توج العميد بلقب الكأس وحقق الثنائية التاريخية
أسدل الستار على موسمٍ مليء بالإثارة والمنافسة في الملاعب السعودية حين توج الفريق الأول لكرة القدم بنادي الاتحاد بلقب كأس خادم الحرمين الشريفين للموسم الرياضي 2024-2025 بعد فوزه على القادسية بثلاثة أهداف مقابل هدف في المباراة النهائية التي احتضنها ملعب الإنماء بمدينة جدة ليلة الجمعة.
هذا الفوز لم يكن مجرد حصولٍ على كأس إضافي فحسب، بل شكّل لحظة تاريخية جديدة للعميد الذي نجح في جمع لقبي دوري روشن السعودي وكأس الملك في نفس العام لأول مرة منذ تطبيق الاحتراف عام 2008-2009، مساهماً بذلك في معادلة إنجازي الأهلي والهلال ورفع سقف طموحات الجماهير الاتحادية قبل انطلاق التحضيرات للموسم المقبل.
سيطرة الاتحاد منذ الدقائق الأولى
منذ صافرة البداية بدا واضحًا أن الاتحاد مدركٌ لحجم المناسبة التي تنتظره في مشهد نهائي غاب عنه طعم التتويج منذ سنوات طويلة.
انطلقت أولى فرص العميد في الدقائق الأولى عن طريق الضغط المكثف على دفاع القادسية، قبل أن ينجح النجم الفرنسي كريم بنزيما في افتتاح التسجيل للاتحاد في الدقيقة 34 من عمر الشوط الأول بعد أن لمس الكرة بضربة صدرية استقرت في الشباك مؤكدًا حضوره وتأثيره القوي، فأشعل المدرجات وردّد اللاعبون والزملاء هتافات عكست فرحة عارمة ورغبة جامحة بتأمين اللقب مبكرًا.
هدف ثانٍ قبل نهاية الشوط الأول

بعد الهدف الأول واصل الاتحاد بناء الهجمات من العمق والجناحين، ليتلقى ثنائي الوسط حسين عوار ونواف التمياط إشادات من المحللين الرياضيين الذين أكدوا أن تحركات الثنائي على الأطراف ومدى تعاونهم مع بنزيما أثمرت تحكمًا في إيقاع المباراة رغم محاولات القادسية المبكرة لإعادة توازنه الدفاعي.
لم ينتظر لاعبو الاتحاد طويلًا قبل أن يسجلوا الهدف الثاني عبر حسام عوار في الدقيقة 43 من هجمةٍ منظمة استلم خلالها بنزيما الكرة قبل أن يمررها برأسه على حدود المنطقة إلى عوار الذي أسكنها الشباك بكل ثقة ليعلن تقدم العميد بهدفين دون رد.
هدف القادسية الوحيد قبل الاستراحة
وفي الدقيقة السادسة من الوقت بدل الضائع من عمر الشوط الأول نجح القادسية في تسجيل هدفٍ وحيد عن طريق نجمه الغابوني بيير إيميريك أوباميانج الذي نفذ ركلة جزاء بعدما احتكم الحكم لتقنية الفيديو بعد لمسة يد داخل منطقة الجزاء.
إلا أن الأهداف الاتحادية كانت قد رسمت طريقًا صعبًا أمام الدلالات النفسية التي تمنح أي فريق جرعة أمل في العودة، ليخرج اللعب إلى الاستراحة بهدفين مقابل هدف لصالح الاتحاد الذي بدا أكثر عزيمة لإكمال المشوار.
الشوط الثاني والهدف الثالث الحاسم

مع انطلاق الشوط الثاني ارتفع منسوب الحماس بين جماهير الاتحاد التي غصّت فيها المدرجات، في الوقت الذي بدا فيه القادسية يكافح لاستعادة توازنه ولكن دون الكثير من الفاعلية الهجومية.
وفي الدقيقة 90+4 من الوقت المحتسب بدل الضائع استطاع كريم بنزيما أن يختم أهداف المباراة عندما تحرر أمام المرمى بعد تسديدةٍ قوية من حسين عوار تصدى لها الحارس لترتد الكرة فنزلقها بنزيما في الزاوية اليسرى محررًا شباك القادسية للمرة الثالثة، فكانت ضربة المعلم الفرنسي بمثابة تأكيدٍ نهائي على ثنائية الاتحاد وتحقيقه لأمنية جماهيره في إنهاء الموسم بإنجاز كبير بعد طول انتظار.
الاتحاد يدخل التاريخ باللقب الثالث عشر في الكأس
بهذا الفوز ارتفع رصيد الاتحاد في نهائيات كأس الملك إلى ثلاثة عشر لقباً في تاريخه، متفوقًا على معظم الأندية المحلية في هذا السياق.
فيما نجح في معادلة إنجاز الأهلي الذي جمع بين دوري المحترفين وكأس خادم الحرمين للمرة الأولى موسم 2015-2016، وكذا الهلال الذي سبق له أن حقق الثنائية في مواسم 2016-2017 و2019-2020 و2023-2024.
ويعكس هذا الإنجاز مدى قوة مشروع الاتحاد الفني والإداري، حيث برهن العميد على قدرته على المنافسة على أكثر من جبهة خلال موسم حافل بالتحديات، مستفيدًا من خبرة الجهاز الفني بقيادة المدرب الفرنسي لوران بلان والذي نجح في استثمار إمكانيات اللاعبين المحليين والمحترفين على حد سواء.
