ليلة أوروبية لا تخضع للمنطق
عندما تواجه ريال مدريد ومانشستر سيتي في قمة دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا، كانت التوقعات تميل إلى سيناريو متوقع، حيث اعتقد الكثيرون أن الملكي سيستغل تراجع مستوى السيتيزنز مؤخرًا لتحقيق فوز سهل، خاصة مع الهزائم الثقيلة التي تعرض لها الفريق الإنجليزي في الأسابيع الماضية.
لكن كرة القدم، وخاصة في ليالي دوري الأبطال، لا تعترف بالمنطق البسيط. توقعات البعض بأن الريال سيكتسح الفريق الإنجليزي مثلما فعل آرسنال وتوتنهام وسبورتينج لشبونة لم تكن دقيقة، لأن السيتي، رغم مشاكله، يبقى فريقًا قويًا يعرف كيف يقاتل في مثل هذه المناسبات. ومع ذلك، لم يخرج مانشستر سيتي سالمًا من معركة ملعب الاتحاد، بل تعرض لخسارة موجعة 3-2، جعلت ريال مدريد يضع قدمًا في الدور التالي.
ريال مدريد وسيتي.. مباراة تتحدى التوقعات
دخل ريال مدريد المواجهة بحذر ولكن بثقة، حيث بدأ اللقاء بفرص خطيرة كاد أن يترجمها إلى أهداف لولا تألق الحارس البرازيلي إيدرسون، الذي تصدى لانفراد خطير من كيليان مبابي ثم فرصة أخرى أهدرها فيرلان ميندي بطريقة غريبة. كانت المؤشرات واضحة أن هدف الريال قادم لا محالة، لكن المفاجأة جاءت من الجانب الآخر، عندما استغل إرلينج هالاند كرة ساقطة داخل المنطقة، وأسكنها الشباك ليمنح مانشستر سيتي التقدم عكس مجريات اللعب.
لم يستسلم ريال مدريد، واستمر في الضغط حتى تمكن مبابي من تسجيل هدف التعادل، بطريقة مثيرة للجدل بعدما ارتطمت الكرة بركبته ودخلت المرمى عن طريق الصدفة. ومع تقدم المباراة، بدا أن الأمور تتجه نحو فوز السيتيزنز بعد أن سجل هالاند الهدف الثاني من ركلة جزاء. لكن كالعادة، لا يمكن أبداً اعتبار ريال مدريد خارج الحسابات، حيث نجح البديل براهيم دياز في تعديل النتيجة في الدقائق الأخيرة، قبل أن يقتنص جود بيلينجهام هدف الفوز القاتل في الوقت بدل الضائع، ليحسم الملكي المواجهة لصالحه ويترك السيتي في وضع حرج قبل لقاء الإياب في سانتياغو برنابيو.
“الثلاثي القاتل”.. عندما تفقد أسلحة الهجوم فاعليتها

مع انضمام كيليان مبابي إلى ريال مدريد الصيف الماضي، توقع الجميع أن الملكي سيملك خط هجوم لا يمكن إيقافه بوجود الفرنسي بجانب فينيسيوس جونيور ورودريغو. لكن على أرض الواقع، لم ينجح هذا الثلاثي في تقديم الأداء المتوقع منهم في الكثير من المباريات، حيث ظهروا بمستوى متذبذب، وكانوا بعيدين عن فعاليتهم الهجومية.
في لقاء مانشستر سيتي، كان يمكن لريال مدريد تسجيل عدد أكبر من الأهداف لو استغل لاعبوه الفرص التي سنحت لهم. مبابي وفينيسيوس كانا بعيدين عن التركيز، وأضاعا فرصًا سهلة، حتى أن هدف مبابي الوحيد جاء نتيجة ارتطام الكرة بجسده وليس عبر تسديدة مقصودة. هذه الرعونة كادت أن تكلف الفريق كثيرًا، خاصة أن السيتي لم يكن في أفضل حالاته الدفاعية وترك مساحات كان يمكن استغلالها بشكل أفضل.
كابوس لداني سيبايوس.. من التألق إلى السقوط في لحظة!
