شهد نهائي دوري أبطال أوروبا موسم 2024–2025 مواجهة استثنائية بين باريس سان جيرمان وإنتر ميلان على ملعب أليانز أرينا في ميونخ، لكن الصورة التي ظهر عليها الفريق الإيطالي خلال الدقائق العشرين الأولى كانت صادمة وغير متوقعة على الإطلاق. حيث بدا إنتر في تلك اللحظات بلا شخصية تكتيكية واضحة أو قدرة على مجاراة أسلوب لويس إنريكي في التحضير التكتيكي، مما مهد الطريق لخماسيةٍ كاملة لصالح النادي الفرنسي قبل نهاية الشوط الأول.
ويتضح أن الدقائق الافتتاحية كانت كابوساً حقيقياً لمدرب الإنتر سيموني إنزاجي، الذي بدا متأثراً بشائعات ارتباطه بانتقال إلى أحد الأندية السعودية، مما أثر سلباً على تركيزه وقدرته على تحفيز لاعبيه للمباراة الأهم في مسيرتهم القارية.
باريس يفرض سيطرته من الدقيقة الأولى
منذ الدقيقة الأولى استطاع باريس سان جيرمان فرض سيطرته على وسط الملعب من خلال أسلوب الضغط العالي واستثمار سرعة لاعبيه في المساحات المفتوحة، بينما بدا إنتر متردداً في الخروج بالكرة إلى مناطق بناء اللعب، وفضّل التراجع الجماعي داخل منطقة الجزاء في محاولة لامتصاص حماس الخصم.
وأدرك الجميع أن هذه الخطوة لم تكن سوى بداية انهيار تكتيكي سريع، يُظهر غياب الثقة لدى اللاعبين وعدم وجود خطة بديلة لمواجهة أسلوب إنريكي المتوازن بين البعد الهجومي الصريح والترابط الدفاعي المتقدم. حين وصل متوسط استحواذ باريس إلى حوالي 70% مقابل ما لا يتجاوز 30% لإنتر خلال الدقائق الأولى، مما منح لاعبي العاصمة الفرنسية حرية الحركة لصناعة هجمتهم الأولى.
الهدف الأول.. مؤشر واضح للتوجيه الفني
جاء الهدف الأول في الدقيقة الثانية عشرة عندما اخترق كيليان مبابي الجهة اليسرى ومرر كرة سريعة خلف المدافعين لنيمار، الذي مررها بدوره إلى أشرف حكيمي على الجهة اليمنى ليضعها الأخير في الشباك بسهولة، ويسجل هدف التقدم، وهو ما يؤكد قدرة لاعبي باريس على استثمار المساحات التي تركها الإنتر في منتصف الملعب.
الهدف الثاني.. انهيار دفاعي شامل

بحلول الدقيقة العشرين كان الجميع يعلم أن المباراة قد اتجهت فعلياً باتجاه واحد، إذ أضاف مبابي نفسه الهدف الثاني بعد تمريرة عرضية من ليونيل ميسي وصلت سهلة أمام المرمى ليضعها ببراعة في الشباك أمام ذهول دفاع الإنتر الذي عجز عن إظهار أي رد فعل هجومي أو حتى إعادة التنظيم الدفاعي.
وقد عكست هذه اللحظات الانهيار المبكر للخطوط الخلفية للطريقة التي اختارها إنزاجي في الاعتماد على تأمين المنطقة الأمامية بدلاً من محاولة الضغط الجماعي على حامل الكرة، وهو حل أثبت فشله أمام سرعة ومعرفة عناصر بي اس جي بمواقع بعضها البعض فوق أرض الملعب.
الهدف الثالث.. تفكك كامل للفريق الإيطالي
استمرت سيطرة باريس على كل تفاصيل اللقاء، إذ لم تترك للاعبي إنتر أي مساحة للتنفس، وتمكنوا من إضافة الهدف الثالث في الدقيقة الخامسة والعشرين عندما انطلق نجولو كانتي من العمق مستغلاً ركلة ركنية غير محسوبة بشكل جيد من دفاع الإنتر، ليتوارى بين المدافعين ويلسدد كرة أرضية صعبت مهمة الحارس يان سومر الذي لم يستطع التصدي لها فتسكن الشباك مجدداً.
ليكون هنا الانهيار التام لروح لاعبي إنتر، الذين ظهروا فجأة وكأنهم لم يخوضوا أي مباراة قارية كبرى طوال الموسم.
الشوط الثاني: تعديلات متأخرة
في الشوط الثاني حاول إنزاجي إدخال بعض التعديلات على الخطة، وشهدت الدقيقة الخمسون خروج الظهير الأيمن للتبديل بلاعب وسط أكثر تثبيتاً في الدفاع، لكن هذا التبديل بدا متأخراً.
