تتجه أنظار عشاق كرة القدم الإسبانية إلى ملعب “لا كارتوخا” في إشبيلية، حيث يفترض أن يُقام نهائي كأس ملك إسبانيا غدًا بين الغريمين التقليديين ريال مدريد وبرشلونة. غير أن أجواء المباراة ارتبطت هذا العام بأزمة تحكيمية غير مسبوقة؛ إذ أعربت إدارة الميرنغي، برئاسة فلورنتينو بيريز، عن تفكيرها الجدي في الانسحاب من اللقاء احتجاجًا على التعليقات العلنية الصادرة عن طاقم التحكيم المكلف بإدارة الكلاسيكو.
بداية الأزمة ووجوه القضية
اشتعلت الأزمة بخروج بثّته قناة ريال مدريد الرسمية صباح الجمعة، تضمّن لقطات تحلل قرارات حكام مباريات الغريمين عبر موسم كامل، ورأى النادي الملكي في ذلك انتقادًا مباشرًا وغير مبرر لأسلوب إدارة الحكام. وجاء الرد بعد ساعاتٍ على لسان حكم الساحة أوسكار دي بورجوس بينجويتكسيا، الذي قال: “لقد اعتدنا على مشاهد هذه الفيديوهات التي لا تؤثر في مبادئنا؛ فهي مجرد تهكمٍ لا يردعنا”. فيما أضاف حكم “الفار” خيسوس غونزاليس فويرتيس: “نعاني أسابيع من حساباتٍ مجهولةٍ على مواقع التواصل توجه إهانات وتهديدات دون أي رقابة رسمية”.
رد ريال مدريد كان سريعًا وقويًا؛ فقد قرر النادي عدم الظهور في التدريب الرسمي المقرر للرباعاء، كما تخلى المدرب كارلو أنشيلوتي ولاعبوه عن الحضور إلى المؤتمر الصحفي قبل اللقاء، مؤكدين أن هذا الإجراء يأتي جزئيًا ردًّا على ما اعتبروه “تجاوزًا لحدود الاحتراف” من جانب لجنة الحكام.
مطالب بالتغيير… وتهديد بالانسحاب
بحسب ما نقلته صحيفة “إل موندو”، رفع النادي الملكي مذكرةً رسميةً إلى الاتحاد الإسباني عن استيائه من تصريحات الحكام، وطالب بتغيير طاقم التحكيم قبل انطلاق المباراة أو على أقل تقدير استبدال حكم الساحة وحكم تقنية الفيديو. وهدد النادي بامتناع الفريق عن الوصول إلى أرض الملعب إذا لم تُلبَّ هذه المطالب، ما سيؤدي تلقائيًا إلى منح اللقب إلى برشلونة بقرارٍ إداريٍّ، مع توقيع عقوباتٍ رياضيةٍ وماليةٍ على النادي الملكي وفقًا للوائح.
ردّ الاتحاد ولائحة الانضباط

من جانبه، أعلن الاتحاد الإسباني لكرة القدم أن “قرارات لجنة الحكام نهائية ولا ترغب في الخضوع لأي ضغط من الأندية”، مؤكدًا أن “الحكام الذي اختيروا لإدارة المباراة قد أتمّوا تدريباتهم ونجحوا في جميع الفحوصات الفنية والبدنية”. واستند الاتحاد إلى المادة 80 من لائحة الانضباط، التي تنص على معاملة الفريق الممتنع عن اللعب في مباراة خروجٍ من مسابقةٍ ما، باعتباره خاسرًا بنتيجة 3-0، وتحميله غرامة ماليةٍ تتراوح بين 3.006 و12.021 يورو، مع حظر مشاركته في نسخة البطولة المقبلة، إضافةً إلى إلزامه بتعويض الأطراف المتضررة من سفرٍ وإقامةٍ وحقوق بثٍّ تلفزيوني.
حسابات فنية وإعلامية منتشرة
تنبع احتجاجات الريال من خشية وقوع أخطاء تحكيمية حاسمة قد تؤثر على نتيجةٍ حاسمةٍ مثل نهائي الكأس، لاسيما بعد الجدل الذي رافق تقنية “الفار” في عدة مواجهاتٍ بين الغريمين. ويخشى جمهور الملكي من أن يتحول الحكم إما إلى هدفٍ لموجة الانتقادات مسبقًا أو إلى “كبش فداء” يُحمَّل مسؤولية أي جدل لاحق. وفي المقابل، يتخوّف برشلونة من أن يواجه نهائيًا ثانٍ دون شوطٍ تحضيري رسميٍّ في المؤتمر الصحفي، ما قد يؤثر سلبيًا على أجواء الاحتفال والترويج للحدث.
انعكاسات على المشهد الرياضي
تثير هذه الأزمة أسئلةٍ كبيرةً حول استقلالية التحكيم وحماية قضاياه من التأثيرات الإعلامية والأهداف الترويجية للأندية. وإذا ما وصل ريال مدريد إلى حد الانسحاب، فستكون هذه محطةً سلبيةً في تاريخ كرة القدم الإسبانية، تتجاوز مجرد نهائي الكأس نحو أزمةٍ قانونيةٍ ورياضيةٍ وإعلاميةٍ كبرى. ناهيك عن الأضرار التي ستلحق بشعارات الرعاة وشركات البث التلفزيوني التي باعت حقوق اللقاء قبل أشهرٍ طويلةٍ.
نظرة إلى المستقبل القريب

تتراوح السيناريوهات المنتظرة بين أن يستجيب الاتحاد لرغبة الريال بشكلٍ جزئيٍّ أو يرفضها قاطعًا، مع بقاء الخيار الأخير للنادي الملكي في الانسحاب أو خوض اللقاء على مضضٍ تحت طاقم التحكيم الموجود. وفي الحالتين، يبدو أن طرفي “الكلاسيكو” سيدخّلان المباراة بظلالٍ من الاحتقان لن تختفي بمجرد صافرة البداية، وربما يمتد تأثير هذا الخلاف إلى مواجهات الموسم المقبل وحتى إلى نقاشات حول إعادة النظر في اختيار الحكام وطريقة تأهيلهم.
في النهاية، تبقى كرة القدم هادفةً إلى توحيد الجماهير عبر المنافسة الشريفة، لكن نزاعًا مثل هذا يهدد بطمس الاحتفالية المرتقبة في إشبيلية، ويجعل نهائي كأس الملك عنوانًا لواحدةٍ من أكبر الاضطرابات الرياضية في العقد الأخير من تاريخ اللعبة المحلية.