ما زال كريستيانو رونالدو يشكل عنصرًا محوريًّا في تشكيلة منتخب البرتغال رغم بلوغه سن الأربعين، ولا يبدو أن هناك موعدًا محددًا للاعتزال يلوح في الأفق وفق ما أكده المدرب روبرتو مارتينيز في أحدث تصريحاته. فقد سبق أن تضاربت الأنباء حول مستقبل أسطورة كرة القدم البرتغالية عقب انتقاله إلى صفوف نادي النصر السعودي، وانتشار التكهنات التي تحدثت عن رغبته في وقف اللعب عندما ينهي تجربته الخليجية. لكن مارتينيز خرج عن المألوف عندما شبه بقاءه مع المنتخب بأمرٍ لا يمكن التنبؤ بموعده، مثل الطقس، وهو تعليق يكشف إيمان الجهاز الفني بأهمية دوره في الملعب وخارجه.
البداية في عالم الانتصارات
يُذكر أن كريستيانو رونالدو انضم إلى صفوف المنتخب لأول مرة عام 2003، وعندما لم يتجاوز عمره 18 عامًا كان قد وضع قدمه منذ سنوات بين صفوف أبرز نجوم الكرة الأوروبية. حقَّق رونالدو مع منتخب البرتغال لقب بطولة الأمم الأوروبية عام 2016، وحمل شارة القيادة في كأس العالم 2018 و2022، وما يزال الرقم القياسي لأكبر عدد من الأهداف الوطنية حاضراً حتى اليوم: 136 هدفًا في 219 مباراة دولية. وهذه الإحصائية لا تزال في تزايد مستمر مع كل مشاركة جديدة، ما يضعه في مرتبة تاريخية بين أساطير اللعبة، إذ لم يتمكن أي لاعب آخر من الاقتراب من هذا الرقم الاستثنائي.
اعتزال في الأفق أم استمرار حتى النهاية
علق مدرب البرتغال قائلاً إنه لا يمتلك معلومات دقيقة عن موعد اعتزال رونالدو، وأضاف في مقابلة مع شبكة Sport TV: “عندما نسأله في المعسكر التدريبي عن سبب وجوده معنا، يجيب بأن برمجة الاعتزال غير موجودة في جدول أعماله. إنه يشبه الطقس الذي لا يمكنك التنبؤ بدقته، فهو في الملعب يراقب بأعيننا جميعًا، وخارجه يمثل قيمة مضافة على مستوى تمثيل المنتخب وإلهام اللاعبين الأصغر سنًا”. ولم يخفِ مارتينيز أن العلاقة التي تجمع رونالدو بإخوته في منتخب الشباب، مثل جواو نيفيس ومورا، تضيف الكثير إلى الأجواء التحفيزية داخل المعسكر. إذ يواصل رونالدو تفهّم تطلعات الجيل الجديد ويقدّم لهم النصائح الفنية والنفسية، مما يُسهم في تحسين مستوى الأداء في المباريات القادمة.
دوري الأمم الأوروبية محطّة جديدة
تدور حاليًا استعدادات البرتغال التي وصلتها دعوة الدوري النهائي لمنافسات دوري الأمم الأوروبية، حيث تستعد لمواجهة ألمانيا في نصف النهائي، وهي مباراة يُرتقب أن يكرر خلالها رونالدو دوره القيادي سواء في غرف تغيير الملابس أو على أرض الملعب. وقد استدعى المدرب كل عناصر الخبرة التي ساعدته سابقًا في حصد البطولات، وشدد على أهمية المعنويات التي يضخها كابتن المنتخب في صفوف اللاعبين. ويُعَدّ هذا الدور حاسمًا قبل التوجه إلى المونديال في الولايات المتحدة 2026، فالمدرب الإسباني يعتمد على الأسلوب الجماعي القائم على تبادل الرسائل التكتيكية والتمريرات الدقيقة، ولا سيما استعادة الكرة سريعًا قبل الانتقال إلى الهجوم.
انتقال إلى الدوري السعودي وتهديدات الاعتزال
عندما قرر كريستيانو رونالدو الانتقال إلى الدوري السعودي في منتصف عام 2023، تسارع كثيرون إلى إعلان نهاية حقبة أسطورية استمرت لعقدين في ملاعب أوروبا. لكن اللاعب أصرَّ أكثر من مرة على أن تجربته الخليجية ليست نهاية المطاف، وفي حديثٍ مع بعض الصحف الأوروبية أكد أنه لا يزال لديه شغف للمنافسة، ويشعر بقوة بدنية ونفسية تسمحان له باللعب على أعلى مستوى. وأمام نادي النصر السعودي، سجَّل عدة أهدافٍ حسمت مباريات مهمة وأظهر تقديرًا لثقافة كرة القدم المحلية، ما عزز صورته في قلوب الجماهير الآسيوية قبل الأوروبية.
