحكم النهائي وإبلاغ لجنة مكافحة العنصرية بالنتائج، تمهيدًا لأي خطوة إدارية إضافية أو استئناف محتمل من قِبل المدانين. أما فينيسيوس، فقد اكتفى بالتأكيد عبر وكيل أعماله على أن “الرسالة وصلت، وأن الرياضة لا مكان فيها للتمييز”، مما يعكس أهمية هذا الانتصار الرمزي للقيم الإنسانية.
بينما ينظر العالم إلى ملاعب أسبانيا استعدادًا للجولة المقبلة من الدوري، تظل قضية بلد الوليد وفينيسيوس جونيور علامة فارقة في معركة “الملعب الآمن” الذي يحمي نجوم كرة القدم من شظايا التعصب، مؤكدًا أن القانون لا يستكين أمام جوقة الكراهية مهما حاولت أن تختبئ خلف حنايا المدرجات.