لم يكن متخيّلًا أن تنقلب موازين الصراع التقليدي بين عمالقة كرة القدم الهولندية في الجولة الأخيرة من الدوري إلى هذا الشكل الدرامي المليء بالتحولات المفاجئة. ففي سيناريو أشبه بحكايات الأطفال، خطت “السلحفاة” بي إس آيندهوفن خطوات ثابتة ومدروسة حتى حطّمت حلم “الأرنب” أياكس بإحكام قبضتها على لقب دوري روشن موسم 2024–2025، محققة ريمونتادا أسطورية حاصدة الدرع للمرة الثانية على التوالي، والـ26 في تاريخها الزاخر بالأمجاد.
لمحة عن اللحظات الحاسمة
في الجولة 34 والأخيرة، اقتنص آيندهوفن فوزًا ثمينًا من مضيفه سبارتا روتردام بنتيجة (3–1)، بفضل أهداف سجلها إيفان بيرسيتش الذي افتتح التسجيل برأسية ماهرة، ثم أضاف لوك دي يونج الهدف الثاني بتسديدة متقنة، واكتفى مالك تيلمان بختم السداسية التاريخية بهدفٍ ثالث. في الوقت ذاته، كان أياكس – حامل اللقب في أغلب السنوات الأخيرة – يتابع المباريات مترقبًا تعثر منافسه فقط ليغتنم هو الآخر فرصة الفوز على تفينتي وإنقاذ الموسم، إلا أن الثنائي جوردان هندرسون وفاوت فيخهورست لم ينجحا في تهدئة خيبة الأمل بعد الفوز (2–0)، فكان الصمت الثقيل الذي عمّ المدرجات علامةً على سقوط الملك.
الأرقام قبل الانقلاب
قبل انطلاق آخر خمس جولات، كان أياكس يتربع على القمة بفارق تسع نقاط كاملة أمام آيندهوفن، ما جعل تتويجه شبه محسوم في عيون النقاد والمحللين. ثم جاءت معركة الذهاب في الجولة 27 لتزيد الطين بلة على أصحاب القميص الأحمر والأبيض، حيث فرض الفريق الزائر آيندهوفن كلمته بلقاءٍ حسمه (2–0) خارج قواعده، فتساءل الجميع: هل بدأ الزحف البطئ فعلاً أم لا يزال “الأرنب” مسيطرًا؟
انعطافة غريبة في أداء أياكس

ما حدث فيما تبقى من جولات، يُعتبر أسوء انحدار تشهده نتائج أياكس في تاريخه الحديث. فقد اكتفى الفريق بتحقيق نقطتين فقط من أصل 12 ممكنة في أربع مواجهات متتالية: تعادل مخيب أمام سبارتا (1–1) وجرتين سلبيتين ضد جرونينجن، تبعتها خسارة غير متوقعة أمام فيليم أوتريخت، ليندحر حلم الحفاظ على اللقب في الأمتار الأخيرة.
مسيرة انتصارات آيندهوفن الثابتة
على النقيض تمامًا، دعا آيندهوفن شياطين العزيمة، فبعد الهزيمة في ملعب أياكس، واصل سلسلة انتصاراتٍ متصلة امتدت إلى سبع مباريات متتابعة حتى الجولة 34. هذه السلسلة لم تكن مجرد أرقامٍ على لوح النتائج، بل تجسيدًا لإيمان الجهاز الفني بقيادة بيتر بوش بروح لاعبيه، ووصولهم إلى ذروة التركيز في اللحظة التي كان “الأرنب” فيها غارقًا في إخفاقاته.
كيف يقرأ الخبراء هذه المعجزة؟
- محللو التكتيك: قالوا إن التغيير الخططي والدخول بأكثر من مهاجم في المباريات الحاسمة منح آيندهوفن مرونة عالية، بخلاف الجمود التكتيكي لأياكس الذي اعتمد كثيرًا على الثبات الدفاعي دون مخاطرة هجومية.
- إحصائيو الدوري: لاحظوا أن آيندهوفن سجّل 19 هدفًا في آخر 7 مباريات، فيما تلقى أياكس 8 أهداف في 4 جولاتٍ فقط، كاشفين عن انهيارٍ نفسي جمع بين فقدان الثقة وضغط المباريات المتلاحقة.
- جماهير ومسئولو الأندية: وصفوا ما حدث بأنه “أحد أكبر الانقلابات في تاريخ كرة القدم الأوروبية”، مرجعين النجاح إلى شخصية الفريق الشابة وقدرته على تحويل الضغوط إلى دافع للانتصار.
كواليس وراء الكواليس

انتشرت صور من معسكرات آيندهوفن قبل الأسابيع الأخيرة، تظهر لاعبين وهم يقيمون جلسات تحفيزية مع أعضاء الطاقم النفسي، ويخوضون تمارين ضغط مكثفة لمحاكاة الأجواء الحاسمة. بينما بدا أياكس – بحسب مصادر صحفية – مرتبكًا في اجتماعاته الفنية، بعد إصابات مفاجئة لمفتاحين أساسيين وهبوط خط الهجوم.
دلالات ما بعد التتويج
- النقاط المحورية: استثمار آيندهوفن في لاعبين محليين شباب مثل عُمر مروان وجونيور هارمان أحدث فارقًا حقيقيًا في العمق البدني للمنافسة.
- التحديات المقبلة: سيواجه آيندهوفن ضغوط الدفاع عن لقب الدوري وعبء المشاركة في دوري أبطال أوروبا، ما يتطلب تعزيزاتٍ ذكية وتعميق مخزون الخبرات.
- رسائل لأياكس: يجب على نادي راو زفارتشلند إعادة بناء ثقته الفنية، وربما النظر في تعاقدات جديدة لتعويض غياب عناصر الخبرة.
ختامًا..
أثبتت نهاية موسم 2024–2025 أن كرة القدم لا تعرف سقفًا للخيال، وأن السباق حتى الرمق الأخير قد يحمل في جعبته مفاجآت تغير التاريخ. ورغم ألقاب أياكس المتوالية، فإن أبطال إندهوفن رفعوا شعار “الإصرار البطيء” ليفوزوا بالسباق، مذكرين الجميع بأن السر في النهاية يكمن في ثبات العزيمة لا في سرعة الانطلاق.