سحر الاحتفال وأدوات الاستفزاز
لم تمر سوى ساعات قليلة على تتويج برشلونة بلقب الليغا للمرة الثامنة والعشرين في تاريخه، بعد الفوز الثمين 2-0 على إسبانيول، حتى خرج الفريق الكتالوني في موكب من الحافلة المكشوفة، مصحوباً بعشرات الألوف من المشجعين في شوارع المدينة. ورغم أهازيج النشوة بألوان الكامب نو، نجح بيدري في لفت الأنظار بأسلوبه المرح وغير المعتاد، حينما أشعل الكرة البلاستيكية الصفراء والبنفسجية في يديه، ومارست دور اللعبة الاستفزازي تجاه فينيسيوس وجمهور الميرينغي.
أشارت الكاميرات إلى أن اختيار بيدري لكرته الشاطئية لم يكن عبثياً، بل ردٌّ فوريٌّ على حادثة مباراة الكلاسيكو الأخيرة، عندما اقتحم أحد مشجعي برشلونة أرض الملعب وأعطاها إلى فينيسيوس، الذي استشاط غضباً وردّ على المتطفل بعبارات حادة، قبل أن يتفاعل الجمهور ضده عبر الهتافات الساخرة.
الكلاسيكو الأخير: مسرح كرة الرمال
تألّق الفريق الباريسي في المواجهة التي انتهت 4-3 لصالح برشلونة، رغم الأداء المتفوّق لريال مدريد في فترات المباراة. لكن الحدث الأهم وقع بعد صافرة النهاية، حين ابتسمت الكاميرات للاعبَين مختلفَي الأسلوب؛ بيدري الذي راوغ مدافعي الخصم وأحرز هدفاً عالمياً، وفينيسيوس الذي انصرف ليبحث عن كرة شاطئ صغيرة سلّمها له مشجع لينفعل ويكشف عن ردة فعل لم تُعهد من قبل في نجوم الصف الأول.
منذ خسارته المرتقبة لفكرة الفوز بالكرة الذهبية العام الماضي لصالح رودريغو هافيرتز، استُغلت كرة الشاطئ كأيقونة للسخرية منه، فتكرر مشهد المنطقة الوسطى للبلاستيك الصغير في المدرجات خلف شباك ريال مدريد، كانها «سلاحه» الخفي.
بيدري: من مهندس بناء الأهداف إلى راوي نكات الكامب نو

لؤلؤة «البلوغرانا» الإسباني، التي أبهرت أوروبا بتمريراته الساحقة ومراوغاته الذكية، تحولت فجأة إلى كوميدي الشارع بعد الاحتفال. تعامله مع الكرة الصغيرة لم يقتصر على التقاط الصور التذكارية، بل عمد إلى تدويرها أمام الجماهير، وكأنه يشير إلى أن أي كرة قد تُحدث الفارق، حتى لو كانت لعبة صيفية للبحر.
وليس بعيداً عن ذلك، أعاد البالغ 21 عاماً إشعال ذكريات كرة القدم الشعبية، حين كانت تُلعب على الشواطئ والملاعب الرملية قبل الاحتراف الذي يستحوذ على كل تفاصيها. اختار النجم الشاب أن يصنع من تلك اللحظة سطراً جديداً في تاريخه، يبرهن من خلاله على براعةٍ في استغلال الحدث إعلامياً للتذكير بأن البطولة لم تكن حصراً على النجوم الكبار فحسب.
سخرية تكتيكية أم تحشيد معنوي؟
يراها بعض المراقبين «تحفيزاً» يُرسل رسالة واضحة لمنافسي برشلونة، مفادها أن الكامب نو لم يعد يخيف ميسي ورغم رحيله، فإن أبطاله الجدد قادرون على ابتكار أسلحة جديدة. بينما اعتبرها خصوم برشلونة «إهانة» تستهدف أقلقاع نادي ريال مدريد، وأنها تؤكد أن بيدري «عرف جيداً» مدى تأثير تلك الكرة البلاستيكية على نفسية فينيسيوس ومشجعيه.
ماذا ينتظر برشلونة في الجولات المتبقية؟

رغم حسم الليغا مبكراً، يواصل الفريق إعداداته للجولة 37 أمام فياريال على الكامب نو، وسط رغبة في الحفاظ على الزخم ورفع رصيد الأهداف لنجوم الهجوم. وسيختم الموسم بمواجهة أتلتيك بلباو يوم 25 مايو، حيث يسعى لتحقيق فوزٍ يبقي ترتيب هدافي النادي في أرقامٍ قياسية.
في المقابل، يترقب ريال مدريد ردة فعل لاعبيه أمام سيلتا فيغو في مواجهة مؤجلة، على أمل نفض آثار الصدمة واستعادة الروح قبل التحضير لموسمٍ جديدٍ يضم سقوط فينيسيوس في «مصيدة كرة الشاطئ» كوصمة محدودية.
هل يكون الصفع البلاستيكي درساً قاسياً؟
سيسجل التاريخ احتفالاً طريفاً، ربما ينساه الستة الأشهر المقبلة، أو ربما يصبح مادة خصبة لمذيعي البرامج الرياضية والمعلقين على مدى سنوات. لكن ما لا شك فيه أن رسالة بيدري المصحوبة بكرة شاطئية ستحمل معنىً أعمق من مجرد مزاح في «دقائق الانبساط» عقب التتويج، إذ ترجمت انتصار برشلونة على الساحة المحلية إلى انتصار رمزي على الخصم الأزلي عبر أداة غير تقليدية.
ويبقى السؤال الأبرز: هل سيرتد الصفع على صاحب الكرة البلاستيكية الأصلية، أم ستتحول إلى معلم تورّثه الأجيال كمثالٍ على أن الإبداع في الاحتفال لا يقل أهميةً عن الإبداع في الملعب ذاته؟ ربما يكشف عنه المستقبل، لكن المؤكد أن «كرة الشاطئ» دخلت سجلات كلاسيكو الأرض بأكبر بوابة ممكنة.