وتحرك دي ماريا سريعاً في الدقيقة الثالثة والستين بعدما استلم كرة من ميسي داخل منطقة الجزاء، راوغ مدافعاً واحداً قبل أن يسدد بيسراه أرضية ساقطة فارتطمت بالشباك ليعلن الهدف الرابع ويطوي صفحة الأمل بصورة نهائية أمام الإنتر.
مبابي يختتم الحفلة بهدف خامس

في الدقيقة السابعة والسبعين، وضع مبابي الكرة فوق الحارس كأنها تأكيدٌ لجدار باريس الدفاعي والهجومي في الوقت ذاته، ليُنهي المباراة بخماسية نظيفة.
تحليل الأداء التكتيكي
إذا أردنا تحليل ما حدث بدقة، نرى أن الفارق بين التحضير الذي قام به لويس إنريكي للبطولة وكيفية متابعته للمباريات التكتيكية للمنتخبات والأندية الأوروبية المختلفة قد منح لاعبيه أفضلية في قراءة المباريات وكذلك اختيار التوقيت المناسب للانطلاق بالكرات العرضية واستغلال التمريرات العرضية المتقنة إلى داخل منطقة الجزاء.
أما إنزاجي فقد بدا مرتبطاً بنموذج ثابت اعتمده سابقاً ضد فرق كثيرة، لكنه فشل حين واجه خصماً يمتلك أسرع لاعبين في القارة ويفهم جيداً نقاط الضعف في التكتلات الدفاعية المتراجعة.
تأثير الشائعات على أداء الفريق
الأمر الآخر المقلق بالنسبة لإنتر هو أن الحديث عن ارتباط إنزاجي بمفاوضات انتقاله إلى الدوري السعودي جعل الصحف الإيطالية تسلط عليها الأضواء أكثر من استعدادات الفريق الفني.
وقد أظهر اللاعبون في اللقاء علامات التعب النفسي منذ الدقائق الأولى التي تُعد مصيرية في النهائي، كما أن ذلك الأمر قد جعل بعض لاعبي الإنتر يفكرون في أن قبول اللعب بالطريقة المتحفظة سيمكنهم من الحفاظ على نتيجة التعادل السلبي في بداية اللقاء، لكن مع تتابع الضربات بدأت ثقتهم تنكسر.
تفوق باريس على المستوى الدفاعي والهجومي
في المقابل، كان الحديث عن قدرة لاعبي باريس على التعامل تحت الضغط العالي حاضراً بقوة، إذ بدا حكيمي ودي ماريا وكوانتسيليا يجيدون التمركز الصحيح في المنطقة الدفاعية وتنظيم خطوط الحماية بميزة التنقل السريع والتركيز على مواضع التسديد المحتملة من إنتر.
أما هجومياً، فقد كان وجود مبابي وميسي ونيمار فرصة لإرهاق خطوط الإنتر وعزل لاعبي وسطه، فكلما تراجع ضاغطاً عليه إلا وجد أحد النجوم الثلاثة يهاجم من العمق أو يتحرك بين الخطوط بحثاً عن المساحات الخالية، وهو ما يؤكد القيادة الفنية المتميزة لإنريكي في استثمار هذه العناصر بشكل متناسق.
درس للفرق الأوروبية الكبرى
يمكننا القول إن باريس سان جيرمان توّج تواجده في نهائي دوري أبطال أوروبا بجدارة مطلقة، إذ لم يترك فرصة للإنتر لاستعادة التوازن أو التفكير في خطته البديلة، بينما ظل الإنتر عاجزاً عن استيعاب ما يحدث أمامه وتقاذف التهم بين لاعبيه ومدربهم بعد المباراة التي انتهت بنتيجة تاريخية تُعد الأكبر في نهائي دوري الأبطال منذ سنوات طويلة.
ختامٌ مميز لمسيرة باريس
في الختام، أدرك الجميع أن هذا النهائي يمثل نقطة فاصلة في تاريخ نادي باريس سان جيرمان، الذي تربع أخيراً على عرش أوروبا بفضل قيادة لويس إنريكي الذكية واللاعبين الذين نفذوا التعليمات بأعلى درجات التركيز.
بينما يظهر على هامش هذه الليلة تأثير الضغوط الخارجية على المدربين والفرق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأشغال الصحافة والشائعات حول انتقالات ربما تُفقِد الفريق قدرته على التركيز في اللحظات الحاسمة.
ولذلك، يبقى المستقبل الكروي لإنتر ميلان مرتبطاً بضرورة إعادة الثقة في القيادة الفنية وبناء نموذج تكتيكي مرن قادر على مواجهة فرق تمتلك جودة فنية عالية وقوة هجومية ضخمة، طالما أن لقب دوري الأبطال في متناول أندية القارة العجوز، وهي مواجهة بالأرقام والحقائق لا تسمح بالتردد أو التكاسل، مهما كانت حجج الغياب المفاجئ للتركيز وعدة عوامل أخرى تحدد هوية بطل أوروبا في كل نسخة من البطولة.