هل لا تزال بطولة العالم للأندية تمثل الروح الكروية؟
مع اقتراب موعد انطلاق النسخة الموسعة من بطولة كأس العالم للأندية في الولايات المتحدة في منتصف يونيو الجاري تثار تساؤلات قوية حول مدى قدرتها على محاكاة روح المنافسات العالمية الحقيقية التي تتسم بانتماء الجماهير لبلادهم ودعم المنتخب الوطني دون النظر للمكاسب المالية. إن الحد الفاصل بين البطولة الأصلية ونسختها الأحدث يكمن في طبيعة الفرق المشاركة وطموح الأندية لتحقيق إيرادات مالية ضخمة بعيداً عن شعارات الانتماء للوطن التي تمثل جوهر كأس العالم التقليدي.
الفرق بين البطولة الأصلية والنسخة الموسعة
عند عزف النشيد الوطني لأي منتخب وظهور لاعبي الديوك أو السيليساو تتحرك حماسة الجماهير مثل موجة عارمة توجه رسائل وطنية صادقة تنعكس على مدرجات الملاعب بينما تنشط روحي الأخوة والتضامن بين أبناء الوطن لكن هذه المشاعر لن تجد طريقها بسهولة في نسخة جديدة تجمع بين عناوين أندية من أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا حيث يصبح كل فريق ممثلاً لمالكه وليس لرمزية وطنية.
فريق باسم المال وليس باسم الوطن
أبرز الفروقات بين المسابقتين تكمن في هوية الفرق المشاركة. فمنذ تأسيس البطولة الأولى عام 2000 حتى النسخة الأخيرة قبل التوسيع شاركت أندية حاملة لبطولات الأندية في قاراتها الأربعة فقط، واسم كل نادٍ كان يمثل بلده في المقام الأول. أما النسخة الحالية التي تضم 32 ناديًا فإن ريال مدريد ومانشستر سيتي وتشيلسي وبايرن ميونخ وباريس سان جيرمان والهلال والأهلي المصري وأندية من أمريكا الجنوبية مثل بوكا جونيورز وريفر بليت لن يكون حماس جماهير كل بلد موجهًا بالضرورة لتكسير الإنكليز والأسبان والألمان للنادي المنافس بل سيُعرض على الجميع بوصفه مناسبة تجارية كبرى بهدف تحصيل العائدات المالية من بيع البث التلفزيوني وحقوق الرعاية والإعلانات في ملاعب المدن الأمريكية الكبرى.
توقيت البطولة يثير القلق الفني

أحد أبرز العوامل التي تلقي بظلالها على جدية النسخة الموسعة هو توقيت البطولة إذ تأتي بعد نهاية موسم حافل للغاية في أغلب الدوريات العالمية بما يضع الأندية أمام تحدٍ صعب في الحفاظ على الجاهزية البدنية للفريق فضلاً عن إرهاق اللاعبين الذين خاضوا مباريات محلية وقارية طوال عشرة أشهر. وفي المقابل فإن عرض الفوز بلقب عالمي بحضور جماهيري أمريكي قد لا يكون في أولوياتهم الميدانية بل يعتبرونها محطة لكسب دخل إضافي يتجاوز الملايين.
الجمهور الأمريكي.. هل يهتم حقًا؟
من منظور الحضور الجماهيري يتوقع أن تشهد الملاعب الأمريكية مقاعد شاغرة مقارنة بدرجات الامتلاء في بطولة كأس العالم التقليدية إذ لا توجد رابطة بين جماهير الأندية الأوروبية التي اعتادوا على حضارة الملاعب الأوروبية والأمريكية التي ينتمي إليها غالبية الحضور. ففي اختبار مبسط تظهر الأندية الأمريكية المنافسة في الدوري الأمريكي للمحترفين أنها لا تحظى بحجم الدعم نفسه الذي تقدمه جماهير الأندية الأوروبية الكبرى، ولذا فإن الاهتمام بطقم برشلونة أو ريال مدريد في ميامي سيظل مرتبطًا بقوة قاعدة المشجعين المقيمين على الساحل الشرقي أو الغربي وليس بروح وطنية جامعة.
اللاعبون والمدربون ينظرون إليها باعتبارها فرصة تسويقية
يقول خبراء كرة القدم إن عنصر الانتماء الوطني الذي يمثل جوهر بطولة المنتخبات يختفي أمام الإغراءات المالية في نسخة الأندية الموسعة. فهذه الأخيرة تشبه بطولة ودية مدفوعة الأجر أكثر من كونها منافسة تتطلب أقصى درجات الالتزام الرياضي. وحتى التصريحات الرسمية من مدرب ريال مدريد كارلو أنشيلوتي ومدرب مانشستر سيتي بيب غوارديولا ركزت في حدها الأقصى على استغلال البطولة كاستثمارٍ تسويقيٍ لإبراز العلامة التجارية وتعزيز علاقات النادي في القارة الأمريكية بدلاً من الحديث عن قيمة اللقب على المستوى الفني وكيفية تحفيز اللاعبين للمنافسة الشرسة على أرضية ملعب جديد.