منذ رحيل توني كروس، وجد ريال مدريد نفسه في أزمة وسط، خاصة مع الإصابات المتكررة لإدواردو كامافينجا وتراجع مستوى أوريليان تشواميني. في ظل هذه الظروف، اضطر كارلو أنشيلوتي للبحث عن حلول بديلة، وكان داني سيبايوس أحد الأسماء التي حصلت على فرصة لإثبات نفسه في المباريات الأخيرة.
وبالفعل، قدم سيبايوس مباراة رائعة أمام مانشستر سيتي، حيث وصلت دقة تمريراته إلى 96%، ونجح في خلق فرص خطيرة، إلى جانب مساهماته الدفاعية الجيدة. لكن لسوء حظه، جاءت لحظة كارثية عندما تسبب في ركلة جزاء غير ضرورية، بعد تدخله المتهور على فيل فودين، ليمنح السيتي هدف التقدم الثاني.
ما حدث كان بمثابة ضربة موجعة لسيبايوس، حيث اضطر أنشيلوتي إلى سحبه بعد هذا الخطأ، ليجد اللاعب نفسه يتحول من بطل محتمل إلى أحد الأسباب التي كادت تكلف الفريق الهزيمة. هذه المباراة ربما أكدت أن سيبايوس يظل لاعبًا جيدًا، لكنه ليس البديل المثالي لكروس.
مانشستر سيتي يعاني.. ولكن ما هو السبب الحقيقي؟

في السنوات الأخيرة، كان مانشستر سيتي دائمًا الفريق الأكثر استقرارًا تحت قيادة بيب جوارديولا، لكن هذه النسخة من السيتيزنز تبدو بعيدة عن مستواها المعتاد. رغم امتلاك الفريق لأسماء قوية مثل كيفين دي بروينه وبرناردو سيلفا وجوشكو جفارديول، إلا أن الأداء الجماعي لم يكن على المستوى المطلوب في مواجهة ريال مدريد.
روبن دياش، الذي كان يُصنف من بين أفضل المدافعين في العالم، قدم واحدة من أسوأ مبارياته، ونفس الأمر ينطبق على دي بروينه وسيلفا، اللذين لم يظهرا بمستواهما الحقيقي. حتى خط الهجوم، رغم تسجيله لهدفين، لم يكن بالخطورة المتوقعة، حيث تم تحييد هالاند في العديد من اللحظات، ولم يحصل على الإمداد الكافي من زملائه.
المشكلة الأبرز أن مانشستر سيتي يبدو وكأنه يفتقد الحافز، وهو أمر غريب لفريق حقق ثلاثية تاريخية في الموسم الماضي. هل هو إرهاق بدني؟ أم تراجع في الدوافع الذهنية؟ لا أحد يملك إجابة واضحة، لكن ما هو مؤكد أن الفريق بحاجة لإعادة ترتيب أوراقه قبل مواجهة الإياب، وإلا سيجد نفسه خارج البطولة.
“احذروا من ريال مدريد”.. دروس قاسية للسيتي قبل الإياب
قبل المباراة، قامت جماهير مانشستر سيتي برفع “تيفو” مستفز حمل صورة رودري وهو يقبل الكرة الذهبية، في إشارة ساخرة إلى فينيسيوس جونيور الذي كان أحد المرشحين للجائزة. كما تكرر الأمر في الممر المؤدي لغرفة ملابس ريال مدريد، حيث ظهر رودري أمام فينيسيوس في لقطة مشابهة.
لكن كما قال إرلينج هالاند ذات مرة: “ابقوا متواضعين”، وهي نصيحة كان يجب على مانشستر سيتي أن يتذكرها قبل مواجهة العملاق الإسباني. الاستفزازات قبل المباراة لم تكن فكرة موفقة، لأن ريال مدريد أثبت مرة أخرى أنه الفريق الذي لا يجب العبث معه في دوري الأبطال.
الآن، أصبحت مهمة مانشستر سيتي أصعب بكثير، فالفريق لم يخسر فقط النتيجة، بل خسر أيضًا عامل الثقة. الإياب في سانتياغو برنابيو سيكون معركة أخرى، وربما يتعلم جوارديولا ورجاله الدرس: في دوري الأبطال، لا أحد يعبث مع كبير أوروبا.