من براءة إلى طموحات جديدة
في شهر مارس من عام 2025 صدرت أحكام محكمة سويسرا بإدانة مكتب المدعي العام الفيدرالي السويسري استنادًا إلى استئناف سابق قدمته النيابة بعد إدانة بلاتيني وسيب بلاتر عام 2022، ليتم تبرئة الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم للمرة الثانية، بعد عامين ونصف من شحذ الألسن حول اتهامات الفساد المالي التي واجهها بلاتيني عقب نهاية عهدته. وكان هذا القرار بمثابة صدمة إيجابية في الأوساط الرياضية، إذ أعاد للأوساط الكروية ذكرى المكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها بلاتيني في قاعة المشاهير داخل أروقة الاتحاد الدولي والاتحاد الأوروبي، وقد أعرب الفرنسي فور صدور حكم التبرئة عن استعداده لاسترداد موقعه سريعًا.
إعلان الحرب الصامتة على تشيفيرين
بمجرد إعلان المحكمة الجنائية العليا بزيورخ عن براءة بلاتيني، انتشرت الأنباء حول تخطيطه للسير في درب السياسة داخل المنظومة القارية من جديد. فقد أشار بلاتيني إلى إمكانية ترشحه أو دعم شخصية بديلة قادر على إحداث زلزال سياسي في اليويفا. وفيما بدا واضحًا أن شغف الرجل المولع بإعادة صياغة هياكل صنع القرار في الاتحاد الأوروبي لم يخمد مع مرور الوقت، كشف تقرير صحفي نشرته صحيفة Superplus اليونانية عن اجتماع سري ضم بلاتيني والإسباني تاكيس بالتاكوس والرئيس السابق لاتحاد الكرة اليوناني، وذلك لوضع أسس حشد الأصوات ضد تشيفيرين مبكرًا. وعندما أضيف إلى هذه الخطة توقيع شيفتشينكو المعروف بحضوره الشخصي وقربه من اللاعبين والمسؤولين، بدا أن معركة التغيير باتت على الأبواب.
القصة الكاملة للتحالف غير المسبوق
يعتبر دعم شيفتشينكو لبلاتيني تطورًا لافتًا، لأن النجم الأوكراني السابق كان بعيدًا عن مهام صناعة القرار الكروي منذ اعتزاله، لكن التقارير الصحفية أكدت أنه يأمل في استثمار علاقاته القوية مع أندية أوروبا وشبكة اتصالاته الواسعة داخل الاتحاد الدولي لكرة القدم لتحصيل الدعم اللازم لإزاحة تشيفيرين. ويبقى دور تاكيس بالتاكوس حاسمًا في هذا السياق، إذ يعد رجلًا ذا نفوذ داخل اتحاد الكرة اليوناني وله علاقات طيبة مع عدد من الاتحادات الوطنية الأخرى، وهو ما يمهد الطريق أمام حشد تأييد لا يقل عدد أعضاءه عن 30 صوتًا من أصل 55 اتحادًا أوروبيًا معني باتخاذ قرار حجب الثقة أو تقديم مرشح جديد قبل الدور النهائي للانتخابات.
التوقيت المرتقب لبداية الحملة

برغم انتهاء ولاية تشيفيرين رسميًا في عام 2027، فقد أكدت مصادر قريبة من بلاتيني وبالتاكوس وشيفتشينكو أن التحركات ستبدأ بصفة جدية اعتبارًا من سبتمبر المقبل، مواكبةً لبدء فصل الاجتماعات الدورية للجمعية العمومية لليويفا. وتتضمن الخطوات السابقة استطلاع آراء رؤساء الاتحادات الوطنية البالغ عددها خمسة وخمسين اتحادًا، إضافةً إلى توزيع ملفات تتضمن الرؤى المقترحة وتقريرًا مفصلًا عن الأداء الإداري والمالي لفترة تشيفيرين، مع إبراز بعض النقاط التي اعتبرها المعارضون نقطة ضعف أو إخفاقات فعلية أو محتملة في المستقبل. وتشير التوقعات إلى أن وضع مذكرة حجب الثقة على جدول الأعمال قد يقود إلى انتخابات مبكرة قد ينتهي نتيجتها بتصويت يشكل مفاجأة كبرى في تاريخ الاتحاد القاري.
