منذ انتقاله إلى بايرن ميونخ صيف 2023 قادمًا من توتنهام، كان هاري كين يقيس خطواته في ألمانيا بعين تطلعاتٍ أكبر من مجرد حصد ألقاب فردية.
ومع نهاية موسم 2024–2025، نجح قائد منتخب إنجلترا في كسر ما اعتُبِر لعنةً تطارده منذ انطلاق مسيرته الاحترافية: التتويج بلقبٍ جماعيٍ كبيرٍ. وللمرة الأولى في حياته، ارتدى المهاجم البالغ من العمر 31 عامًا ميدالية بطلٍ للدوري الألماني، ليترك خلفه سنواتٍ من الجدل حول قدرته على قيادة فريقه لحصد الألقاب.
معضلة الألقاب الفردية مقابل الجماعية
قبل صيف 2025، كان رزنامة إنجازات كين تزخر بالأرقام القياسية: هدافٌ تاريخيٌ لدوري توتنهام وبريمييرليغ، وجوائزٌ فرديةٌ عديدةٌ مكّنته من اختراق سدّة “الملك” ألان شيرر في تعداد الأهداف في البريميرليغ. ومع ذلك، ظل يسأل نفسه: “هل سأحصد لقبًا جماعيًا؟” كما نقلت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية. ولفت:
“وضعْت نفسي تحت ضغطٍ أكبر من أي شخصٍ آخر. مع كل موسمٍ يمرّ، كنت أتساءل: هل سأقدر أخيرًا على رفع درعٍ؟”
ومع هذا الشعور المتكرر بالقلق، حقق كين حلمه عندما أحرز هدفه الرابع والعشرين في الدوري الألماني، مساعدًا بايرن على تخطي عقبة فيردر بريمن بهدفٍ يتيمٍ، منح “البافاري” اللقب رسميًا بفارق ست نقاطٍ قبل ثلاث جولاتٍ من النهاية.
دروس من ملعب الجولف… “سنرى ما سيقولونه الآن”

على هامش الاحتفالات، كشف كين عن مصدرٍ غير متوقعٍ للإلهام: أسطورة الجولف الشاب روري ماكلروي، الذي أكمل في أبريل الماضي “سلسلة البطولات الكبرى” بحصوله على لقب “الماسترز” في أوغوستا. واستشهد بماكلروي الذي ردّ على تساؤل الصحافيين: “بعد ما يحققه الفرد، ما الذي سنناقشه بعد عامٍ؟”، فقال كين:
“نعم، سنرى ما سيقولونه الآن. أعتقد أن البعض سينقب عن شيءٍ ينتقدونني عليه، لكنهم سيجدون مجرد ظلٍ لما كنت عليه قبل التتويج. لم أتغير؛ أنا نفس اللاعب والالطموح”.
وأشار إلى أن قدرة لاعب الجولف الأيرلندي على تجاوز “مونديال أليست” والبطولات الكبرى دفعت به إلى التأكيد على أهمية الصمود والثقة في النفس:
“تعلمت منه الصبر والإصرار. عليك أن تستمر في دفع نفسك إلى الأمام، وعندما يحين وقت الحصاد، ستحصد النتائج”.
البداية فقط… والطموحات لم تتوقف

لم يكن لقب الدوري نهاية الطريق بالنسبة لكين، بل بدا حريصًا على الإشارة إلى أن هذه الخطوة تمهيدٌ لمزيدٍ من الإنجازات:
“كان هناك جزءٌ ناقصٌ في سيرتي الذاتية وهو لقب جماعي. الآن تحقق ذلك، لكن الأمر لا يتوقف هنا. أريد كأس السوبر الألماني، أريد كأس العالم للأندية، وأريد أن أقود إنجلترا للتألق في مونديال 2026. هذا مجرد بداية”.
وفي ما يخص “الماسترز” الأوروبية، يحتمل أن يرمي كين قبعته في حلقات معسكر إنجلترا الصيف المقبل وهو أكثر استعدادًا للمنافسة على لقب كأس العالم عبر سجلٍ دوليٍّ بدأه بهدفٍ قاتلٍ في نهائي بطولة أوروبا 2021—الذي لم يحسمه “الأسود الثلاثة” لصالحهم.
ردة فعل الجماهير والإعلام
عادت عناوين الصحف إلى تغطية “لعنة كين” التي تحطمت في ملعب أليانز أرينا، فكتبت “ماركا” الإسبانية: “ما كان مستحيلًا أصبح واقعًا… كين يتوج أخيرًا بعد سنواتٍ من الانتظار”. وأبرزت “موندو ديبورتيفو” الإسبانية اقتباسه “سنرى ما سيقولونه الآن” كعلامةٍ على الثقة الجديدة التي اكتسبها المهاجم.
على منصات التواصل، استقبل المشجعون الإنجليز الاحتفالات بدهشةٍ وفرحٍ، معتبرين أن تتويجه في ألمانيا “يؤكد جدارته بأي نادٍ ويعيد الاعتبار لمسيرته الدولية”، بينما بارك البافاريون انتقاله من هدّافٍ ممتازٍ إلى بطّالٍ حقيقيٍّ.
خاتمة: إرثٌ أكبر من الأرقام
ارتبط اسم هاري كين طويلًا مع الإرث الفردي في التهديف، لكنه اليوم يكتسب إرثًا جماعيًا جعل منه مثالًا للمثابرة والثقة بالنفس. فكما قال بصراحةٍ:
“كل الألقاب الفردية التي حصدتها لا تعادل شيئًا دون أن تشارك في فرحةٍ جماعيةٍ حقيقيةٍ. هذه هي كرة القدم؛ هي جماعيةٌ قبل أي شيءٍ”.
وبهذا الصدد، يبدو كين مستعدًا لفتح صفحةٍ جديدةٍ في تاريخه، صفحةٍ عنوانها “البطل المتوج” الذي يستقي الدروس من ميادين الجولف ليثبت أن صبره وإصراره وصموده قادرون على سحق أي “لعنة” كانت تلاحقه.