الجانب الاقتصادي يطغى على الجانب الرياضي
من جانب الاقتصاد الرياضي تُدرّ بطولة كأس العالم للأندية الموسعة مبالغ مالية طائلة عبر رعاية الشركات العالمية وبيع تذاكر مبالغ فيها في بعض المباريات خاصة مع اشتداد منافسة سحب الأضواء مع منافسات كأس العالم للسيدات وكأس الأمريكتين في الفترة ذاتها. وبحسب تقارير صحفية فإن الأندية الكبيرة ستحصل على حصة من الإيرادات تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات ما يثير التساؤل حول هدفهم الحقيقي من المشاركة. فهل يسعى الهلال السعودي أو الأهلي المصري للمنافسة على لقب عالمي أم أنها فرصة لتسويق شعاراتهم وبيع قمصانهم في الأسواق الأمريكية والعالمية؟
الاستعداد التجاري يسبق الاستعداد الفني

من المشهدات اللافتة للانتباه أن بعض الأندية دفعت مبالغ ضخمة لتوقيع لاعبين جدد قبل الموعد بشهر واحد فقط تحضيرًا للمشاركة في البطولة المقررة منتصف يونيو. فعلى سبيل المثال ضم ريال مدريد الظهير الإنجليزي تراينت ألكسندر أرنولد مقابل عشرة ملايين يورو قبل أيام من البطولة رغم أن عقده سينتهي مع ليفربول بعد شهر، وهذا يعود إلى رغبة فلورنتينو بيريز في ضمان استعادة مصروفات السفر والتشغيل التي سيخسرها النادي من أجل الجولة الأمريكية عبر ضخ أرقام كبيرة في قيمة القميص وتقليص الخسائر المحتملة.
غياب القيم الوطنية يجعل البطولة بلا روح
من جهة أخرى، يعجز منظمو البطولة عن جذب حسّ الانتماء القوي لدى الجماهير الأوروبية التي ترى أن قيمتها الوحيدة تكمن في أنها ليست بطولة وطنية أو قارية تُنيخ لها ولأصلها التاريخي. وفي نسختها الموسعة يتوقع أن تختفي لافتات الأعلام الوظيفية وتغيب أغاني التشجيع الوطنية ولم يعد تصفيق الجماهير يدل على تزكية فضل إسبانيا أو بريطانيا بل على جودة الاسكتشات الفنية التي يقدمها نجمو الأندية الكبرى إذ سيستمع لاعبو مانشستر يونايتد وإشبيلية وأولمبيك ليون للنشيد الأمريكي قبل بداية المباراة وليس النشيد الخاص بالدول التي تملكهم وأحيانًا لا يعرفون ما هي العلامات الوطنية التي يرتبطون بها جيدًا.
مخاوف من تحويل كرة القدم إلى سلعة
تثير الروح التجارية للنسخة الجديدة مخاوف بعض النقاد الذين يحذرون من أن استمرار مثل هذه البطولات سيجعل كرة القدم العالمية منحازة للمال أكثر من قيمتها الرمزية والاجتماعية والثقافية. فعلى غرار كأس السوبر الأوروبي الذي تحول إلى منصة جني الأرباح واستقطاب فرق بعيدة جغرافيًا عن أوروبا لجذب مشاهدين جدد، فإن مونديال الأندية الموسع يضع الأولوية للصفقات التسويقية على حساب القيم الأصيلة في رياضة لعب القدم.
مستقبل البطولة بين السوق والروح الكروية
ويمكن أن يتحول بقاؤه في روزنامة المنافسات السنوية إلى عامل إرباك في جدول الأندية الذي يزدحم بالفعل بين الدوري المحلي والمسابقات القارية والمنتخبات الدولية. إن السؤال الأبرز في نهاية المطاف هو مدى قدرة الأندية المشاركة على مواصلة البحث عن البطولات والجوائز حتى لو كان حماس مشجعوها محدودًا والنتائج لا تمثل نهاية المطاف بالنسبة لهم.
هل ستنجح النسخة الموسعة في إثبات وجودها؟
فالفرق التي تدخل البطولة وهي تعلم أن موسمها انتهى منذ شهرين قد تتخذ حضورها في الملاعب الأمريكية بذريعة المظهر الإعلامي أكثر من الحرص على الأداء الفني الاحترافي. وربما لن يتمكن شريط الأهداف ولا ظهور نجم سجل ثلاثية في نصف نهائي دوري الأبطال من تعويض غياب روح الانتماء التي تجعل البطولات حية في عيون المشجعين.
اختبار حقيقي لعلاقة الجمهور بالبطولة
ختامًا، تبقى بطولة كأس العالم للأندية بنسختها الجديدة اختبارًا حقيقيًا لعلاقة الجمهور بخريطة التنافس، فهل سيلجأ المشجعون إلى متاجر الهوى ويشترون تذاكر لدعم لاعبين لا يمثلون ألوان بلادهم حقًا؟ أم ستكون مساحة مغلقة لصرف الأموال ونسيان المعاني العميقة التي تكتنزها كرة القدم حين تتصل بروح الوطن والانتماء؟ الأيام المقبلة ستجيب عن مدى قدرة هذه النسخة الموسعة على الاستمرار ونجاحها في جذب أكبر عدد من جماهير اللعبة حول العالم قبل أن تتحول إلى مجرد صفحة في سجل البطولات التي خرجت من القلب لتغوص في مفاهيم الربح والتسويق التجاري المعولم.