خبايا موهبة الاتحاد عبد الرحمن العبود في مرمى النقد الرياضي

رحلة انطلاق العبود

وبرزت موهبته الأولى في الصفوف الشبابية بالنادي الأهلي، قبل أن يلفت الأنظار مما دفع الفيصلي للاستثمار فيه في موسم 2018-2019. وصنع العبود بصمته سريعًا باعتباره جناحًا سريعًا يجيد اختراق الأطراف وتسجيل الأهداف وصناعة الكرات، كما ساهم في حجز مكان له مع المنتخب السعودي تحت قيادة كوزمين كونترا.

وفي ذلك الوقت، ارتفعت أسهم اللاعب في سوق الانتقالات، ووصلت إليه عروض من أندية خليجية، لكنه قرر تجديد عقده مع الفيصلي رغم تلقيه عرضًا أعلى ماديًا من نادٍ منافس في دوري المحترفين السعودي.

موقف محترف لم يُعرف

تلك الخطوة أكسبت العبود احترامًا كبيرًا من عشاق الفيصلي، واعتُبر موقفًا يدلل على انتمائه وولائه للنادي الذي دفع باتجاه ظهوره الأول في دوري المحترفين. وكشف الناقد محمد البكيري في تصريحاته أنّ العبود “وافق على عرض الإدارة السابقة للتجديد بأقل من عرض تلقاه من ناد آخر”، الأمر الذي لم يتم تداوله بشكل واسع آنذاك.

إلا أن هذا القرار المهني الفذ لم يدم طويلًا، فقد شدّ الاتحاد رحاله للاستثمار في قدراته التسويقية والفنية، وقام بضم اللاعب في صيف 2022 وسط ضجة إعلامية كبيرة.

تحديات ما بعد الانتقال

وما إن انتقل العبود إلى صفوف الاتحاد حتى ظهرت ملامح التحدي الحقيقي، وسط ضغط جماهيري كبير لتقديم مستويات مميزة وإثبات جدارة الاستثمار الضخم الذي قام به العميد بفسخ عقده مع الفيصلي.

ومع بداية الموسم عاد العبود إلى التوهّج في بعض المباريات، لكنه اصطدم لاحقًا بفترة اختفاء من التشكيلة الأساسية، إثر أزمة فنية وذهنيّة أثارت قلق الإدارة والجهاز الفني بقيادة المدرب الهولندي كومان.

وفي هذا الإطار، انتقده البكيري بشدة، مشيرًا إلى أن “ما يعيب اللاعب هو المزاجية وعدم الانضباط وهذا الأمر ضيّع عليه فرصة الاستقرار في الفريق”.

فترة الإعارة ومراجعة الحسابات

وتركَّز النقد على سلوك العبود داخل المعسكر وخارجه، حيث لوحظ تراجع في جديته في التدريبات وظهوره في بعض المباريات بحالة نفسية غير مستقرة.

وقد انعكس هذا على أدائه الضعيف في عدد من المواجهات، مما دفع الجهاز الفني لمنحه فترة راحة فنية تمثّلت في قرار إعارته إلى أحد الأندية الصاعدة مطلع موسم 2023-2024.

وكانت تلك الخطوة فرصة للاعب للمراجعة والتقييم، حيث استغلّ فترة الإعارة للعودة تدريجيًا إلى مستواه الفني عبر امتلاكه مساحة لعب أكبر وثقة من فريقي الإعارة في أدواره الهجومية.

التعافي وعودة التألق

ساهمت فترة الإعارة التي قضاها العبود في أحد أندية دوري الدرجة الأولى في إعادة اكتشاف ذاته، إذ سجّل عدة أهداف حاسمة وصنع فرصًا لزملائه، ما أسهم في تحقيق انتصارات مهمة دفعت بإعارة ناديه للمنافسة على الصعود.

ومع بداية الدور الثاني لبطولة الموسم، حُسِم عودة العبود إلى قائمة المنتخب السعودي بعد غياب طويل، حيث كان له أثر واضح في مقابلات الإياب وتحقيقه أهدافًا ومساهمات هجومية حقيقية، مما جعل الناقدين يتحدثون عن “نضج كروي” ظهر جليًا في طريقة تعامله مع المباريات وعلاقته بالزملاء.

الدور الحالي والمستقبل الواعد

وبحسب متابعين وبحسب ما ذكره البكيري فإن العبود استفاد بشكل كبير من تصحيح أخطائه ووعي المدرّب للجهاز المعاون، فحجز مكانًا قويًا ضمن قائمة الاتحاد الأساسية في الدور الثاني من الموسم الماضي، وقدم مستويات لافتة نالت إشادة الجماهير.

أما على المستوى الدولي فقد ساعدت عودته للديوك على إضافة بعد هجومي جديد في تشكيلة هيرفي رينار، خاصة عبر تحرّكاته خلف المدافعين وسرعته القاتلة في المساحات الفارغة.

استمرارية التطور

وخلال موسم 2024-2025، لم يتوقف العبود عند مستواه مع الاتحاد بل استمر في تسجيل الأهداف وصناعة الفرص بشكل شبه منتظم، مما دعا بعض الأندية الخليجية مجددًا إلى ترشيحه كخيار هجومي قادر على إضافة صفة السرعة والتهديف للفريق السعودي.

وفي نفس الوقت، يبرز الدور الكبير للجهاز الفني بقيادة المدرب الوطني في تأهيله نفسيًا وتنظيم حياته المهنية داخل الأندية، وهو ما كرسه العبود بتصريحاته مؤخراً مؤكّدًا أنه بات أكثر التزامًا بخطط التدريب وأصبح يعالج المزاجية التي عانت منها مسيرته في السابق.

خلاصة مسيرة العبود

خلاصة القول إن مسيرة عبد الرحمن العبود تضمّنت لحظات تألق واختلال في المنحنى الفني، فبعد أن أثبت موهبته الكبيرة في الفيصلي واجتذب العروض وفضّل التجديد، تعرض لاحقًا لضغوط الانتقال إلى الاتحاد ما أظهره بمزاجية وانضباط ناقص، ثم وجد طريقه للتعافي أثناء فترة الإعارة قبل أن يعود كمؤثر رئيسي في التتويج وتحقيق التفوق في الدور الثاني.

وما ذكره محمد البكيري عن “موقف لا يعرفه الكثير”، وهو تنازله سابقًا عن عرض أعلى من نادي منافس للتجديد مع الفيصلي، يساهم في رسم صورة جديدة للاعب مخلص لمن أعطاه الفرصة للانطلاق، ويؤكد أن خلف كل بريق نجم مطلوب الصبر والعمل المستمر للوصول إلى الثبات الفني والنفسي.

وعليه، فإن الأيام المقبلة قد تشهد مزيدًا من التألق لعبد الرحمن العبود في صفوف الاتحاد والمنتخب، ما يثبت أن العمل على الجانب النفسي والانضباط الفني هما مفتاح استمرارية النجومية في الملاعب.