صفقة مدوية في ألمانيا: كيف أثّر تألّق جود بيلينجهام على قيمة شقيقه جوب في انتقاله إلى بوروسيا دورتموند
في تحول مثير للدهشة في سوق الانتقالات الأوروبية، فجّر نجم منتخب ألمانيا السابق ولاعب ليفربول الأسبق ديتمار هامان مفاجأةً كبرى حين قال إن بوروسيا دورتموند ربما دفع مبلغًا إضافيًا للتعاقد مع لاعب سندرلاند الشاب جوب بيلينجهام، ليس لأن قدراته وحدها تستحق ذلك فحسب، بل بسبب كون أخيه جود بيلينجهام أحد أبرز نجوم ريال مدريد والعالم حاليًا. تأتي هذه التصريحات لتسلّط الضوء على تأثير الأسماء العائلية في تسعير الصفقات، وما يصاحب ذلك من ضغوط وتوقعات تطال اللاعب الصاعد، مما يفتح نقاشًا حول مدى عدالة رفع العروض المالية لمجرد تشابه الأسماء أو الصلات النسبية.
خلفية الصفقة: من سندرلاند إلى حديقة سيغنال إيدونا بارك
انضم جوب بيلينجهام إلى بوروسيا دورتموند مقابل 33 مليون يورو في أوائل يونيو 2025، بعد موسم استثنائي مع سندرلاند قضاه في قيادة الفريق للتأهل إلى الدوري الإنجليزي الممتاز عبر الملحق. وبقدرات فنية لافتة، لعب جوب دورًا محوريًا في خط وسط سندرلاند، مظهرًا سرعة مميزة في قطع الكرة وتمريرات ذكية عمقًا، الأمر الذي استرعى أنظار عدة أندية كبرى في إنجلترا وأوروبا.
ومع ذلك، كان السباق نحو التعاقد معه محتدمًا، خصوصًا بعد تألق أخيه جود في ريال مدريد حيث أحرز لقب الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا في موسمه الأول بقميص الملكي، محرزًا أكثر من 10 أهداف وصنع 12 في مختلف المسابقات. وهنا، يرى هامان أن سمعة جود اللافتة في مدريد لعبت دورًا “غير تقني” في رفع سعر شقيقه الأصغر.
ماذا قال ديتمار هامان بالضبط؟
في مقابلة مع موقع Wette.de، صرّح هامان بمرارة ساخرة:
> “لا أعتقد أن اسم العائلة أضر جوب بيلينجهام كلاعب، لكن قد يكون ألحق ضررًا بعقد بوروسيا دورتموند. بالتأكيد دفعوا مبلغًا إضافيًا لأنهم فكروا في تأثير الاسم والشهرة التي اكتسبها شقيقه جود.”
وأضاف هامان:
> “عندما جاء جود إلى دورتموند للمرة الأولى كان عمره أقل، وتكلفته كانت أخف على النادي. الآن، مع التألق الكبير لجود في مدريد وصيته العالمية، ارتفعت التوقعات حتى على جوب الذي يلعب في مركز مختلف قليلًا.”
هنا يسلّط هامان الضوء على ظاهرة “تأثير الوصم” أو “الوصمة الإيجابية” التي قد ترفع من عروض الأندية بلا أساس فنيّ محض، وهو ما أثار جدلًا بين محللي كرة القدم في الصحافة والتلفزيون.
تحليل فني: إمكانيات جوب ومستقبله في ألمانيا
على الصعيد الفني، لا يُمكن إنكار الجودة التي أظهرها جوب بيلينجهام مع سندرلاند. فبالإضافة إلى تمريراته الحاسمة وقدرته على استعاد الكرة بسرعة، يمتاز بلياقة بدنية عالية تجعله قادرًا على تغطية مساحات واسعة في الملعب. ومقارنة بمستوى الدوري الإنجليزي الصعب، فإن هذه الخبرة المبكرة في الضغط والتحمّل ستكون ناصعة الفائدة عندما يخوض غمار البوندسليغا، الذي يعتمد على السرعة والقوة البدنية.
من المتوقع أن يُوزّع دورتموند أدوار جوب وفقًا لتصوراته التكتيكية؛ فربما يُستخدم كلاعب وسط رابع في نظام 4-2-3-1، معتمدًا على حرية التنقل بين الخطوط الثلاثة، أو كلاعب وسط مهاجم ثالث في كتيبة هجومية. كلا الخيارين يستلزمان دقة تمركز وتعاونًا وثيقًا مع الجناحين والظهيرين، وهو ما برع فيه في سندرلاند.
كما أن ارتباطه الوثيق بالمدرب واللاعبين الشباب في دورتموند—مثل جادون سانشو ويوسف مُنّير—سيساهم في سرعة اندماجه داخل المجموعة وتفهمه أسلوب القتال المستمر على الكرة في خط وسط البوندسليغا.
التأثير التجاري: القيمة التسويقية للاسم والشخصية
بعيدًا عن الجانب الرياضي، تلعب الأبعاد التجارية دورًا مهمًا في تسعير الصفقات الكبرى. فقد أثبتت الأبحاث أن “الأسماء التجارية” للاعبين—سواء النجم الأول أو اسم العائلة ذي الوزن—تسهم في رفع مبيعات القمصان والاشتراكات الرقمية عبر قنوات النادي.
