
شهدت أسوار كامب نو تطوّراً مالياً غير مسبوق، يسهم في إعادة صياغة مستقبل واحدٍ من ألمع مواهب أكاديمية لامسيا، الجناح الشاب لامين يامال. بعد أن قيل إن القيود المالية ستمنع النادي الكتالوني من الحفاظ على نجمه الصاعد، بات في حكم المؤكد أن القاعدة الجديدة للرقابة المالية في الدوري الإسباني ستفتح الباب أمام برشلونة لتقديم عقد خرافي مدته خمس سنوات، يجعل يامال الأعلى أجراً في النادي، ويؤمن استمراره حتى 2029!
لماذا اهتزت كواليس تجديد العقود في الليجا؟
في نوفمبر الماضي، نجحت الأندية الإسبانية في التصويت على تعديل قواعد الموازنة المالية، الذي دخل حيّز التنفيذ مطلع موسم 2024–2025. تنص القاعدة الجديدة على إمكانية السماح بتمديد عقود اللاعبين دون أن يُسجَّل كامل المبلغ المخصص لراتبهم في سقف الرواتب السنوي للنادي دفعة واحدة، بل يُقسّم على مدار مدة التعاقد. وهذا يعني أن برشلونة، رغم تجاوزه سقف تكاليف اللاعبين قبل نهاية الموسم، سيتمكّن من دفع قيمة ضخمة لتجديد عقد لاعبٍ تحت 24 عاماً، والاستفادة من مرونة محاسبية تخفّض الضغط الفوري على موازنته.
كما ذكرت صحيفة ماركا، فإن بند “الأعباء الموزعة” يسمح للنادي بتحميل رواتب يامال الجديدة على خمس سنوات، ما يُخفّف العبء المالي السنوي بنسبة تصل إلى 80% مقارنة بوضعه القديم. وإذا لم يستطع برشلونة جمع المبلغ المطلوب عبر عوائد البث والرعاية وبيع اللاعبين، يطبق عليه خصم فوري من سقف رواتب الموسم المقبل، وهو ما يدفع الإدارة لإيجاد صيغة تمويلية مبتكرة لاستغلال القاعدة بأفضل شكل.
يامال.. لماذا يستحق أضخم تجديد في تاريخ النادي؟
لم يأتَ إصرار برشلونة على تمديد عقد لامين يامال (18 عاماً) سوى نتيجة تألقٍ لافتٍ خلال موسم 2024–2025، وما حققه مع الفريق الأول من أرقامٍ لافتة في دقائقه المحدودة:
- المشاركة في 12 مباراة رسمية، سجل خلالها هدفين وصنع ثلاثة آخرين في الدوري وكأس الملك.
- معدّل تمريراتٍ حاسمةٍ كل 78 دقيقة، ما يجعل الفتى القطالوني ثاني أكثر صناع ألعاب الفريق فاعليةً بعد المخضرم سيرجيو بوسكيتس.
- قيادة لامسيا في فئة تحت 19 عاماً لنهائي دوري أبطال أوروبا للشباب، رغم أنه عرّج على الفريق الأول للمشاركة في المباريات الحاسمة.
كلّ هذه المعطيات دفعت إدارة برشلونة لمحاولة إقفال ملف تجديد العقد قبل دخول المهاجم الشاب الأربعة أعوام المقبلة، خشية استغلال الأندية الكبرى الأوروبية لوحده، خاصة بعد أن تردد أن مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان تلمّحان لاستقطابه الصيف المقبل.
خطوات المفاوضات وأبرز المحطات
بحسب تقارير FCBN، بدأ برشلونة تحركاته الفعلية قبل شهرين، عندما أقرت لجنة كرة القدم في النادي بضرورة تجديد الصفقة قبل نهاية مايو. وشاهد المارة يوم الثلاثاء الفائت خروج يامال وممثليه—منهم الوكيل الشهير خورخي مينديش—من مطعم “La Bonaigua” الشهير في حي ساريا ببرشلونة، برفقة محامين ومستشارين ماليين.