دور ملهم للاعبين الصغار
يُعتبر وجود رونالدو ضمن تشكيلة المنتخب أمرًا بارزًا بالنسبة لمواهب مثل خوسي ماريا مينديش ورافائيل لياو وماتياس بينيتو، فالجيل الصاعد يتعلم منه كيفية المحافظة على اللياقة البدنية واتباع حميات غذائية صارمة تجعل من الانتقال السريع بين المباريات ممكنًا. وحتى عندما بدأ يتقلَّص دوره في النواحي البدنية بعض الشيء، فإن خبرته في قراءة المباريات واختيار الأوقات المناسبة لتمرير الكرة والتواجد في العمليات الهجومية يحافظ على قيمته في صفوف المدرب مارتينيز. ولم يخفِ مربط كلام المدرب الإسباني أن الاستفادة من رونالدو لا تقتصر على الجانب الفني بل تشمل الجانب المعنوي، فهو اللاعب الذي عمل في أكبر فرق العالم وأتاح الفرصة لزملائه للتطوّر من خلال اشتراكه في الحصص التدريبية.
أرقام قياسية مستمرة
لا تزال الأرقام تسير في صالح كريستيانو، ففي دوري الأمم الأوروبية سجل حتى الآن 23 هدفًا، وهو أكثر من الهدف الذي سجله أي لاعب آخر في تاريخ المسابقة. وعلى مستوى التأهل إلى مونديال 2026، أضاف هدفين في آخر جولتين خلال تصفيات أوروبا، ما جعله الهداف الأعلى بين اللاعبين المسجلين في هذه التصفيات رغم سنّه المتقدم. وهنا يدرك المدرب أن وجود الأسطورة بجوار اللاعبين يمنحهم ثقة في النفس ويحثهم على عدم الاكتراث بالضغوط النفسية المصاحبة للبطولات الكبرى.
مستقبل رونالدو المرتقب
تتباين التكهنات حول موعد اعتزال رونالدو من قبل الإعلام الأوروبي وآلاف المعلقين الرياضيين، لكن تصريحات مارتينيز جعلت الأمور أكثر وضوحًا لدى الجماهير البرتغالية. فقد أعلن المدرب أن رونالدو هو حجر أساس في مخططته للمحافظة على صلابة الخط الهجومي وتقديم نموذجٍ يُحتذى به في التعامل مع الإعلام والمسؤوليات المجتمعية. ويتوقع أن يكون دور رونالدو أكبر في منافسات أمم أوروبا التي ستقام صيف 2028، حيث يسعى المنتخب لاستعادة اللقب القاري الذي حصده عام 2016. ويؤكد المراقبون أن استمرار كريستيانو في الملاعب يزيد من فرص نفاذ المنتخب إلى بطولة نصف النهائي أو النهائي.
ردود فعل الصحافة والجماهير
تصريحات مارتينيز عن كريستيانو أثارت اهتمامًا واسعًا في الصحف العالمية والمحلية، فقد أكدت الصحف البرتغالية أن رونالدو لا يقل أهمية عن التضحية بالنجم نحو استقطاب مواهب شابة. بينما رأى محللون إسبان أنه قادر على اللعب حتى عام 2026 على الأقل، وأن مستواه سيبقى مقبولًا طالما حافظ على العزيمة التي عرفه بها الجميع منذ بداياته في سبورتينغ لشبونة. وفي وسائل التواصل الاجتماعية، عبر المشجعون البرتغاليون عن امتنانهم لما قدمه رونالدو، مؤكدين أن كلماته تبعث فيهم روح الإصرار والرغبة في المشي على دربه.
خلاصة القول
يظل كريستيانو رونالدو في سن الأربعين نموذجًا فريدًا لا يسير على وتيرة اعتزال محدد مثل بقية النجوم. الحديث عن موعد اعتزاله يشبه الحديث عن الطقس دون جدوى، كما وصفه المدرب روبرتو مارتينيز. وفحصٌ دقيق لمسيرة المهاجم البرتغالي يكشف أنه لا يزال يملك الكثير ليقدّمه لمنتخب بلاده ولاسيما في أدوار الضغط العالي وتنفيذ الكرات الثابتة والهجمات المرتدة السريعة. وفي حال قرر الاستمرار حتى كأس العالم 2026، فمن المتوقع أن يضيف المزيد إلى سجله القياسي ويواصل ارتداء شارة القيادة التي جعلته واحدًا من أعظم لاعبي كرة القدم في تاريخ اللعبة.