ومع أن جوب لا يمتلك نفس قاعدة جماهيرية جود بعد، فإن ارتباطه باسمه وظهوره في قناة ريال مدريد ووسائل الإعلام الأوروبية يمنحه دفعة أولية لتعزيز إيرادات دورتموند من حقوق الصور والرعاية. وقد ظهر ذلك جليًا في تقرير أولي أعدّته الإدارة المالية لنادي دورتموند، حيث رجّحوا زيادة مبيعات قميص رقم 21 بنسب تتراوح بين 15% و20% في الشهر الأول بعد الإعلان الرسمي.
الضغوط المتوقعة: مقارنة لا تنتهي وأعين الجماهير
لا يخفى على أحد أن مقارنة جماهير دورتموند وجماهير الوسط الرياضي بشكل عام ستكون حاضرة بقوة. فبينما يقدّر عشاق ريال مدريد جهود جود في قيادة الملكي للقبين محليًا وأوربيًا، ستبقى الأنظار مسلّطة على جوب ليثبت قدراته بعيدًا عن “ظل أخيه الأسطوري”.
وهنا تظهر أهمية الدعم المعنوي والتوجيه النفسي للاعبين الشباب. فقد سبق لدورتموند أن واجه تحدي نفس هذا النوع من الضغوط مع لاعبين مثل مارتن جيريتس، وجادون سانشو، وإرلينج هالاند. ومن نجاحهم في تحويل الضغوط إلى دافع لتقديم الأفضل يستمد جوب مثالًا يحتذي به.
استراتيجية دورتموند مع المواهب الشابة
يعد نادي بوروسيا دورتموند من أنجح أندية أوروبا في التعامل مع المواهب الشابة، إذ تتبع الإدارة سياسة واضحة تستهدف ضم اللاعبين الواعدين وتطويرهم ثم بيعهم بأرباح كبيرة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
جادون سانشو: الذي انتقل لاحقًا من دورتموند إلى مانشستر يونايتد مقابل 85 مليون جنيه إسترليني.
إرلينج هالاند: الذي تألق لفترة قصيرة ثم انضمّ إلى مانشستر سيتي مقابل 60 مليون يورو.
أولي فينبوغاسون: لاعب الوسط النرويجي الذي تطور بشكل لافت بعدها انتقل.
وفي هذا الإطار، يعتبر جوب بيلينجهام بمثابة مخاطرة محسوبة؛ حيث يراهن دورتموند على امتلاك موهبة شابة يمكن أن تتوهّج داخل البوندسليغا، ثم يحقق النادي عائدًا مربحًا سواء استمر اللاعب طويلًا أو نقل إلى وجهة أخرى مستقبلاً.
سقف الطموحات: دوري أبطال أوروبا واستعادة المجد
يحدو دورتموند طموح لاستعادة أمجاده الأوروبية والمحلية بعد موسم لم يكن بالمستوى المتوقع. ومع انضمام جوب، يرتفع سقف الطموح لتجاوز دور المجموعات في دوري الأبطال، والسعي للمنافسة بقوة على لقب البوندسليغا أمام بايرن ميونيخ.
ومن المنتظر أن يساهم جوب جنبًا إلى جنب مع زملائه الشباب في إضفاء روح جديدة على الفريق، تعيد توازن الخطوط وتعزز من احتمالات التفوق في المباريات الحاسمة. كما سيلعب دوره التكتيكي في تحمّل المسؤولية أمام الفرق التي تضغط بقوة في منتصف الملعب، خاصة في المباريات الكلاسيكية ضد شالكه وبايرن.
تحديات قد تعترض الطريق
رغم التفاؤل الكبير، يواجه جوب عدة تحديات محتملة:
1. التكيف الثقافي واللغوي: الانتقال من إنجلترا إلى ألمانيا ينطوي على اختلاف لغوي وثقافي يتطلب وقتًا للتأقلم.
2. وتيرة المباريات: البوندسليغا يتسم بوتيرة لعب عالية واعتماد على الضغط المستمر، ما يتطلب جهدًا بدنيًا إضافيًا.
3. التوقعات الجماهيرية والإعلامية: المراقبة الدائمة قد تؤثر على التركيز، وهذا ما جرت العادة أن يتعامل معه دورتموند عبر دعم خاص من طاقمه الفني والنفسي.
في الختام: رهان طويل الأمد أم دافع قصير الأجل؟
تُعتبر صفقة جوب بيلينجهام مع بوروسيا دورتموند نموذجًا متكاملاً على كيفية تداخل العوامل الفنية والتجارية وحتى العاطفية في سوق الانتقالات الكبرى. فبينما يرى البعض أن ارتفاع السعر كان “غير مبرر تقنيًا” وبفضل تأثير اسم العائلة، يراهن آخرون على أن جوب يمتلك القدرة الفعلية على التطور وتحقيق الأهداف المرجوة للنادي الأصفر والأسود.
المهم في النهاية أن تتجاوز قيمة اللاعب السوقية مبالغ التحويل، وأن يقدم جوب بيلينجهام أداءً يطمئن عشاق دورتموند ويؤكد أن الاستثمار فيه كان خطوة استثمارية ناجحة، سواء على المدى القصير للمشاركة الفعّالة أو على المدى البعيد لتحقيق العوائد الرياضية والمالية المرجوة. سوق الانتقالات لن يتوقف طويلاً عند هذا الحد، لكن سيكون لصفقة جوب بيلينجهام صدى طويل الأمد في أروقة البوندسليغا وأروقة كرة القدم الأوروبية بصفة عامة.
