الأزمة بدأت بصمت وتحولت إلى فضيحة كبرى
بحسب ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط السعودية عن وسائل إعلام كورية جنوبية متعددة فإن صفقة انتقال جاسير أساني إلى فريق جوانغجو خلال سوق صيف ٢٠٢٤ جاءت مصحوبة ببند يتطلب دفع مبلغ مالي بسيط لكنه حاسم بعنوان "حق الرعاية" لصالح الأندية التي سبق أن ضمت اللاعب. اللاعب ليبييرج ألماني الجنسية كان انتقاله قد أُعلن بدايةً بقيمة انتقال لم تُفصح عنها المصادر بالكامل لكن المبلغ الصغير لم يتم تسديده بالطريقة الصحيحة، فقد حاول النادي في شهر أغسطس ٢٠٢٤ تنفيذ التحويل لكنه واجه خطأً تقنيًا منع قيامه بإثبات إتمام الدفع لدى الفيفا. وعندما أعاد النادي المحاولة للمرة الثانية في سبتمبر ٢٠٢٤ لم تظهر نتيجة الإجراء لدى الاتحاد الدولي مما دفع لجنة الفيفا إلى إصدار قرار في ديسمبر ٢٠٢٤ يقضي بإيقاف تسجيل النادي الكوري حتى تأدية المبلغ.
خرق للإجراءات أدى إلى تشكيك في النتائج
على الرغم من إيقاف القيد لم يخفف نادي جوانغجو من وتيرة التعاقدات في يناير ٢٠٢٥ إذ جلب عشرة لاعبين جدد وشارك بهم في مباريات الدوري المحلي وكأس كوريا، إضافة إلى مشاركته في دوري أبطال آسيا. اللاعبون الجدد خاضوا أربعة عشر مباراةً في الدوري الكوري الممتاز وكأس الاتحاد الكوري، وخمس مبارياتٍ في دوري أبطال آسيا للنخبة قبل دور ربع النهائي، ما يعني أن المشاركة تمت بأسماء لم تكن مؤهلة بالكامل قانونيًا. هذه المخالفة دفعت عدة أندية للمطالبة لدى الاتحاد الكوري ورابطة الدوري بإلغاء نتائج جميع المباريات التي خاضها الفريق أثناء فترة الإيقاف واعتباره خاسرًا بنتيجة ٣-٠، خاصةً وأن هذه النتائج ربما أثرت على ترتيب الدوري وطاقم الأندية المتنافسة على المراكز الأولى أو البقاء في المسابقة.
صمت حتى مايو ٢٠٢٥ ثم تسوية مالية متأخرة
ذكرت التقارير أن إدارة جوانغجو لم تسدد مبلغ ٣١٢٤ دولارًا إلا في مايو ٢٠٢٥، أي بعد خمسة أشهر كاملة من قرار الفيفا، ووُصفت هذه الخطوة بأنها "صحوة متأخرة" لأن المشاكل الفنية والإدارية التي ظهرت أثناء تلك الفترة لم تُحل تلقائيًا بمجرد الدفع المتأخر. تم رفع الحظر عن تسجيل اللاعبين بعد السداد، لكن ملف المباريات السابقة لا يزال خاضعًا للمراجعة والنقاش داخل الاتحاد الكوري ورابطة المحترفين الكورية التي تجتمع حاليًا لدراسة فرضية إلغاء المباريات التي خاضها الفريق بلاعبيه المقيدين بطلانًا. هذا السيناريو من شأنه أن يؤثر على ترتيب الدوري بشكل جذري، وربما يرفع عتب بعض الأندية التي قد تظلمت في ترتيب النقاط بسبب تواجد جوانغجو بتشكيلة غير قانونية.
