حماية حكام كرة القدم تصبح لعبة قانونية من نار في إيطاليا

حماية حكام كرة القدم تصبح لعبة قانونية من نار في إيطاليا

شهدت الساحة الكروية الإيطالية تطوراً استثنائياً يعكس رغبة الحكومة في وضع حد للعنف المتصاعد تجاه حكام المباريات حيث قامت السلطات بتعديل قانون العقوبات لمنح هؤلاء المسؤولين حماية قضائية معادلة لتلك الممنوحة لعناصر الشرطة والموظفين العموميين الأمر الذي يفتح الباب أمام فرض عقوبات سجن صارمة على المعتدين في خطوة استثنائية تهدف لخفض منسوب التجاوزات داخل الملاعب

معاناة الحكام من الاعتداءات كانت قد تصاعدت خلال الموسم الحالي في إيطاليا على نحو لافت وفق ما أكده اتحاد الحكام الإيطالي الذي سجّل ارتفاعاً ملموساً في عدد الشكاوى المرفوعة ضد جماهير وعدد من اللاعبين والإداريين بعد حالات دفع واعتداء لفظي وجسدي بمختلف أرجاء الملاعب مما أثر سلباً على أداء بعض الطواقم التحكيمية وأجبر آخرين على الانسحاب من مهامهم خوفاً على سلامتهم البدنية والنفسية

جاء التعديل القانوني إثر محادثات جرت بين ممثلي وزارة العدل والاتحاد الإيطالي لحكام كرة القدم منذ ديسمبر الماضي وشملت طرح مقترحات لحماية أفضل لمسؤولي المباريات وفرض عقوبات أكثر رادعاً على المسيئين وفي 20 يونيو الفائت أقرّت الحكومة تعديل المادة المتعلقة بالعنف ضد موظفي القطاع العام لتشمل حكام كرة القدم بشكل صريح مما يجعل الاعتداء المباشر أو التهديد بالسجن مدة قد تصل إلى سنة أو أكثر وفق شدة الفعل وخلفيته

وأوضح أندريا أوستيلاري وزير العدل المساعد في تصريح لبي بي سي سبورت أن الرياضة تمثل قيمة الولاء والتعاون بين مختلف أطرافها وحذر كل من تسول له نفسه المساس بأمن الحكام قائلاً إن القانون الجديد سيطبق دون هوادة وسيحوّل أي محاولة للاعتداء إلى ملف جنائي يُحال للنيابة العامة بهدف محاسبة المتورطين بعقوبات قد تتراوح بين الغرامة المالية والسجن المعتقل

يرى محللون رياضيون أن تعديل القانون يشكل رسالة قوية للجماهير واللاعبين على حد سواء بأن تجاوز القواعد الأخلاقية والسلوكية تجاه الحكام لم يعد مقبولاً ولن يُمرر بعد اليوم دون توقيع عقوبات رادعة تكون مثالاً لكل من تسول له نفسه اللجوء إلى العنف اللفظي أو الجسدي في الملاعب الإيطالية سواء خلال مباريات الدوري أو الكأس أو أي بطولة قارية تستضيفها إيطاليا

وقد رحّب العديد من الحكام بقرار الحكومة معتبرين أنه جاء في توقيت مناسب لعكس حالة الخوف التي أصابت بعضهم في مواجهة الهتافات وعبارات السب وقد بلغ الأمر ذروته بعد مباراة في “سيري أ” شهدت اعتداءً من جماهير على حكم مساعد خارج أرض الملعب مما استدعى نقل الطاقم التحكيمي إلى مكان آمن تحت حماية الشرطة بعد نهاية اللقاء لتجنب أي مواجهة محتملة

من ناحية أخرى ربط مراقبون بين القانون الإيطالي وتطورات عالمية مشابهة إذ سبق لبعض اتحادات دولية أن بحثت في فرض عقوبات صارمة على المعتدين على حكام المباريات لكن ما يميز القرار الإيطالي هو شمولية النص القانوني ووضوح بنوده حيث نصّ التعديل على معاقبة من يدفع أو يصفع أو يهدد الحكام في أثناء أداء مهامهم أو حتى خارجها إذا ثبت ارتباطه بسياق تحكيمي مع عقوبة تبدأ بالحبس لمدة ثلاثة أشهر وقد تمتد إلى سنتين في حال تكرار المخالفة أو إذا ارتبط الاعتداء بإصابة بدنية

ويخضع المخالفون الآن لإجراءات تحقيق سريعة تتضمن استدعاء الشرطة القضائية لاستجوابهم وتوثيق الأدلة المرئية والمسموعة من كاميرات الملاعب أو تسجيلات الهاتف المحمول أو شهادات الشهود مما يضمن تحويل القضية إلى المحاكمة خلال فترة وجيزة بعيداً عن تأخيرات الإجراءات المدنية التقليدية التي كانت أحياناً تضعف من جدية الردع

من جهته أعرب كارلو بيتروشي رئيس الاتحاد الإيطالي لحكام كرة القدم عن أمله في أن يسهم التعديل في تخفيف حدة التجاوزات ويعيد للطواقم التحكيمية ثقتهم في أداء مهامهم دون قلق أو توتر مبالغ فيه وأضاف في بيان رسمي أن الاتحاد سيعمل بالتوازي مع الجهات الأمنية على إطلاق حملات توعوية ضمن مدارس الأندية وجماعات المشجعين لتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل ومواجهة خطاب الكراهية والتحريض الذي انتشر في الآونة الأخيرة عبر شبكات التواصل

ولا يقتصر تأثير التعديل القانوني على الملاعب الإيطالية فقط إذ من المتوقع أن يستفيد منه الحكام المشاركون في البطولات الأوروبية التي يستضيفها إيطاليا مثل يورو للأندية ودوري أبطال أوروبا عندما تقام مباريات على الأراضي الإيطالية الأمر الذي يعزز صورة البلاد كبيئة آمنة لممارسة كرة القدم ضمن أعلى معايير العدالة والسلامة المهنية

ختاماً تشكل الخطوة الإيطالية تجاه حماية الحكام من الاعتداءات نموذجاً يحتذى للعديد من الدول التي تعاني هي الأخرى من ظاهرة العنف الرياضي إذ تؤكد هذه الخطوة على أن كرة القدم ليست مجرد منافسات على الأرض بل هي أيضاً صورة للقيم المجتمعية التي يتعين صونها وحمايتها عبر تطبيق القوانين الصارمة وتعزيز ثقافة الاحترام بين مختلف منسوبي اللعبة من لاعبين وإداريين وحكام وجماهير على حد سواء.