في ليلةٍ آسيويةٍ تاريخيةٍ خلدها عشّاق “القلعة الحمراء”، كتب الأهلي السعودي فصلًا جديدًا في سجلات الكرة القارية بعدما أحرز لقب دوري أبطال آسيا للنخبة بفوزه 2-0 على كاواساكي فرونتال الياباني على أرض جدة. وخلال احتفالات التتويج ارتفع شعار “العالمي أولاً في آسيا”، لكن ما صنع المفاجأة الكبرى هو دخول ثلاثة من أهم نجومه التاريخيين دائرة النخبة العالمية للمرة الأولى في المسيرة الرياضية لأي لاعب آسيوي: الجزائري رياض محرز، والبرازيلي روبرتو فيرمينو، والحارس السنغالي إدوارد ميندي.
هذه اللحظة لم تكن إنجازًا عابرًا، بل ترجمةً لمسيرةٍ حافلةٍ بالنجاحات القارية؛ إذ بات الثلاثي هو الأول في تاريخ كرة القدم الذي يجمع بين لقب دوري أبطال أوروبا ولقب نسخة النخبة الآسيوية، مما يعكس التحوّل النوعي لمستوى الأندية السعودية وقدرتها على استقطاب نجوم الصفوف الأولى للعبة.
محطات إنجازاتٍ أوروبيةٍ وأخرى آسيوية

• رياض محرز: بعد رحلته الاستثنائية مع مانشستر سيتي، تُوّج محرز بدوري أبطال أوروبا لأول مرة في موسم 2022–2023، كجزء من ثلاثيةٍ تاريخيةٍ (الدوري الإنجليزي وكأس الرابطة وكأس الأبطال). ومن بداياته مع ليستر سيتي التي شهدت الأغلى وحتى انتقاله إلى “السيتيزنز”، ظلّ الجزائري مثالاً للاعبي الأطراف القادرين على صناعة الأهداف وتغيير مجريات اللقاء.
• روبرتو فيرمينو: سرعان ما حفر اسمه في ذاكرة محبّي ليفربول بعد قيادته “الريدز” للتتويج بدوري الأبطال عام 2019، وساهم بشكلٍ بارزٍ في تتويجهم بلقب البريميرليج 2019–2020. أسلوبه الفريد في الضغط على دفاعات الخصوم وفتح المساحات لزملائه جعل منه عنصرًا لا يُعوَّض.
• إدوارد ميندي: اللقب القاري الأول للحارس السنغالي جاء مع تشيلسي في 2021، عندما تصدّى لعددٍ من الكرات الحاسمة في صافرة النهاية أمام مانشستر سيتي، ليقود “البلوز” إلى عرش أوروبا. ولا يقتصر إنجاز ميندي على ذلك؛ إذ سبق ووصل مع منتخب بلاده إلى قمة أفريقيا بفوزه بكأس أمم إفريقيا 2021، محققًا إنجازًا قاريًا ثالثًا في ثلاث قارات.
تتويجٌ سعوديٌ بامتياز
شهدت المباراة النهائية التي جرت على استاد مدينة الملك عبدالله (الجوهرة المشعة) تنظيمًا احترافيًّا لافتًا، فارتقى الأهلي إلى قمة القارة الصفراء للمرة الأولى في تاريخه، بعد محاولتين فاشلتين في 1986 و2012. وقد جاءت الأهداف عبر ويندرسون جالينو وفرانك كيسييه، لكن الأضواء اتجهت بلا شك إلى الثلاثي العالمي الذي أضاف حكايته الخاصة إلى ملحمة “العقد المنتهي”.
ردّ الفعل الآسيوي والدولي

أشاد رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بالأداء القتالي والفني الذي قدمه الأهلي طوال منافسات النسخة، مُبرزًا “توازنه بين القدرة على السيطرة التكتيكية والروح القتالية العالية”، ومثّل ذلك نموذجًا يُحتذى للأندية الآسيوية التي تطمح إلى مواجهة أندية القارة الأوروبية على الأقل في كأس العالم للأندية القادمة 2029.
كما لاقت الأسماء الثلاثة تغطيةً واسعة في الصحف الأوروبية؛ حيث اعتبرتها “موندو ديبورتيفو” و”ماركا” مثالًا للتكامل رغم اختلاف أصولهم الوطنية، في حين أكدت تقارير “ليكيب” و”توتوسبورت” أن انتقالهم إلى السعودية وبرنامج “استضافة نجوم العالم” يرفع مكانة الدوري السعودي بمواصفاتٍ قارية.
ماذا يعني هذا للأهلي وللسعودية؟
• دعم مكانة الدوري: بتواجد نجومٍ من حجم محرز وفيرمينو وميندي، يكتسب الدوري السعودي جذبًا إعلاميًا وتسويقيًا أوروبيًا، ما ينعكس على حقوق بثٍ ورعاياتٍ بقيمةٍ أكبر.
• نقلةٌ فنيةٌ وإدارية: تجربة النادي الأهلي في دمج الخبرة الأوروبية مع العنصر المحلي تُعدّ مرجعيةً لأي نادٍ آسيوي يبحث عن الكفاءة في بناء التشكيلة وإدارة الأزمات.
• خطةٌ طويلة الأمد: يربط مجلس الإدارة مع اللاعبين الثلاثة عقودًا موسعةً على أساسٍ تشاركي؛ إذ تُعد مشاركتهم في كأس العالم للأندية 2029 ودوري الأبطال الآسيوي الحافل محطاتٍ للاطمئنان على فاعلية هذا المشروع الرياضي.
تأثيرٌ مستقبليٌّ على الأندية الآسيوية
بالنظر إلى الإحصائيات التي سجّلها الثلاثي في دوري النخبة، يظهر أن محرز أحرز 5 أهداف وصنع 4 أخرى، فيما كان فيرمينو محركًا أساسيًا للخط الأمامي بمعدّل تمريرات حاسمة أفضل من أي مهاجم في البطولة، بينما حافظ ميندي على نظافة شباكه في نصف اللقاءات وخاض أعلى عددٍ من التصديات الحاسمة.
تلك الأرقام تشكل نموذجًا مثاليًّا للأندية الآسيوية القادرة على تجاوز التحدي التكتيكي والتواجد بين الصف الأول أوروبيًا. وأكدت “спортивные новини” الروسية أن “الأبطال الجدد في آسيا يثبتون أن الدمج بين فارق الخبرات المحلية والعالمية يمنح البطولات القارية طابعًا تنافسيًا وفنيًا من الصعب تجاهله”.
خلاصة لإنجازٍ فريد
حينما صعد رياض محرز وفيرمينو وميندي على منصة التتويج ثم رفعوا أيديهم عاليةً في سماء جدة، لم يكن الأمر احتفاءً بإنجازٍ فرديٍّ فحسب، بل بملحمةٍ جماعيةٍ صنعتها رؤيةٌ إماراتيةٌ جديدةٌ لمسار كرة القدم في آسيا. وبينما ينطلق الأهلي بقوّةٍ إلى كأس العالم للأندية، يلمس عشّاق الساحرة المستديرة أن التاريخ يُكتب اليوم بصفحاتٍ لا تُمحى، وأنّ الثلاثي الذي جمع المجد الأوروبي والآسيوي سيظلّ علامةً مضيئةً لكل من ينشد المجد القاري.