زلزال من السخرية يضرب نواف العقيدي بعد هدف ترينيداد والصورة الذهنية تتشوه قبل مواجهة المكسيك الحاسمة
بين ليلة وضحاها، تحوّل نواف العقيدي، حارس مرمى نادي النصر والمنتخب السعودي، من موهبة واعدة يعلّق عليها الجمهور آمالًا كبيرة، إلى مادة دسمة للسخرية والنقد العنيف في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد الخطأ الفادح الذي ارتكبه خلال مواجهة منتخب ترينيداد وتوباغو، ضمن الجولة الثالثة من دور المجموعات في بطولة كأس كونكاكاف الذهبية 2025.
رغم أن المنتخب السعودي نجح في اقتناص نقطة ثمينة ضمنت له العبور إلى الدور ربع النهائي كثاني المجموعة الرابعة برصيد 4 نقاط، إلا أن الهدف الذي استقبله العقيدي من تسديدة بعيدة المدى دون أي رد فعل واضح، كان كافيًا لتشويه صورته تمامًا في أعين الجماهير، وفتح أبواب السخرية من إمكانياته، بل والمقارنة بهزائم وأخطاء الحراس السابقين الذين لم يتمكنوا من إثبات أنفسهم في مشوارهم الاحترافي.
العقيدي تحت نيران حمود القحطاني
الانتقادات بدأت عندما نشر الإعلامي الرياضي السعودي الشهير حمود القحطاني مقطع فيديو يظهر لقطة الهدف الذي هز شباك العقيدي، معلقًا عليه بعبارة مقتضبة لكنها موجعة:
> "يا إخوان.. العقيدي هذا أخذ أكبر من حجمه."
هذه الجملة أشعلت الجدل، ودفعت المتابعين لإعادة النظر في أداء العقيدي، ليس فقط في مباراة ترينيداد، بل منذ بداية البطولة، وحتى مع فريقه النصر في الموسم الأخير.
ورغم أن القحطاني معروف بميوله الهلالية، فإن حديثه لم يكن مجرد تلميح بل امتد إلى سخرية مباشرة من العقيدي حين قال:
> "العقيدي يذكرني بأيام السديري.. كنا نلعب به في نهائي آسيا والدوري وكأس الملك، يا لطيف!"

السديري يعود من الماضي.. وأوجه التشابه تتضاعف
الحديث هنا كان عن عبدالله السديري، الحارس الهلالي الأسبق، الذي خرج من حسابات الفريق منذ سنوات طويلة بعد سلسلة من الأخطاء القاتلة في مباريات مصيرية محلية وقارية.
السديري الذي بدأ مسيرته في أكاديمية الهلال وتدرج حتى وصل للفريق الأول عام 2011، تم تحميله مسؤولية خسارات مؤثرة خلال فترات ذهبية كان الهلال خلالها منافسًا شرسًا على البطولات. وبعد رحلة قصيرة مع الوحدة ثم الشباب، اختفى عن الأضواء، وأصبح اسمه يُتداول كلما أراد الجمهور أو الإعلام استحضار مثال للحراس الذين لم يكونوا على قدر الطموحات.
وبالمقارنة بين السديري والعقيدي، يرى الكثيرون أن نواف يسير على نفس الطريق، خاصة أن أخطاؤه بدأت تتكرر في مناسبات هامة، منها مع نادي النصر، ومنها في معسكرات المنتخب.
هدف ترينيداد.. شرارة الانفجار الجماهيري
الهدف الذي أحرزه منتخب ترينيداد في مرمى السعودية، لم يكن من تسديدة خرافية أو مجهود فردي مميز، بل من كرة متوسطة السرعة انطلقت من خارج منطقة الجزاء، وسكنت الشباك دون أن يتحرك العقيدي خطوة واحدة نحوها، وكأنها مرت في مشهد سينمائي بطيء.
رد الفعل هذا أثار غضب الجماهير السعودية على منصات التواصل الاجتماعي، التي اعتبرت أن العقيدي فشل في تقديم صورة الحارس الأول للمنتخب، رغم الدعم الكبير الذي حظي به في الفترة الأخيرة، وكونه أحد أبرز مواهب جيله.
وبينما دافع البعض عنه بكون الخطأ فرديًا ويمكن تجاوزه، هاجمه آخرون بشدة، مشيرين إلى أنه لا يمتلك مقومات القيادة الدفاعية ولا رد الفعل المناسب على مستوى النخبة، في حين شكك البعض في سبب اعتماده كخيار أول للمنتخب السعودي في البطولة.