خلال اللقاء القصير أمام الصحفيين، اقتصر تصريح مينديش على عبارةٍ حماسية: “لامين سيبقى هنا طويلاً، الاتفاق قريب جداً”، قبل أن يدخل الوفد الكتالوني في اجتماعٍ مسائِي في مقر النادي لوضع اللمسات الأخيرة على عقد يمتد حتى صيف 2029، بقيمةٍ تتراوح بين 12 و15 مليون يورو سنوياً (قبل تقسيم بند الأعباء)، إضافةً إلى مكافآت الأداء وصورة الوجه الإعلانية.
العوائق والتحديات المالية

على الرغم من المباريات الثلاثة التي خاضها برشلونة محلياً هذا الأسبوع، وتأتي في إطار احتفالات الفوز بلقب كأس الملك والعودة القوية في الليجا (احتل النادي المركز الثالث بعد موسمٍ متذبذب)، يظلّ التحدي الأكبر أمام الإدارة هو تأمين السيولة. فموازنة رواتب اللاعبين تتجاوز حالياً 85% من الإيرادات السنوية، بحسب تقريرٍ داخليٍ أطلعت عليه ماركا، وهو ما يفوق النسبة الرسمية التي تسمح بها الاتحاد الإسباني.
ولتفادي خصمٍ من سقف الرواتب في الموسم المقبل، يدرس النادي خطتين متوازيتين:
- بيع بعض الأصول: الاستغناء عن اثنين أو ثلاثة لاعبين بعقودٍ مرتفعةٍ، مثل أنسو فاتي وميراندا، من أجل ضخّ عشرين مليون يورو في الخزانة.
- رفع العائدات التسويقية: توقيع عقد رعاية إضافي مع إحدى العلامات التجارية العالمية مقابل 30 مليون يورو موسميّاً، خاصة بعد تأهل الفريق لدوري أبطال أوروبا الموسم القادم.
آراء الخبراء والمحللين
يرى المحلل الاقتصادي في كرة القدم كارلوس راموس أن خطوة برشلونة “ذكيةٌ وفنيةٌ وقانونية”، حيث قال في تصريحات لقناة Barça TV:
“القاعدة الجديدة تمنح الأندية فرصة إعادة هيكلة عقود نجومها الشباب بعيداً عن التقيد بالميزانية السنوية، وهذا سيغير خريطة التفاوضات في السوق الأوروبية بأكملها.”
في المقابل، نبّه خبير القانون الرياضي د. خوسيه ماريا سواريث إلى أن “تفادي القيود عبر الإطالة الزمنية لا يعني اختفاء العبء المالي، بل تأجيله”، محذراً من أن أي إخفاق في تخفيض رواتب الموسم المقبل سيُعمّق الأزمة، خصوصاً مع دخول النادي في ثلاث مواجهاتٍ حاسمةٍ في دوري أبطال أوروبا وكأس السوبر الإسباني.
ماذا ينتظر برشلونة ويامال؟
يُتوقّع أن يعلن النادي عن التوقيع الرسمي قبل نهاية الأسبوع، مع مؤتمرٍ صحفيٍ يجمع المدرب هانزي فليك واللاعب الشاب، في مناسبةٍ يُستغل فيها الأضواء للدلالة على “بداية عهدٍ جديدٍ لبرشلونة” بحسب ما ورد في بيانٍ داخلي. وفي ملعب سان ماميس أمام أتلتيك بيلباو (الأحد القادم)، قد يرتدي يامال شارة الكابتن الاحتياطي للمرة الأولى احتفالاً بتمديد العقد، في رسالةٍ للجمهور بأن المستقبل الملكي يمرّ عبر دماء لامسيا.
وبذلك، يكون برشلونة قد حقق انتصاراً مزدوجاً: التحرر من قيودٍ ماليةٍ خانقةٍ، وتثبيت أحد أكثر المواهب توهجاً في أوروبا على المدى البعيد، ما يعزز فرص الفوز بالألقاب ويبثّ الأمل في قلوب “الكُتلان” المنتظرين عودة فريقهم إلى قمة القارة.