في قمة الدراما والانتكاسات، خرج بيب جوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، بموقفٍ صادمٍ بعد هزيمة فريقه المفاجئة في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2024–2025 أمام كريستال بالاس (0-1)، إذ أعلن بكل وضوح أنه “لم يكن على دراية” بما دار بين إرلينج هالاند وعمر مرموش قبل خطوة تسديد ركلة الجزاء الفارقة، وظنّ أن الثنائي سترتدّ الكرة في وجه الحارس دين هندرسون المرصود منذ اللحظة الأولى.
حصارٌ دفاعيٌ مستمر… “11 رجلًا داخل المنطقة”
في المؤتمر الصحفي عقب صافرة النهاية الدرامية على ملعب ويمبلي، لم يتمالك جوارديولا نفسه عن الإشادة بالخصم اللندني، وتفاجأ بصموده الأسطوري أمام هجومه المكثف:
“رأينا كريستال بالاس يدافع بـ11 لاعبًا داخل منطقة الجزاء طوال 90 دقيقة، رغم أننا خلقنا فرصًا لا تُعد ولا تُحصى… لكن هؤلاء الرجال أصرّوا على الدفاع حتى آخر لحظة.”
ذكّر المدرب الإسباني الصحافيين بأن السيتي زاحم منطقة جزاء الخصم بلا هوادة، وسدد 23 كرةً نحو المرمى، منها 10 داخل الإطار – رقمٌ غالبه بل إنه يفوق إحصائيات الموسم بأكمله في بعض المباريات. لكن جدار هندرسون الحديدي، وتنظيم الخماسي الدفاعي، أبطالهم ويلفريد زاها وجيمس مكارثي، قلبوا المعطيات رأسًا على عقب.
لغز ركلة الجزاء… “لم أعرف شيئًا”
عند الدقيقة 36، منح حكم اللقاء ركلة جزاءٍ مشكوكٍ فيها، بعد سقوط هالاند داخل المنطقة بسبب صدامٍ خفيفٍ مع المدافع. وعندما سُئل جوارديولا عن سرّ اختيار مرموش بدلاً من هالاند لتنفيذ الركلة، صرخ بتعجبٍ:
“حقًا لا أعلم لماذا تسلّم عمر زمام الكرة، فأنا لم أسمع أي إعادة لتواصلٍ بيني وبينه أو مع إرلينج. لقد اختارا هما الاثنان على أرض الملعب من دون علمي!”
وأضاف المدرب البالغ من العمر 53 عامًا:
“في بعض الأحيان أعطي الثقة فالينفجر اللاعب ويفوز بالمباراة. لكن هذه المرة لم يتحمل عمر الضغط، رغم ثقتي به، وظننت أن إرلينج هو الأنسب، فقد سجل هذا الموسم 35 هدفًا في الدوري وحده!".
مرموش يُفاجئ الجميع… هالاند ينسحب؟
التقطت الكاميرات صورةً ظهر فيها مرموش وهو يهمس في أذن هالاند قبل الرمية. لم يتأخر الاتحاد الإنجليزي في نشر صورة المشهد على حسابه الرسمي في "تويتر"، ما أثار موجة من التحليلات:
- هل تراجع هالاند عن التنفيذ؟ يقول البعض إن النرويجي، رغم أفضليته التاريخية في تسديد الركلات الثابتة، أعطى الأولوية لزميله الأصغر، احترامًا للتسلسل الداخلي.
- هل رفض جوارديولا الخيار؟ ذهب آخرون إلى رأي مفاده أن المدرب أبلغه شفهيًا قبل انطلاقة الشوط الأول بأن "الحارس كان يراقب زاوية هالاند دائمًا".
ومع ذلك، لم يسمح أي من الطرفين بإيضاح الخطأ تكتيكيًا أو شخصيًا، واكتفى "الجزار المهاجم" المغربي بتجهمٍ خفيفٍ قبل أن يعيد الكرة إلى راحة حارس قفز بعيدًا يمينًا ليلتفحّصها وسط تصفيقٍ مكتوم.
تراجيديا موسمٍ انفجر في ويمبلي
انتهى موسم مانشستر سيتي بقيادة جوارديولا بخسارتين رافقتا نتائجٍ متذبذبةٍ في الدوري الممتاز وكأس الرابطة، قبل أن تتوج بإخفاقٍ ذاقه الفريق في نهائي أثبت خطورته أمام الفرق الصاعدة. ورغم إهدار فرصة اللقب الأوروبي أمام ريال مدريد في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، كان الفوز بكأس الاتحاد بمثابة جائزةٍ تعويضيةٍ للموسم، لكن كريستال بالاس سرق اللقب.
تُضاف الهزيمة إلى سجل المواجهات الكبرى التي طالت بالكاد المدرب الإسباني، بعد ثلاثية الموسم الماضي أمام ليفربول في نهائي دوري الأبطال. ولعل ما زاد الطين بلة هو مشهد تصدي هندرسون للركلة الحاسمة الذي ينتظر أن يدخل التاريخ كواحدٍ من أبرز التصديات في المسابقة الأقدم في العالم، إذ بات أول حارسٍ يمنع مانشستر سيتي من التسجيل في ركلات الجزاء بنهائي الكأس.
المفاجأة الذهبية لبلان ونجوم Palace
لا يمكن تجاهل البصمة التاريخية لمدرب كريستال بالاس، إيدي هاو، ولاعبيه كسعد بقير وويلفريد زاها الذي حصد جائزة رجل المباراة للمرة الثالثة له في المسابقة. فعلى غرار صيامٍ طويلٍ عن الألقاب، وصل الفريق إلى قمة الإثارة ليكتب فصلاً جديدًا منذ لقبه بكأس الاتحاد عام 1990.
وقدّم "الخفافيش" عرضًا ذكيًا في ويمبلي، مكتفين بهجمةٍ مرتدةٍ قادها زاها وسجّلها كونور جالاجر في الدقيقة 77، قبل الانغلاق الدفاعي وفرض اللمسات الفردية للفرنسي ويلفريد خليفة مرموش، ما أثار دهشة العالم.
ماذا بعد؟… “العودة إلى سباق الدوري”
بينما يواصل سيتي استعداداته لختام الدوري الممتاز بمواجهة بورنموث في 21 مايو وفولهام في 25 منه، فإن طموح التتويج بلقبٍ ينسي المرارة يبقى أكبر دافعٍ للفريق السماوي. كما يحتاج جوارديولا لتفسيرٍ داخليٍ حول آلية تسديد ركلات الجزاء وخياراته التكتيكية في المباريات الكبرى، لئلا تتكرر مفاجآت "نهائيٍ عطّل شيئًا" في سباق الثلاثية المفقودة.
ويبقى الموسم المقبل يحمل في طياته تحدياتٍ أعظم: استعدادٌ لضم صفقاتٍ جديدةٍ لتعويض رحيل سيخضع لهالاند، وتأكيدٌ على أن ماكينة "سيتيزنز" لا تتوقف عن الحلم بالقابٍ محليةٍ وقاريةٍ تليق بتاريخٍ أرسى أسس التميز في إنجلترا. وفي هذه الدراما الكروية التي لم تنتهِ فصولها، سيتذكّر الجميع كيف دُفن سيف السيتي في ركلةٍ ضائعةٍ على "عبور ويمبلي"، ومدى قدرة الفريق على استعادة توازنه بعد هذا الإخفاق الفج.
