في مفارقة غريبة لم تشهدها “قلعة سانتياغو برنابيو” منذ سنوات، يعيش النجم الكرواتي لوكا مودريتش حالة من الترقب والقلق إثر تأخر إدارة ريال مدريد في حسم مصيره لموسم إضافي، على الرغم من رغبته الواضحة في البقاء مع الفريق الأبيض. ما بين لقاءات عابرة في مكاتب النادي وشائعات عن سيناريوهات متكررة مع لاعبين آخرين، يبقى السؤال الأهم: هل سيجد الماجيسترو الكرواتي الإجابة التي ترضي قلبه قبل نهاية شهر مايو؟
حكاية التجديد المؤجل
قبل عام واحد، وتحديدًا في مايو 2024، التقى مودريتش برئيس النادي فلورنتينو بيريز في جلسة ودّية عُرفت سريعًا داخل أروقة “الميرنغي” بأنها إعلان صريح عن تجديد العقد لعامٍ إضافي. لكن هذا الموسم تكرر الموعد ذاته دون أن يصدر أي تصريح مكتوب أو شفهياً يدل على خطوة مماثلة. الصحافة الإسبانية، وعلى رأسها صحيفة “ماركا”، ركزت على غياب أي حديث رسمي أو مؤشرات قوية على نية التجديد في غضون الأيام المقبلة.
خلف الكواليس… دروس من ناتشو وفاسكيز
تعتمد ريال مدريد في كثير من الأحيان على مبدأ “اللمسة الأخيرة في النهاية” عند إدارة ملفات عقود لاعبيه المخضرمين. فمثلاً، وُقع تجديد عقد المدافع ناتشو فيرنانديز قبل نهاية موسم 2022-23 بلحظات، بعد مباراته الأخيرة ضد أتلتيك بيلباو، رغم أن الجميع كان متوقعًا رحيله أو تقليص دوره. والأمر تكرر مع لوكاس فاسكيز الموسم الماضي، حيث أُبرم لقاء سريع مع بيريز بعد مواجهة قادش ليتم الاتفاق على الاستمرار. هذه الاستراتيجية ربما تحولت إلى “عادة” داخل النادي، ولكنها تضع مودريتش أمام ضغط جديد مع اقتراب نهاية الموسم الحالي.
رغبة متجددة رغم الزمن
على الرغم من بلوغه سنّ الرابعة والثلاثين، يُصر المايسترو على الاستمرار مع ريال مدريد حتى نهاية موسم 2025–2026، تمهيدًا لخوض مشاركة أخيرة مع منتخب كرواتيا في كأس العالم 2026، ثم الإعتزال وهو في قمة عطائه. وفي تصريحات مقتضبة داخل معسكر الفريق، عبّر اللاعب عن استعداده لقبول أي شروط مالية أو إدارية، طالما امتثل إلى رؤيته الفنية التي يعتقد أنها لا تزال تضيف الكثير لفريق لا يمل من الألقاب.
مبادرة غير رسمية: تواصل “مودريتش–ألونسو”
وسط هذا الصمت الرسمي، تداولت تقارير أن بعض زملاء الميدان وأعضاء في الطاقم الإداري نصحوا النجم الكرواتي بالاستعانة بالمدير الفني الجديد تشابي ألونسو لعرض رؤيته ومخاوفه بشكل مباشر. فتواصل مباشر مع المدرب القادم من تجربة متميزة في “ليفانتي” وأوروبا قد يسرّع من حسم موقفه، خاصة أن ألونسو يُعرف بقدرته على إدارة حوارات شفافة مع اللاعبين الكبار. ومع ذلك، فإن هذا الاقتراح لم يُنفذ حتى الآن، حيث يبدو أن تركيز مودريتش مُنصبّ بالكامل على آخر مباراتين في الدوري الإسباني ومواجهة ريال مايوركا التي قدم فيها عرضًا تكتيكيًا مميزًا.
التحديات الفنية والإدارية

يرى بعض المحللين أن تردد بيريز في إصدار بيان رسمي لتجديد عقد مودريتش ينبع من سعي النادي لخفض الأعباء المالية على المدى الطويل وضبط سقف الرواتب، خصوصًا مع قرب انطلاق سوق الانتقالات الصيفي وضخ ميزانيات ضخمة في صفقات جديدة. وفي المقابل، يتخوّف جمهور ريال مدريد من فقدان “العقل المفكر” الذي صاغ له الفريق أكثر من تتويج أوروبّي منذ قدومه عام 2012.
على المستوى الفني، لا يزال مودريتش يُعتبر قاعدة أساسية في بناء اللعب من الخلف والانتقال السلس للوسط، كما تثبت الإحصاءات أنه يملك أعلى نسبة تمريرات صحيحة بين لاعبي خط الوسط في الفريق هذا الموسم، مع مشاركته الفعّالة في الأهداف المُسجلة. ورغم تناقص سرعته البدنية مقارنة بمراحل شبابه، إلا أن قراءته للمباريات وقدرته على فرض سيطرته الوراثية على رتم اللقاء تظل من الركائز التي يصعب تعويضها بسهولة.
سيناريوهات ما بعد مايو

مع اقتراب نهاية مايو 2025، ترتفع وتيرة التكهنات حول مصير مودريتش:
1. تجديد عقد لموسم واحد:
الخيار الأكثر ترجيحًا إذا أراد النادي الحفاظ على استقراره الفني مع إضفاء لمسة خبرة إضافية.
2. عرض عمل في الإدارة أو سفير للنادي:
مسار انتقالي يتناسب مع تقدير الريال لمكانته كرمز تاريخي.
3. رحيل مجاني لوجهة خارجية:
مفاجأة من العيار الثقيل قد تكون إلى الدوري الأمريكي MLS أو إلى أحد أندية الشرق الأوسط الراغبة في استقطاب الأسماء الكبيرة.
خلاصة المشهد
يبقى لوكا مودريتش أيقونة لا يعوّضها رحيله السهل، ولكن سياسة “اللمسة الأخيرة” في عقود ريال مدريد وضعت اللاعب أمام اختبار صبر جديد. الجماهير العاشقة للنجاح العريق في “البرنابيو” ترجو أن تستقر الأمور سريعًا وأن يُعلن بيريز عن تجديد العقد قبل فوات الأوان، ليواصل الماجيسترو رحلته في جدران الملكي، مكتملًا دروسه الذهبية في صناعة اللعب وبناء البطولات. وما بين صمت الإدارة وطموح مودريتش، يقف الجميع على موعد مع فصل هام يحدد مصير واحد من أبرز النجوم في تاريخ كرة القدم المعاصرة.