عاد المدرب السويسري كريستيان جروس لتدريب الزمالك للمرة الثانية في مسيرته مع الفريق، وهذه المرة وسط العديد من التساؤلات والاعتراضات حول عمره الذي يبلغ 70 عامًا. يعد العمر من أبرز العوامل التي يتم التركيز عليها عند الحديث عن قدرة المدربين على الاستمرار في العمل، ولكن السؤال الأكثر أهمية هنا هو: هل العمر يعد فعلاً عائقًا أمام النجاح التدريبي؟ وهل بإمكان المدربين الذين يتقدمون في العمر مواكبة التحديات الحديثة في كرة القدم؟ سنكشف من خلال هذا التقرير كيف استطاع جروس، باستخدام أساليب تدريبية متطورة وخبرة طويلة، أن يتغلب على هذه الانتقادات ويحقق النجاح، وهو ما يعكس أهمية الرؤية الفنية في التدريب أكثر من العمر الفعلي للمدرب.
السن ليس عائقًا إذا كانت الرؤية الفنية واضحة
في البداية، لننظر إلى كيفية اتخاذ الأندية لقرارات التعاقد مع مدربين ولاعبين، وهي عملية تنطوي على مقابلات ومناقشات مكثفة لا تقتصر فقط على الأمور التعاقدية، بل تشمل الرؤية المستقبلية و الاستراتيجية الفنية. الأندية لا تتعاقد مع مدرب بناءً على السيرة الذاتية أو العمر فقط، بل تهتم بما إذا كان المدرب يمتلك رؤية قادرة على تطوير الفريق وتحقيق الأهداف المستقبلية. ولهذا، قبل إبرام أي عقد، تُجرى العديد من المناقشات بين النادي والمدرب حول طريقة اللعب، التكتيك، المشروع المستقبلي وكيفية تطوير الفريق.
قد يتذكر الجميع قصة المدرب الإيطالي أنطونيو كونتي الذي رحل عن يوفنتوس بسبب عدم التوافق بينه وبين إدارة النادي بشأن الانتقالات والمشاريع المستقبلية، وهو مثال على كيفية حدوث انفصال بين رؤية المدرب والإدارة. إذاً، التعاون والتوافق بين المدرب والإدارة هما العاملان الحاسمان، وليس فقط العمر أو القدرة الجسدية.
فيرجسون: المثال الأبرز على النجاح رغم تقدم السن
لنأخذ مثالًا آخر من عالم التدريب، وهو سير أليكس فيرجسون، أحد أعظم مدربي كرة القدم في تاريخ اللعبة. على الرغم من تقدمه في العمر، استطاع فيرجسون تحقيق نجاحات هائلة مع مانشستر يونايتد، بل واصل مسيرته حتى سن متقدمة في التدريب. في حديثه عن فترته التدريبية، ذكر ريو فرديناند، مدافع مانشستر يونايتد السابق، في بودكاست خاص به: “فيرجسون كان يتواجد في التدريبات لمراقبة الفريق عن كثب، لكنه لم يتدخل بشكل مفرط في التفاصيل الفنية”. هذا يشير إلى أن فيرجسون لم يكن يتطلب تدخلًا مستمرًا في الحصص التدريبية، بل كان يفضل المراقبة عن كثب من أجل اتخاذ قرارات استراتيجية أفضل، واكتشاف الأخطاء من بعيد، وهو ما يمكنه من توجيه الفريق بشكل صحيح دون الحاجة للوجود الدائم في التدريبات اليومية.
وكان مايك فيلان، مساعد فيرجسون، هو من كان يدير التدريبات اليومية بشكل فعّال، بينما كان فيرجسون يركز على اتخاذ القرارات الاستراتيجية العليا، وهو ما يعكس أهمية تكامل الطاقم الفني في نجاح الفريق. وهذا يبين أن الخبرة والقدرة على القيادة أهم من مجرد التدخل المستمر في التدريبات اليومية.
