شهدت الفترة الماضية من تاريخ نادي الهلال العديد من التطورات المثيرة والجدلية التي أسفرت عن تحولات كبيرة في صفوف الفريق، أبرزها ما حدث مع اللاعب أحمد شراحيلي. هذا اللاعب الذي بدأ مسيرته في الأكاديميات النجمية للهلال وتحول فيما بعد إلى أحد أعمدة الفريق، واجه سلسلة من المواقف التي تركت بصمة لا تُمحى على مسيرته الكروية. في حديث مطول أُجري عبر بودكاست “الأول”، كشف شراحيلي تفاصيل داخلية عن الفترة التي قضاها مع الهلال، وكيف أدت بعض القرارات الإدارية إلى تغيير مساره المهني، مما أثار الكثير من الجدل حول من المسؤول عن تلك التطورات.
بدايات مشوار شراحيلي وتحديات التصعيد
بدأ شراحيلي مسيرته الكروية في صفوف الفئات السنية بنادي الهلال، وهو النادي الذي يعتبر منبرًا لصقل المواهب الشبابية وتحويلها إلى نجوم عالميين. وفي يوليو 2014، تمت ترقيته للفريق الأول، حيث أصبح يُعتبر من اللاعبين الواعدين الذين يحملون مستقبل الفريق على عاتقهم. ومع ذلك، لم تسر الأمور كما كان متوقعًا؛ ففي صيف عام 2017، جاءت مرحلة الإعارة إلى نادي الفتح لمدة موسم واحد، وهو الأمر الذي فتح باب الانتقال لاحقًا إلى أندية أخرى. فقد قرر الهلال في نهاية المطاف التخلي عن اللاعب مجانًا في صيف 2019، ومن ثم بدأ رحلته مع نادي الشباب، لينتقل لاحقًا إلى الاتحاد في صيف 2022.
رغم أن مسيرة شراحيلي مع الهلال تخللتها بعض اللحظات المميزة، إلا أن الفترة التي قضاها مع الفريق كانت مليئة بالتحديات، خاصة بعد وقوع حادثة معينة أثرت بشكل كبير على علاقته مع الجمهور والإدارة على حد سواء.
حادثة الكلاسيكو وما تبعها من ردود فعل
في 30 أكتوبر 2015، شارك شراحيلي في الكلاسيكو المنتظر ضمن الجولة الخامسة من دوري عبداللطيف جميل السعودي للمحترفين. كانت هذه المباراة بمثابة اختبار حقيقي للاعب في مواجهة أكبر التحديات، خاصةً وأن الأجواء كانت مشحونة بالتوقعات العالية. خلال أول دقيقتين فقط من اللقاء، وقع حادث غير متوقع؛ إذ أحرز شراحيلي هدفًا بالخطأ في مرماه، وهو ما أسفر عن هزيمة الهلال بنتيجة 4-3 لصالح الاتحاد. تلك اللحظة كانت بمثابة نقطة تحول كبيرة في مسيرته، إذ تبعها موجة من الانتقادات اللاذعة من قبل جماهير النادي.
أوضح شراحيلي في حديثه أنه لم يكن متعودًا على التعرض لمثل هذه الضغوط، حيث انطلقت تعليقات الجمهور مباشرة، وكانت عبارة “أنت نكبة – ارحل عن الهلال” من بين العبارات التي سمعها خلال تلك اللحظات. وقد صرح بأنه لم يتردد في الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت حفاظًا على نفسه من المزيد من الانتقادات، ولكنه كان يدرك جيدًا أن تلك اللحظة كانت محورية في تحديد مساره المهني داخل النادي. وبالرغم من الألم الذي خلفه هذا الخطأ، أكد اللاعب أن تلك التجربة كانت درسًا قاسيًا جعله يتقوى ويثبت نفسه في مواجهات لاحقة، سواء في البطولات المحلية أو في المسابقات الآسيوية وكأس الملك.
التدخل الإداري وتأثيره على الأداء الفني

لم تكن مشكلة الهدف الخطأ هي الحد الوحيد للمشاكل التي واجهها شراحيلي مع الإدارة. ففي تفاصيل حديثه، أشار إلى أن الإدارة لم تكن تقف على جانب اللاعبين فقط بل كانت تتدخل بشكل مباشر في قرارات العمل الفني. من أبرز المواقف التي ذكروها أنه خلال فترة وجوده في الفريق، تم منعه من المشاركة في مباريات دوري أبطال آسيا بناءً على توجيهات الإدارة. وأوضح اللاعب أن المدرب جورجوس دونيس، الذي كان معروفًا بقدرته على إدارة الفريق بثقة، أخبره بأن الإدارة رفضت إشراكه في المباريات، وذلك بحجة صغر سنه وقلة خبرته في ذلك الوقت.
