جذور الخلاف وملابسه الأولية
بدأ الجدل حين قدم لويس روبياليس شكوى رسمية تتهم تيباس بإساءة استغلال السلطة وتوجيه عروض مريبة إلى ميغيل غارسيا كابا، المسؤول الإداري في الاتحاد الإسباني آنذاك. ووفق ما أورده روبياليس، فقد اقترح تيباس في لقاء تمّ عقده في مايو 2022 عقد عمل بمقابل مالي سنوي يبلغ نحو 150 ألف يورو على كابا، شريطة أن يزوّده بمعطيات سرية من ملفات الاتحاد تشمل تسجيلات ومراسلات تتناول مساعي الرئيس السابق نفسه وعلاقته بنادي ريال مدريد، إضافة إلى معلومات عن الصراع القائم بين "البلانكوس" والرابطة حول حقوق النقل التلفزيوني.
ويرى روبياليس أن هذه المحاولة تمثّل خرقاً واضحاً لقانون الرياضة الإسباني، وتهديداً لمبدأ الشفافية في إدارة كرة القدم، فضلاً عن محاولة لتشويه سمعته وزعزعة مكانته المؤسسية والتجارية. وقد طلب في شكواه فتح تحقيق تأديبي عاجل ضد تيباس وتعليق مهامه إلى حين انتهاء القضية.
ردّ ناري على “تلفيقات” وتصحيح مسار التسجيل
لم يمضِ وقت طويل حتى شنّ خافيير تيباس هجوماً حاداً عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، واصفاً اتهامات روبياليس بأنها “مجتزأة ومضللة”. واستنكر تيباس استنساخ مقاطع مختارة فقط من تسجيله مع غارسيا كابا، داعياً إلى الاطلاع على نسخة التسجيل الكامل قبل اتخاذ أي قرارات، ومتهماً روبياليس بفبركة الوقائع لتوليد عناوين ملفقة تشوه سمعته.
قال تيباس: “العالم مقلوب رأساً على عقب؛ هذا هو حال كرة القدم الإسبانية اليوم. روبياليس نفسه متهم في قضايا فساد، ويستخدم المحققين الخاصين لمراقبة خصومه. هو من دفع ثمناً باهظاً لجيراردو غونزاليس أوتيرو لتمويل كفالات قضائية، والآن يتهمني بالرشوة!”.
وأضاف بأن التسجيل الكامل بحوزة المحكمة المختصة في ماخاداهوندا، وهو يحوي وقائع فساد أخرى تتجاوز اتهامات روبياليس.
تفاصيل التسجيل ومغزى تقديمه إلى القضاء

بحسب تصريح تيباس، فإن التسجيل الصوتي المقتصر تم تقديمه كاملاً منذ عدة أشهر إلى قاضي التحقيق في محكمة ماخاداهوندا، التي تحقق في شتى قضايا الفساد المتعلقة بملف روبياليس. ومن بين الاتهامات المسجلة، وفق تيباس، انخراط بعض المسؤولين في ارتكاب تجاوزات مالية وتبادل مزايا مع أندية وشركات إعلامية خارج إطار الشفافية.
أشار تيباس إلى أن التسجيل يكشف عن محاولات لمسؤولين سابقين داخل الاتحاد للتأثير على منح حقوق النقل السمعي والبصري للموسم المقبل، بما يخدم مصالح أطراف معينة، في إشارةٍ واضحة إلى النزاع الطويل بين الاتحاد ورابطة الدوري حول توزيع الإيرادات التلفزيونية.
شكوى جديدة وتعميق جبهة المواجهة
ولم يقتصر ردّ روبياليس على الشكوى الأولى، بل تقدّم محاميه إنريكي زارزا بشكوى ثانية تتضمن اتهامات لـ تيباس بالمسؤولية عن القضية التي فُتح ضد روبياليس بخصوص عقد كأس السوبر الإسباني في السعودية. وادعى زارزا في تصريحات خاصة لصحيفة “Elespanol” أن جيراردو غونزاليس أوتيرو، مساعد تيباس، هو من تولى دفع مبلغ 10,000 يورو كفالة في المحكمة الابتدائية الأولى في ماخاداهوندا، بغرض تغطية تبعات قضية الفساد المتهم بها روبياليس أمام القضاء.
وبذلك، تضاعف عدد الملفات التي يواجه فيها تيباس اتهامات مباشرة أو غير مباشرة بالمشاركة في فضائح مالية، ما يدفع ببعض المراقبين للتساؤل عن جدوى الحرب المفتوحة بين الرجلين، وآثارها على سمعة كرة القدم الإسبانية محلياً ودولياً.
تداعيات الصراع على المشهد الرياضي

يرى خبراء القانون الرياضي أن المعركة الإعلامية والقضائية بين تيباس وروبياليس قد تؤدي إلى تآكل ثقة المستقطبين الرئيسيين في المنظومة: الأندية والجماهير؛ ذلك لأن النزاع على المعلومات الحساسة واتهامات الفساد والرشوة يحملان تبعات بعيدة المدى على العلاقة بين الهيئات الرياضية والجهات القضائية والإعلامية.
كما قد يعيد هذا الصراع طرح أسئلة حول دور المجلس الأعلى للرياضة (CSD) في ضبط توازن القوى بين الاتحاد ورابطة الدوري، خصوصاً أن كلا الطرفين يسعيان لاستقطاب دعمه في إطار التحقيقين الجاريين. وطالب تيباس بدراسة متأنية للملف قبل إحالة القضية إلى المحكمة الإدارية للرياضة (TAD)، مؤكداً أن تلك الهيئة ستُقر في النهاية ببراءته من التهم الموجّهة إليه.
ختام مفتوح وانتظار حسم الشهادات
في ظل الاحتدام المتبادل وامتلاك كل طرف تسجيلات ووثائق يدّعي بأنها تثبت انتهاكات الآخر، يبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات عدة: إما أن يقدم المجلس الأعلى للرياضة أدلة إضافية تكشف حقيقة ما جرى في مايو 2022، أو أن تستغرق الإجراءات القضائية وقتاً طويلاً يؤجج الخلاف ويزيد من حالة القطيعة داخل أروقة كرة القدم الإسبانية.
ويختم تيباس كلامه قائلاً موجهاً رسالة إلى خصومه:
“من يحلمون بتحطيمي قبل أن تثبت التحقيقات براءتي، سيكتشفون أنهم على خطأ. لا تبيعوا جلد الدب قبل صيده”.
وفي المقابل، يصر روبياليس على مواصلة رفع دعواه والكشف عن كل الملابسات التي تحوم حول صفقة حقوق النقل وكواليس السلطة داخل اتحاد الكرة.
وبين حجج القانون وتدوير المعارك الإعلامية، تبقى الحقيقة هي الرابح الوحيد إن خرجت كل الأوراق إلى العلن دون تجزئة أو إخفاء، وتنكشف أبعاد هذه الحرب التي قد تعيد تشكيل الخارطة الإدارية للرياضة الأكبر في إسبانيا.