إنفانتينو بين الدعم أو المعارضة
من زاوية أخرى، تظل شخصية الرئيس الحالي للفيفا جياني إنفانتينو المحرك الأبرز خلف أي قرار يتخذه اليويفا، لا سيما في ظل الخلافات التي نشبت منذ عام 2020 بينه وبين تشيفيرين بسبب ملفات تقنية في التحكيم وتوسيع قاعدة المنافسات الأوروبية. ويعتقد المحللون أن أي تحرك جاد لإزاحة تشيفيرين لن يكتمل بدون الضوء الأخضر من إنفانتينو، لا سيما أن دعم رئيس الفيفا قد يُسهل أمام أي مرشح جديد مهمة الحصول على ثقة الاتحادات الوطنية، كما أن تحالف إنفانتينو مع بلاتيني في عدد من القضايا الفنية أو المالية قد يعزز فرص تحالف المعارضة. وفي حال قدمت قيادة اليويفا الحالية ما يوحي بضعف التوافق بين تشيفيرين وإنفانتينو، فإن الضغوط السياسية قد تتصاعد داخل أروقة الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر.
أوزار السنوات الماضية والرهان على المستقبل
لطالما مثّل عهد تشيفيرين نقطة تحول في سياسات اليويفا وفق رؤى مؤيديه، خصوصًا في ما يتعلق بإدخال تغييرات على نظام دوري أبطال أوروبا وتنظيم البطولات القارية للأندية والمنتخبات. لكن رافق ذلك انتقادات من جهات عدة حول توزيع العائدات المالية وكيفية مراعاة حقوق الأندية الصغيرة والمتوسطة واتحادات كرة القدم الصغيرة، إضافةً إلى الشكوك القائمة حول قدرة اليويفا في الوقت الحاضر على التوفيق بين الأجندة الأوروبية والأجندة العالمية للفيفا. لذا يرى معارضو تشيفيرين أن هذا هو الوقت المناسب لفتح صفحة جديدة يرأسها من لديهم خبرة إدارية ويتطلعون إلى دمج مصالح الأندية والاتحادات الوطنية بطريقة أكثر شفافية.
أبعاد رمزية قد يحققها بلاتيني

لن تكون معركة استراتيجية بحتة، بل إنها ستكتسب رمزية كبيرة بعودة أيقونة كرة القدم الأوروبية إلى المركز الذي طالما اعتُبره أعلى منصب كروي بعد رئاسة الاتحاد الدولي. وإذا نجح بلاتيني في انتزاع ثقة الأعضاء، فإن فوزه سيعني إعادة بناء الثقة مع منافسي القارة مثل أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا، في ظل مساعٍ لتوحيد الدفة الكروية العالمية تحت مظلة مؤسسات أكثر شفافية وجاهزية تقنية. وسيطرح معسكر المعارضة رؤية جديدة لإدارة البطولات المقبلة، وتطوير آليات التحكيم الإلكتروني وتوسيع قاعدة تدخل حكم الفيديو المساعد، إلى جانب إنشاء منصات تتيح للاتحادات الوطنية الصغيرة طرح مبادراتهم عبر قنوات تواصل مباشرة مع القيادة القارية.
آثار محتملة على استراتيجيات الأندية والبطولات
ستنعكس نتائج هذا الصراع على توزيع مكافآت الأندية المشاركة في البطولات، إذ من المرجح أن تتجه الخطة الجديدة إلى تعديل نسب المداخيل المالية، خاصة المحلي منها بناءً على معايير فروق الأجور والتكلفة الاقتصادية لكل نادٍ داخل الاتحاد القاري. كما سيؤثر على مسارات انتقال اللاعبين وصياغة نظام التأهيل للبطولات الرسمية للموسم الجديد، مع إمكانية إعادة النظر في معايير الأهلية واللوائح التنظيمية المتعلقة بمراعاة الأندية الصغيرة. وعند انتخاب قيادة جديدة، سيرتبط مصير القضايا المعلقة بإعادة هيكلة الدوريات القارية بعد جدل دوري السوبر الأوروبي، وحضور الأندية الأكثر جاذبية جماهيريًا في مراحل متقدمة من البطولة.
خلاصة الصراع وتعقيداته
يدخل بلاتيني وشيفتشينكو غمار تحدٍّ غير مسبوق في تاريخ الاتحاد القاري، وأمامهما زمام مهمة معقدة في حشد الدعم عبر قنوات دبلوماسية رياضية وتنسيق دقيق مع اتحادات وطنية ترى في تغيير القيادة فرصة للخروج من الضغوط المالية الحالية وتوفير بيئة تنافسية أكثر توازناً. وما بين الضغط الممارَس عن طريق إعداد ملفات نقدية وتحضير حملات إعلامية تدعمها أسواق الأوراق المالية الرياضية، وبين الخلاف التاريخي بين رؤوس أركان صناعة القرار في أوروبا، تبدو الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مدى قدرة المعسكر المناوئ لسياسات تشيفيرين على تحقيق ما يصبو إليه من تولي مقاليد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عبر انتخابات مبكرة أو بقاء الولاية الحالية حتى نهايتها الرسمية في عام 2027.