هذا التدخل الإداري المستمر أثر بشكل كبير على نفسية اللاعبين وأدى إلى شعورهم بعدم الثقة من قبل الإدارة، وهو ما انعكس سلبًا على الأداء العام للفريق. كما أكد شراحيلي أن مثل هذه الإجراءات كانت سائدة ليس فقط في الهلال بل في العديد من الأندية، إلا أن تأثيرها كان أشد وأوضح في النادي الأزرق. وفي الوقت الذي كان من المفترض أن تُمنح الثقة لللاعبين الشباب من أجل تطوير أدائهم، بدت التدخلات الإدارية وكأنها عقبة رئيسية تحول دون تحقيق الإمكانات الكاملة للفريق.
اتهامات حادة لفهد المفرج ودوافع الرحيل
الأحداث التي أدت إلى رحيل شراحيلي لم تكن مقتصرة على الجوانب الفنية والإدارية فحسب، بل شملت أيضًا خلافات شخصية مع بعض المسؤولين داخل النادي. ففي لحظة مفاجئة خلال حديثه، وجه شراحيلي اتهامات لفهد المفرج، المدير التنفيذي لكرة القدم في الهلال، ووجه له اللوم الكامل في كيفية التعامل مع وضعه داخل النادي. وذكر شراحيلي أنه كان من المفترض أن يتلقى اتصالاً رسميًا منه لشرح الأسباب الحقيقية وراء عدم إشراكه في مباريات معسكر الإعداد لموسم 2019-2020، لكنه لم يجد أي تواصل من جهته.
وأشار اللاعب إلى أنه علم بمستجدات انتقاله إلى نادي الشباب عن طريق أخيه، الذي كان ضمن كتيبة الهلال، مما جعله يشعر بخيبة أمل كبيرة. وأضاف أن هذا الأمر كان بمثابة ضربة قوية لتفاصيل الثقة والاحترام داخل النادي. وفي مقابلة أخرى، روى كيف أن المفاوضات بشأن انتقاله كانت تتخللها شروطًا غير مرضية، إذ طُلب منه التنازل عن مستحقاته المالية مثل مقدم العقد وراتب شهرين مقابل تسهيل عملية الرحيل، وهو ما رفضه بكل حزم.
هذه التصريحات أدت إلى موجة من النقاش والجدل بين جماهير الهلال، الذين بدأوا في المطالبة بضرورة إعادة النظر في مواقف الإدارة والتعامل مع اللاعبين بطريقة تحترم جهودهم ومسيرتهم المهنية.
وتأتي هذه الانتقادات في ظل سلسلة من النتائج السلبية التي شهدها الفريق مؤخرًا، والتي بدورها أدت إلى فقدان الهلال صدارة ترتيب دوري روشن لصالح منافسين أقوى.
دروس مستفادة من تجربة شراحيلي وتأثيرها على مناخ الفريق

تجربة شراحيلي مع الهلال تحمل بين طياتها العديد من الدروس والعبر التي ينبغي أن تُؤخذ بعين الاعتبار من قِبَل الإدارة والجهاز الفني على حد سواء. فقد أكد اللاعب في حديثه أن مثل هذه التجارب تُعد بمثابة اختبار حقيقي لصبر اللاعبين وإصرارهم على تجاوز الصعوبات، لكن في الوقت نفسه تُبرز أهمية وجود تواصل فعال وواضح بين الإدارة واللاعبين. فقد كان واضحًا أن عدم وضوح الخطط والتدخلات المتكررة في الشؤون الفنية أدت إلى خلق حالة من الإحباط وعدم الثقة داخل صفوف الفريق.
كما أن مسألة الالتزام بالتعهدات المالية والإدارية تعتبر من الركائز الأساسية في بناء علاقة متينة بين النادي واللاعبين. حيث أعرب شراحيلي عن استيائه العميق من تراجع بعض المسؤولين عن وعودهم فيما يخص زيادة راتبه، مما جعله يشعر بأنه لم يُقدر بالشكل الذي يستحقه رغم الجهود المبذولة. وهذا النوع من الإهمال في التعامل مع اللاعبين يمكن أن يكون له آثار سلبية طويلة الأمد على مناخ الفريق، خاصةً في ظل المنافسة الشديدة على البطولات والمراكز الكبرى.
تأثير هذه الأحداث على مستقبل الهلال ونموذج الإدارة الرياضي
يعد ما حدث مع شراحيلي مثالاً واضحًا على التحديات التي تواجهها الأندية الكبرى في إدارة العلاقات الداخلية بين اللاعبين والإدارة الفنية. ففي ظل توقعات الجماهير ومتابعي الفريق لمستوى عالٍ من الأداء، يجب أن تكون الإدارة قادرة على تحقيق التوازن بين المتطلبات الفنية والمهنية والاعتبارات الإنسانية التي تؤثر على الحالة النفسية للاعبين. ولهذا، تُظهر هذه التجربة الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في كيفية إدارة شؤون الفريق، ليس فقط من منظور الفوز بالمباريات، ولكن أيضًا من حيث الحفاظ على الروح المعنوية والتواصل الجيد بين مختلف عناصر الفريق.
قد يكون الحديث عن رحيل شراحيلي مجرد فصل صغير من تاريخ الهلال، لكن بلا شك يُمثل هذا الفصل نقطة تحول كبيرة في مسار الفريق، وما تزال الجماهير بانتظار ما سيحدث في المستقبل.