
في وقت تشهد فيه الساحة الكروية الهولندية العديد من التساؤلات حول مستقبل بعض نجومها، يبرز ملف ستيفن بيرجفاين كأحد المواضيع الساخنة. فقد أثار جناح نادي الاتحاد البارز جدلاً واسعًا بعد انتقاله من صفوف أياكس أمستردام إلى الدوري السعودي في صيف 2024، مما دفع المدير الفني لمنتخب هولندا، رونالد كومان، إلى استبعاد اللاعب من حساباته الفنية خلال الفترة الماضية. كان قرار كومان مبنيًا على وجهة نظر تكتيكية وفنية، حيث اعتبر أن انتقال لاعب في منتصف مسيرته من قارة أوروبية تنافسية إلى أسواق آسيا والخليج يعد خطوة غير معتادة.
لكن مع تألق بيرجفاين مع نادي الاتحاد وإعادة الإعلام الهولندي فتح ملفه من جديد، بدأت تظهر تساؤلات حول إمكانية استدعائه مرة أخرى لتمثيل المنتخب الوطني الهولندي في المنافسات الدولية القادمة. ففي المؤتمر الصحفي الذي جرى قبل مواجهة المنتخب الإسباني المرتقبة في ذهاب ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية 2024-2025، طُرحت هذه المسألة على لسان كومان، الذي رفض إعطاء إجابة مباشرة وأكد: “عليه أن ينتظر المدرب القادم للمنتخب”.
خلفية الانتقال والاختلاف في الآراء
انتقل ستيفن بيرجفاين إلى نادي الاتحاد مقابل صفقة بلغت قيمتها 21 مليون يورو، وقد وقع اللاعب على عقد يمتد حتى 30 يونيو 2027. وقد جاء هذا الانتقال بعد أن قضى بيرجفاين عدة سنوات في صفوف أياكس، حيث كان يُعتبر من اللاعبين الصاعدين الذين يمتلكون القدرة على التألق في البطولات الأوروبية. لكن انتقاله إلى الدوري السعودي أثار تساؤلات كثيرة في الأوساط الرياضية الهولندية، إذ اعتبر البعض أن الانتقال إلى آسيا في منتصف مسيرة لاعب واعد يعد خطوة قد تضعفه من الناحية الفنية والتنافسية، بينما يرى آخرون أنه فرصة لتجديد الخبرات والتألق في بيئة جديدة.
من جانبه، برر كومان استبعاده لبيرجفاين من حساباته الفنية في البداية بأن الدوري الهولندي يعتبر منافسًا أقوى من الدوري السعودي، وأن قرار الانتقال إلى الخارج قد لا يتماشى مع رؤية المنتخب الوطني في الاستفادة القصوى من اللاعبين الذين يشاركون في الدوريات الأوروبية الكبرى. هذه الرؤية جاءت في وقت كان من المفترض أن يكون فيه بيرجفاين جزءًا من الخطط المستقبلية للمنتخب، لكنه بدلاً من ذلك وجد نفسه خارج الصورة الفنية للمدرب الحالي.
إعادة فتح ملف بيرجفاين: الأداء مع نادي الاتحاد وإمكانية العودة
مع بداية مشاركته في الدوري السعودي، استطاع بيرجفاين أن يثبت جدارته بشكل لافت؛ حيث سجل 10 أهداف وصنع 6 تمريرات حاسمة في 24 مباراة رسمية. هذه الأرقام جعلت الإعلام الهولندي يعيد النظر في ملف اللاعب، خاصةً مع تحقيقه لأرقام جيدة في بيئة تختلف كثيرًا عن تلك التي كان يختبرها في أوروبا. ولم تمر هذه الأرقام دون أن تُثير آمال جماهير منتخب هولندا في إمكانية عودة بيرجفاين إلى صفوف الأخضر.