الهلال أنقذ الموقف آسيويًا
على الصعيد القاري نجح الهلال السعودي في تجاوز نادي جوانغجو بنتيجة قاسية بلغت ٧-٠ في ربع نهائي دوري أبطال آسيا للنخبة، ما أعاد الآسيوية من حافة الإحراج العالمي بعدما كان يمكن أن يخسر الفريق الكوري التأهل لهذا الدور إذا أُلغيت نتائجه السابقة. انتشار أنباء الفضيحة بسرعةٍ دفعت عدة صحف آسيوية وأوروبية للتشكيك في مصداقية المنافسة، وكان الهلال بطلاً للموقف حين أدرك الجميع أنه لو تأهل الفريق الكوري إلى نصف النهائي لأصبحت آسيا في موقف حرج أمام الاتحاد الدولي والكرة العالمية عموماً. إذ كيف سيكون الحال لو وصل نادي مقيد لاعبيه بطلانًا إلى المربع الذهبي أو النهائي أو حتى الظفر بلقب البطولة؟ من المؤكد أن الاتحاد الآسيوي كان سيجد نفسه مضطرًا لإعادة المباريات كافة وإبطال النتائج أو إجبار الأطراف على خوض لقاءاتٍ إدارية أخرى، وهو ما كان سيدخل الكرة القارية في فوضى تنظيمية لم تشهدها في تاريخها الحديث.
خطورة التجاوزات الإدارية
توضح هذه الواقعة أن الأخطاء الصغيرة في الإجراءات المالية والإدارية قد تتطور إلى أزمات كبرى تطيح بسمعة الأندية والاتحادات. فالكثير من الأندية الآسيوية تفتقر إلى آليات ضبطٍ مالية وإعلامية قوية تكشف الأخطاء البسيطة قبل انتقالها إلى قضايا قانونية معقدة. وفي المقابل، يكشف موقف الهلال أن التنافس القاري لا يرتبط فقط بالمستوى الفني داخل المستطيل الأخضر بل يمتد إلى قدرة الأندية على الالتزام بالأنظمة الدولية والمحلية. ويعتبر قانون الفيفا صارمًا للغاية في مثل هذه الأمور، لأن حقوق الأندية المنتمية لسلاسل سابقة يجب أن تُحترم حتى لو كان المبلغ صغيرًا، كما في هذه الحالة.
تداعيات محلية وقارية
حاليًا تتواصل المشاورات في القاعات الرسمية للاتحاد الكوري ورابطة الدوري الكوري، حيث تم تشكيل لجنة من خبراء قانونيين وبنفس الوقت مستشارين إداريين لدراسة أثر إلغاء المباريات على جدول المنافسات. وإذا ما تم اعتماد مقترح إلغاء نتائج جميع المباريات التي خاضها الفريق في تلك الفترة من يناير حتى مايو ٢٠٢٥، ستطاول عقوبات إضافية غير الإيقاف المالي، منها خسارة نقاطٍ مؤثرة ما قد يهدد بقاء جوانغجو في الدرجة الأولى أو يقربه من منطقة القاع. هذا السيناريو يعني أن الأزمة لم تنته بالتسديد المالي بل إنها قد تشكل درسًا قاسياً لكل الأندية في القارة يجب أن يكون عبرةً في كيفية إدارة الملفات وتفادي العقوبات التي لا تعرف التهاون.
ختامًا: عبرة إدارية كبيرة
على الرغم من أن دفع ٣١٢٤ دولارًا قد يبدو أمرًا هينًا مقارنة بالملايين التي يدور تداولها في صفقات اللاعبين، فإن تبعاته أزاحت الستار عن هشاشة الأنظمة وافتقاد بعض الأندية إلى الاحترافية اللازمة. وهنا يأتي دور الاتحادات القارية والمحلية في تعزيز الرقابة وتطبيق نظمٍ تقنية تساعد على تتبع الالتزامات قبل وقوعها في فخ العقوبات، ما يضمن عدم تكرار فضيحة جعلت آسيا مهددة بخجل عالمي لولا تدخل الهلال بإنقاذ مبهر.