التأهل إلى ربع النهائي لا يُخفي العيوب
رغم تعادل السعودية بنتيجة 1-1، إلا أن هذا التعادل كان كافيًا لبلوغ دور الثمانية كوصيف للمجموعة خلف منتخب بنما، ليضرب الأخضر موعدًا ناريًا مع المكسيك في واحدة من أقوى مباريات الدور ربع النهائي.
لكن الأوساط الرياضية لا تزال تحت تأثير المشهد الذي سُجل ضد العقيدي، والذي بات حديث الصحف والبرامج الرياضية، خاصة مع اقتراب مواجهة المكسيك التي لا تحتمل أي أخطاء فادحة أو سوء تمركز من الحارس أو الدفاع.
المنتخب المكسيكي معروف بسرعته الهجومية وقدرته على استغلال أنصاف الفرص، وإذا لم يكن العقيدي في أفضل حالاته، فإن شباك الأخضر قد تهتز بأكثر من مرة، وهو ما يُنذر بإقصاء محبط مبكر.
هل أخطأ الجهاز الفني في الاعتماد على العقيدي؟
يبقى السؤال المُلح الذي تردده الجماهير والمحللون على حد سواء: هل كان من الصواب الاعتماد على نواف العقيدي كحارس أول في بطولة بحجم الكأس الذهبية؟
المنتخب السعودي يمتلك خيارات أخرى، من بينها الحارس الشاب أحمد الكسار، الذي قدم مستويات جيدة في الموسم الماضي، إلى جانب أسماء مخضرمة كان يمكن الاستعانة بها على الأقل في مباريات مصيرية أو عندما يظهر تراجع في الأداء.
لكن الجهاز الفني بقيادة المدرب خورخي خيسوس، كان يراهن على الاستقرار الفني ومنح العقيدي الثقة والفرصة الكاملة لتثبيت نفسه. إلا أن هذا الرهان بدأ يتكسر تحت ضغط الجماهير، ما يضع الجهاز الفني أمام تحدٍ كبير في المرحلة القادمة.

ماذا ينتظر العقيدي أمام المكسيك؟
لا شك أن مباراة المكسيك المقبلة ستكون بمثابة اختبار أخير وحاسم لنواف العقيدي. فالخروج بأداء سلبي جديد قد يُنهي مستقبله الدولي بشكل مؤقت، وقد يدفع إدارة النصر كذلك إلى إعادة النظر في مركز الحراسة، خاصة مع طموحات العالمي في الموسم الجديد من دوري روشن ودوري أبطال آسيا.
وفي حال نجح العقيدي في تقديم أداء استثنائي، فقد يرد على كل الانتقادات ويُثبت أن اللقطة التي سُجلت ضده كانت استثناءً، لا قاعدة.
الإعلام الرياضي منقسم والنقد يتجاوز المعقول
اللافت أن الانقسام في الإعلام الرياضي السعودي لم يكن فقط حول الأداء، بل حول أسلوب النقد. فبينما رأى البعض أن تصريحات حمود القحطاني تعكس واقعًا يجب الاعتراف به، ذهب آخرون إلى أن المقارنة الساخرة مع السديري غير مقبولة، وتحمل طابعًا شخصيًا أكثر من كونها تحليلًا فنيًا.
ويرى بعض النقاد أن العقيدي لا يزال صغير السن نسبيًا على مركز الحراسة الدولية، وأن توجيه النقد بهذه الطريقة قد يُضعف من ثقته بنفسه، في وقتٍ يحتاج فيه اللاعبون الشباب إلى بناء الثقة وليس تحطيمها.
ما بعد البطولة.. إعادة تقييم شاملة
بغض النظر عن نتيجة مباراة السعودية والمكسيك، فإن مسألة تقييم مركز حراسة المرمى في المنتخب الوطني ستكون ضرورية، خصوصًا أن الفريق مقبل على مشاركات كبرى مثل تصفيات كأس العالم 2026 ونهائيات كأس آسيا.
الاعتماد على الأسماء الحالية يجب أن يكون مشروطًا بالمستوى الفني، لا بالشهرة أو التوقعات المستقبلية، كما أن المرحلة المقبلة قد تشهد صعود أسماء جديدة من دوري روشن تستحق فرصة تمثيل المنتخب.
خلاصة المشهد.. كرة القدم لا ترحم
ما حدث مع نواف العقيدي هو صورة مصغرة من عالم كرة القدم، حيث يمكن للمدح أن يتحول إلى سخرية في لقطة، ويمكن للنجومية أن تتلاشى بسبب هدفٍ لم يُتصَد له.
ورغم كل الضغوط والانتقادات، فإن الفرصة لا تزال قائمة أمام العقيدي لإعادة كتابة قصته، فالموهبة موجودة، والتجربة الحالية رغم قسوتها، قد تكون نقطة التحول لصناعة حارس أكثر نضجًا وثباتًا تحت الضغط.