جروس: القائد الذي يعرف متى يتدخل ومتى يراقب
هذا النموذج يمكن أن يكون مشابهًا لمدرب الزمالك كريستيان جروس الذي عاد إلى الفريق للمرة الثانية بعد أن حقق نجاحًا كبيرًا في ولايته الأولى. جروس، الذي يبلغ من العمر 70 عامًا، قد يواجه بعض الانتقادات بشأن تقدمه في السن، لكن مما لا شك فيه أنه يمتلك خبرة طويلة وفهمًا عميقًا للعبة. جروس يدرك تمامًا أن إدارة الفريق ليست مقتصرة فقط على التدريب اليومي، بل تتطلب رؤية استراتيجية طويلة المدى و تخطيط دقيق للمستقبل. وهذا ما جعله قادرًا على التعامل مع الفريق بمرونة، بحيث يترك مساحات للطاقم الفني للمساهمة في التدريبات اليومية، بينما يتخذ هو القرارات الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية.
في ولايته الأولى مع الزمالك، اعتمد جروس على أسلوب لعب هجومي جدًا باستخدام تشكيل 4-1-4-1، لكنه اكتشف سريعًا أن الفريق بحاجة إلى توازن أكبر بين الهجوم و الدفاع، لذلك قام بتعديل طريقة اللعب وضم فرجاني ساسي للقيام بدور هجومي أكبر، وهو التغيير الذي جعل الفريق أكثر توازنًا في بناء الهجمات.
جروس يغير استراتيجيته بعد الهزيمة الثقيلة: الدروس المستفادة
كانت مباراة جور ماهيا في الكونفدرالية هي نقطة التحول في ولاية جروس الأولى مع الزمالك. الفريق دخل المباراة بنهج هجومي كما هو معتاد، لكن بعد الهزيمة الثقيلة بأربعة أهداف مقابل هدفين، قرر جروس إعادة تقييم استراتيجيته، خاصة فيما يتعلق بالجانب الدفاعي. هذا التغيير الكبير في الاستراتيجية جعل الزمالك بعد تلك المباراة يحصل على 11 مباراة متتالية بدون هزيمة، ليحقق في النهاية بطولة الكونفدرالية.
هذه المرونة في تغيير الأفكار والتكتيك هي ما يميز جروس عن المدربين الذين يتمسكوا بأنماطهم القديمة. هو ليس مدربًا يقف عند سنه أو عند طريقة واحدة في التدريب، بل يمتلك قدرة على التكيف والتطور بناءً على متطلبات المرحلة. وهذه المرونة هي ما يساعده في التعامل مع مختلف المواقف والتحديات التي قد تواجهه مع الفريق.
تحديات جروس بعد الزمالك: تجارب مهنية مريرة لكن دائمة التطور
بعد مغادرته الزمالك، تولى جروس تدريب أهلي جدة في ولاية ثالثة، لكن المناخ كان غير مناسب تمامًا للنجاح. ورغم أن الفريق كان في المركز الثالث في الدوري، إلا أن جروس تلقى تهديدات بالإقالة من إدارة النادي بسبب تراجع الأداء. في وقت لاحق، تولى تدريب شالكة الألماني في موقف صعب جدًا، حيث كان الفريق يتذيل ترتيب الدوري الألماني، وواجه مهمة مستحيلة في إنقاذ الفريق، ولكنه لم يفلح في تحسين الأداء بشكل كبير، ليحصل على تجربة تدريبية صعبة.
ومع ذلك، ظل جروس يتطور ويبحث عن فرص جديدة، مما يعكس عزيمته و إصراره على النجاح، وهو ما يجعله مرشحًا قويًا للنجاح في ولايته الثانية مع الزمالك إذا ما تم توفير الدعم الفني والإداري المناسب له.
خلاصة القول: جروس قادر على تحقيق النجاح رغم التحديات
ختامًا، يظهر أن كريستيان جروس يمتلك الكثير من الأدوات التي تجعله قادرًا على تحقيق النجاح، رغم التحديات التي قد يواجهها بسبب عمره المتقدم. يتفوق جروس في كونه قائدًا حكيمًا يعتمد على مساعديه و طاقمه الفني لإدارة التدريبات اليومية، بينما يركز هو على التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى. هذه المرونة و القدرة على التكيف هي ما تجعله أحد المدربين القادرين على قيادة الزمالك نحو المزيد من النجاحات، بالرغم من التحديات التي قد يواجهها في المستقبل.