السيطرة التاريخية على القادسية
عند النظر إلى الأداء التاريخي للاتحاد أمام القادسية، نجد أن الفريق الاتحادي لم يعرف طعم الهزيمة أمام فارس الشرقية منذ يوم 15 سبتمبر 2018 عندما خسر بثلاثة أهداف نظيفة في دوري المحترفين.
ومنذ ذلك الحين خاض الاتحاد أمام القادسية ست مباريات في بطولات الدوري والكأس، محققًا خلالها خمسة انتصارات مقابل تعادلٍ وحيد، منها انتصار في نهائي كأس الملك 2024-2025 بنتيجة 3-1، وتعادل بهدفٍ لمثله في الدوري موسم 2024-2025، وفوزين بنتيجتي (1-0) و(4-1) في الموسم نفسه من دوري المحترفين، ومثلهما في موسم 2020-2021.
ويؤكد هذا السجل أن الاتحاد فرض سيطرته على المواجهات المباشرة وألحق بالقادسية خسائر متتالية أكسبته الثقة قبل أي مباراة نهائية.
الوجه التكتيكي: ضغط عالي واستغلال دقيق
من الناحية التكتيكية فإن اعتماد الاتحاد على خطةٍ هجومية مرنة مبنية على الضغط العالي واستغلال ضعف مساحات القادسية في مناطق وسط الملعب أتاح لبنزيما أن يكون محور التحرك والانطلاق نحو مناطق المرمى.
فيما كانت مهام لاعبي الأطراف تتلخص في استغلال الفراغات خلف خط دفاع القادسية، وهو ما برع فيه كل من حسام عوار وجوناثان ديابي لا سيما في صناعة الفرص لخط المقدمة ومساندة بنزيما في بناء اللعب الهجومي.
وعلى الجانب الآخر بدا القادسية يعتمد على تراجع جماعي وربما اعتمد على مفاتيح لعب أوباميانج في انطلاقاته الفردية، لكنها لم تكن كافية ولا متزامنة مع تحرك زملائه في وسط الملعب أو على الأجنحة، ما سهّل مهمة دفاع الاتحاد وسيطرته على معظم دقائق اللقاء.
الجانب الإعلامي والجماهيري: تريند عربي وعالمي
من الناحية الجماهيرية والإعلامية، تصدرت مباراة نهائي كأس الملك تريندات منصات التواصل الاجتماعي عربيًا وفي بعض الأوساط العالمية المهتمة بكرة القدم.
تناولت التحليلات تكتيك الاتحاد بقيادة لوران بلان وكيفية استفادة الفريق من خبرة بنزيما الذي نجح في تسجيل أكثر من ثلاثين هدفًا أو صناعة مثلها في آخر عشرين مباراة رسمية.
وفي المقابل أثار أداء أوباميانج جدلًا واسعًا إذ لم يكن اللاعب الغابوني في يومه وانتقده البعض لعدم قدرته على استغلال الفرص التي أتيحت له خلال مجريات اللقاء، فيما شدد محللون سعوديون على أن معيار النجاح في المباريات النهائية يكون حاسمًا في تحديد مصير اللاعبين والأندية على حدٍ سواء.
المستقبل يبدأ الآن: التحضير للموسم الجديد
بعد أن صارت ثنائية دوري روشن وكأس الملك حقيقة واقعة في خزائن الاتحاد، تواصل الإدارة الاتحادية العمل على تجهيز مشروعها للموسم المقبل.
حيث يتوقع أن تسعى لضخ دماءٍ جديدة وإجراء تعزيزات نوعية لخطوط الصفوف كافة لا سيما الدفاعية منها لتعويض أية ثغرات قد تُستغل من الخصوم في ظل مشاركات صعبة مقبلة في بطولات قارية.
وفي الوقت نفسه يعوّل الاتحاد على استمرار التناغم بين المحترفين الدوليين والنجوم المحليين الذين ظهروا بلياقة فنية وذهنية عالية طوال الموسم، خصوصًا بعد أن ضربت الأزمة المالية بعض الأندية المنافسة ورفع الاتحاد وتيرة استقراره الفني ممكنًا إياه من جمع الثنائية لأول مرة منذ أكثر من خمسة عشر عامًا.
ختامًا: تحديات جديدة تنتظر العميد
ختامًا، لقد وضع الاتحاد بصمته بقوة على الموسم الرياضي بعدما حقق ما عجز عنه لعقود من الزمن، وبات اليوم يطل على منافساته المقبلة بروح المحارب الذي يعرف جيدًا أن التربع على عرش التتويج لا يمنح ضمانات للبقاء في القمة، بل يفرض تحديات جديدة تتعلق بصيانة هذا المستوى أمام المنافسين التقليديين مثل الهلال والأهلي.
فضلاً عن امتداد المنافسة قاريًا حين يواجه فرقًا من أندية القارة الآسيوية الباحثة عن الظهور والإنجاز.
وإذا كانت ثنائية الاتحاد قد أدهشت الجماهير وأشعلت مواقع التواصل وانتشرت الأخبار حولها في كل مكان، فإن التحدي القادم يتلخص في الحفاظ على هذا الزخم والرد على السؤال الملح: هل سيتمكن العميد من الاستمرار في صناعة الإنجازات محليًا وقاريًا في المستقبل المنظور؟