في مؤتمرٍ صحفيٍ أشعل الأجواء بعد فوزه الثمين على الشباب (3-2)، وضع لوران بلان، المدرب الفرنسي لنادي الاتحاد، حدًّا للخلاف الذي نشب بينه وبين جماهير “النمور” قبل أشهر، بعد تصريحاته الشهيرة التي اعتبرت الإشادة بالغريم الهلالية إهانةً لتاريخ العميد. اليوم، لم يبدُ بلان في مزاج الدفاع عن نفسه، بل عاد ليؤكد سيطرة الاتحاد على القمة ويطوي صفحة الخلافات السابقة، مضيفًا لمسةً من التحدي أمام أبطال الدوري.
من “القسوة الغير مقصودة” إلى لحظة الصلح
في 21 سبتمبر 2024، تعرّض الاتحاد لهزيمةٍ قاسية أمام الهلال بثلاثية مقابل هدفٍ وحيد ضمن الجولة الرابعة من دوري روشن السعودي، وأقرّ بلان بعدها بأن “الزعيم هو أفضل فريقٍ سعوديٍ في الوقت الراهن، والفوز عليه صعبٌ للغاية”. ذلك الاعتراف، وإن قوبل بالصدق لدى بعض المحللين، ترك صدمةً عارمةً في نفوس جمهور العميد، الذي يرى أن الاتحاد لا يقل قامةً عن أي منافسٍ محليٍ ويستحق دعمًا أكبر.
مرّت أشهرٌ مضت على التصريح، وتحوّل الهجوم على المدرب إلى هتافاتٍ مستاءة في “الجوهرة المشعة”، حتى جاء يوم الثلاثاء 13 مايو 2025، واحتفل البلان مع لاعبيه باللقب الثاني تواليًا عبر فوزٍ قاتلٍ على الشباب بثلاثة أهدافٍ مقابل هدفين في الجولة الـ33. فرفع الاتحاد رصيده إلى 80 نقطة، مبتعدًا بفارق 9 نقاطٍ عن الهلال (71 نقطة)، وأغلق الباب أمام أي منافسٍ على الصدارة قبل جولةٍ كاملة من النهاية.
تصريحاتٌ تخفف من وطأة الجدل
جلس بلان أمام الصحافة بعد صافرة النهاية، مدركًا أن التصريحات الأخيرة ستكون رصيدًا إضافيًا لمودته مع الجماهير. وقال بحزمٍ واضحٍ:
“لا يهمني صافرات الاستهجان أو التصفيق في المدرجات، ما يهمني هو تحقيق الانتصارات. حينما قلت في بداية الموسم إن الهلال كان في مستوى أفضل منا، غضب جمهور الاتحاد، وهذا حقهم، لكن الآن أصبحنا الأفضل، ونتائجنا تؤكد ذلك.”
وجاءت كلمات بلان كقاطعٍ لفتنة الشكوك التي رافقته منذ هزيمة سبتمبر، ليرسل رسالةً مفادها أن ولاءه الأول والأخير للنمور، وأن تقييمه للأندية كان مبنيًا على لحظاتٍ تلك المرحلة وليس على تقديرٍ دائمٍ لقيمة اللاعبين التاريخية أو الإمكانات الفنية.
تطلعاتٌ نحو نهائي الكأس
لم يكتفِ بلان بعرض الصلح والدفاع عن نفسه، بل توجه بتحفيزٍ إضافيٍ للاعبين قال فيه:
“ثقتي كاملةٌ في هذا الفريق، ولكي نستعد بشكلٍ مثاليٍ لنهائي كأس خادم الحرمين الشريفين، يجب أن نفوز في الجولتين المتبقيتين من الدوري. أي استهتارٍ قد يقودنا للخسارة قبل المباراة الأهم.”
وبهذا المنطق، وضع الفرنسي أجندةً واضحةً أمام لاعبيه: أولاً حصد الثلاث نقاط أمام ضمك يوم 26 مايو، ثم حسم انتصاره الأخير في الدوري قبل التفرغ تمامًا للتحضير للمواجهة التي ستجمعه بالقادسية في 31 مايو على لقب الكأس.
ملامح مستقبلية لمدافعٍ عاد للتكتل
وعن المدافع أحمد شراحيلي الذي عاد من غيابٍ طويلٍ بسبب الإصابة، أجاب بلان:
“شراحيلي جاهز بدنيًا، لكنه يحتاج لزمنٍ لاستعادة حساسية المباريات. لن أشركه إلا حين يعزز حضوره في التدريبات ويثبت قدرته على الانخراط في خطة الدفاع الجماعي.”
هذه الكلمات عززت شعور الجماهير بأن المدرب الفرنسي يضع خطةً متدرجةً لاستعادة الأضلاع الدفاعية الأساسية التي افتقدت ثباتها في عدة مواجهاتٍ هذا الموسم.
كيف قرّب بلان وجهتيه وختم الخلاف؟
بعيدًا عن التفاصيل التكتيكية، نجح لوران بلان في إعادة بناء جسر الثقة مع الأنصار من خلال اعترافٍ ضمنيٍ بأخطائه، ثم إعلان السيطرة على المنافسة المحلية ببياناتٍ واقعيةٍ مبنية على جدول الترتيب وأرقام الانتصارات. وقد رأى محللون أن مزجه بين الصراحة والصلح جعل من تصريحاته اليوم أكثر تأثيرًا وأبعدها عن أخطاء اللغة الدبلوماسية التي قد تُعتبر مجاملةً هجينةً لأي فريقٍ آخر.
ولعل أهم ما يستحق الذكر هو سياق التوقيت؛ إذ وقع الصلح بعد التتويج بلقب الدوري قبيلتين من النهاية، مما يمنح بلان مساحةً إضافية لتحقيق مزيدٍ من الأرقام القياسية وتقويم مسار الفريق قبل خوض النهائي المنتظر. ومع أول مواجهةٍ أمام ضمك، سيبدأ المدرب اختبارًا حقيقيًا لمدى تجاوب لاعبيه مع توجهاته الجديدة في الضغط العالي وتنويع خيارات الهجوم وسط تألق صانع الألعاب رومارينيو والجناح الشاب فابيو مارتينيز.
ختامٌ متفائلٌ قبل المغامرة الكبرى
بات الاتحاد، تحت قيادة لوران بلان، يستعد لنهائي كأس خادم الحرمين الشريفين بمعنوياتٍ مرتفعةٍ وسمعةٍ محسنةٍ كان لها النصيب الأكبر ممّا رحّب به المدرب الفرنسي في مؤتمره. وما بين تصالحٍ علنيٍ مع الجماهير وتقليلٍ من شأن الهلال بنبرة تمرّدٍ صحّي، رسم بلان ملامح مرحلةٍ جديدةٍ من الهيمنة المحلية، آملًا أن تُكلل بالثنائية التي تُثبت أن سياسة “الشخصية أولاً” التي انتهجها كانت في محلها بدلاً من الاعتذار المفرط أو الهروب من المواجهة الإعلامية.
