لم يكن تصريح برناردو سيلفا، نجم وسط مانشستر سيتي، بعد الخروج الصادم من نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي مجرد انفعال عابر، بل بمثابة قنبلة هزّت أركان غرف خلع الملابس في ملعب “الاتحاد”، وكشفت عن شروخ عميقة في فريق اعتاد على التتويج. في الأسبوع الماضي، خسر السيتي المباراة النهائية أمام كريستال بالاس (1-0)، واختتم موسماً أسود لا يرقى لمعايير الأبطال الذين تعوّد مشجعو “السيتيزنز” على رؤية أنديتهم تُجمل خزائنها بالألقاب.
من وصف المشهد المؤلم إلى موجة اتهامات صريحة
عقب صافرة النهاية، لم يتردد الدولي البرتغالي في الكشف عن إحباطه من زملاء لم يظهروا في اللحظات الحاسمة:
“في الأوقات الصعبة تتعلم أشياء جديدة، تعرف من يمكنك الذهاب إلى الحرب معه، لأنك في المحن تكتشف من هم الأوفياء حقًا. هذا الموسم كان سيئًا جدًا بالنسبة لنا… شيء ما يجب أن يتغير العام المقبل.”
بهذه الكلمات النارية، أوضح سيلفا أنه لا يتحدث عن غضب عابر، بل عن قناعة راسخة بأن هناك من لم يقف إلى جانب الفريق حين اشتدّت الحاجة إلى روح القتال. ولم يكتفِ بذلك، بل لَمَّح إلى أن هناك “أمور تحتاج للتغيير” داخل الهيكل الإداري والتدريبي، وأكد أن القرار النهائي بيد “المسؤولين الكبار” في النادي.
العوامل الخفية وراء موسم كارثي

إذا كان هناك معيار واحد حافظ عليه مانشستر سيتي في المواسم السابقة، فهو الثبات على مستوى التوقعات والنتائج. لكن موسمي 2024-25 كان شاهدًا على مجموعة عوامل تسببت في تراجع الأداء:
- الضغط الجماهيري والإعلامي: لم يعد كافياً أن يفوز السيتي بألقاب محلية؛ فالجماهير باتت تتوقع الهيمنة الأوروبية، وبدأت الانتقادات تتسع مع كل هزيمة في دوري أبطال أوروبا أو الكأس.
- أزمة الثقة داخل التشكيلة: إحصائيات الأداء الفردي أظهرت تذبذب مستوى بعض اللاعبين الأساسيين في قلب الدفاع والوسط، ما انعكس على صلابة الفريق في الأوقات الحرجة.
- تأثير الإصابات والإرهاق: تعرض نجوم كالفوف دويهيني والأظافر إلى إصابات متفرقة، الأمر الذي أجبر المدرب على إجراء تبديلات متكررة في التشكيلة، ففقد الاتزان التكتيكي الذي صنع منه بطل الدوري في الموسمين الماضيين.
وأوضح سيلفا أن موسمه لم يرقَ إلى “المعايير العالية” التي يضعها السيتيزنس لأنفسهم، وحذر من أن الاستمرار على هذا النهج يعني التفريط في غطاء الأمجاد التي بناها الفريق.
خلافات خفية في الكواليس

لم تغب إشاراته إلى انقسام في غرفة خلع الملابس، فقد ألمح إلى أن بعض اللاعبين لم يكونوا “أوفياء” لنهج المدرب واللعب بروح الفريق. هذا الكلام أعاد إلى الأذهان قصصًا قديمة عن صدامات بين نجوم الصف الأول ورؤوس الجهاز الفني أو الأداء الدفاعي الذي وصفه النقّاد بأنه “بطولي” في بعض المباريات، و”متخاذل” في أخرى، مما أعطى انطباعًا بانعدام التوازن والالتزام التكتيكي.
على مستوى التكتيك، أشار مراقبون إلى أن تغييرات المدرب في طريقة اللعب من 4-3-3 إلى 3-2-5 في اللحظات الحاسمة كانت تعبيرًا عن ضغوط داخلية؛ فالخيارات الأحادية لم تكن تفعل أفضل ما عند اللاعبين الذين لم يستجيبوا جميعهم لأدوارهم الجديدة.
رسم خارطة طريق للتعافي والعودة للألقاب
رغم الأزمة، خرج سيلفا بإيجابية ضمنية حين تحدث عن “إيجابيات الموسم”: عدم الاستخفاف بالمباريات، والحرص على عدم خفض سقف التوقعات. وهذه النقاط تمثل دفعة معنوية للفريق، حيث يمكن تحويل خيبة الموسم إلى قاعدة انطلاق جديدة.
ويبدو أن صانع الألعاب البرتغالي يضع على رأس أجندة الصيف المقبل:
- جلسات مصالحة وبناء الثقة بين اللاعبين لجس نبض الوفاء والتضحية الشخصية من أجل الجماعي.
- مراجعة استراتيجية التعاقدات لدعم قلب الدفاع ولاعب الوسط الدفاعي، بعد أن كشف الموسم عن هشاشة خطي الظهر والصلابة في وسط الملعب عند استعادة الكرة.
- عودة النفس المعنوي عبر إقامة معسكر تدريبي قصير في ظروف بعيدة عن الأضواء، لتعزيز الروابط بين اللاعبين والمدربين والإدارة.
مستقبل برناردو ومصيره مع السيتي
في خضم هذه الزلزال، تتردد أنباء عن رغبة النادي في إعادة هيكلة قائمة الأسماء، وقد وصل الأمر إلى إبلاغ سيلفا أنه “ليس ضمن خطط المستقبل”، وأن المهاجر البرتغالي يدرس العودة إلى الدوري البرتغالي عبر بوابة بنفيكا، إذا رضيت إدارة السيتي ببيع عقده مقابل مبلغ أقل من الشرط الجزائي البالغ 58 مليون يورو.
لكن الصحف الإنجليزية والبرتغالية تتوقع موافقة مانشستر سيتي على بقاء القائد مهما كانت الظروف، نظراً لقيمته التكتيكية وخبرته التي لا تُقدَّر بثمن في أوقات الأزمات.
درس لا يخطئه الأبطال
لقد أثبت برناردو سيلفا أن الكلمات يمكن أن تكون أكثر فتكًا من الأهداف، حين تنبع من لاعب ملئه الخوف على مستقبل فريقه. ومع بداية موسم الانتقالات الصيفية، تترقب الجماهير ببريق عيون متفائل وأخرى متحفّظة؛ فهل سيرد السيتيزنز على هذه الاتهامات بتصحيح المسار والعودة بقوة إلى صدارة عرش الأندية الأوروبية؟ أم سيكرّس النادي حالة “الحاجز النفسي” التي ألمّت به في هذا الموسم؟ الإجابات ستأتي سريعًا مع انطلاقة الموسم الجديد، لكن درس الوفاء والإخلاص الذي طرحه سيلفا لن يُنسى بسهولة في تاريخ “مانشستر العظيم”.