وفي هذا السياق، أفاد كومان خلال مؤتمر صحفي بأنه تلقى اتصالاً من علي دورسون، وكيل أعمال بيرجفاين، استفسر فيه عن إمكانية إعادة اللاعب إلى المنتخب الهولندي. وأوضح كومان قائلاً: “لقد سألني دورسون عن إمكانية عودة بيرجفاين إلى المنتخب الهولندي، وماذا يمكن أن نفعل لتحقيق ذلك؟” ومع ذلك، شدد كومان على أن القرار يعود في النهاية إلى المدرب القادم للمنتخب، مضيفًا أن عليه أن يكون هناك تواصل مفتوح مع اللاعب لإعادة فتح باب النقاش.
كانت تصريحات بيرجفاين السابقة مع صحيفة “دي تليجراف” الهولندية قد أكدت رغبته في العودة إلى المنتخب الوطني تحت قيادة مدرب مختلف عن رونالد كومان. وقد صرح اللاعب آنذاك بأنه يؤمن بقدراته الكروية وأنه يستطيع أن يقدم مستويات مرتفعة إذا ما منحته الفرصة في بيئة تنافسية مناسبة. هذه التصريحات أدت إلى إعادة طرح الملف في الأوساط الرياضية، حيث يرى البعض أن تغيير المناخ الفني في المنتخب قد يكون هو الدافع الذي يدفع بيرجفاين للعودة وتحقيق إنجازات جديدة
رؤية كومان وشروط العودة المحتملة
على الرغم من رفض كومان الحالي لاستدعاء بيرجفاين، فقد لم يُغلق الباب أمام مستقبل محتمل مع نجم الاتحاد. فقد جاء في تصريحاته أن “على بيرجفاين أن يرفع السماعة ويتصل بي، لنتبادل الحوار، وبعد ذلك سنرى ما يمكن عمله”. هذه العبارة تحمل في طياتها شرطًا واضحًا من كومان؛ فالبحث عن النقطة المشتركة بين اللاعب والمدرب قد يكون هو السبيل لإعادة النظر في ملفه بعد تغيير الإدارة الفنية للمنتخب.
من جهة أخرى، تُشير التحليلات إلى أن عودة بيرجفاين إلى المنتخب قد تكون خيارًا مثيرًا إذا ما تم استحداث بيئة تكتيكية جديدة تضمن له الحرية في اللعب. ففي البطولات الدولية، يحتاج المنتخب الهولندي إلى لاعبين قادرين على إحداث الفارق وإضافة بعد هجومي مبتكر. وبما أن بيرجفاين أثبت جدارته مع نادي الاتحاد، فإن استدعاء اللاعب في حالة التغيير الإداري قد يكون خطوة نحو تعزيز التشكيلة الوطنية ورفع مستوى المنافسة ضد الخصوم الأقوياء مثل إسبانيا وألمانيا.
تأثير التغييرات الفنية على مستقبل المنتخب
إن ملف بيرجفاين ليس بمثابة قضية فردية فحسب، بل يعكس التحديات التي يواجهها المنتخب الهولندي في كيفية استقطاب اللاعبين الذين يلعبون في الخارج، خاصةً من الدوريات غير الأوروبية. ففي ظل المنافسة الشديدة على المستويات الدولية، يتعين على الإدارة الفنية للمنتخب أن تكون أكثر مرونة في التعامل مع ملفات اللاعبين الموهوبين، بغض النظر عن البيئة التي يتألقون فيها. وقد يكون التحول إلى مدرب جديد في المستقبل هو الحافز الذي يفتح الباب أمام لاعبين مثل بيرجفاين للعودة إلى الساحة الدولية.
هذا الملف يعيد إلى الأذهان حالات سابقة شهدت فيها تغييرات فنية أفضت إلى استدعاء نجوم كانوا قد غادروا المنتخب لفترات معينة، ثم عادوا بعد تغير الظروف الإدارية والتكتيكية. إذ أن المنتخب الهولندي، الذي لطالما تميز بأسلوبه الفني الراقي، يحتاج إلى لاعبين قادرين على تحمل المسؤولية وتقديم مستويات مرتفعة في المباريات الحاسمة. وفي هذه الحالة، قد يكون بيرجفاين أحد الخيارات التي يمكن أن يدرسها المدرب القادم في إطار إعادة بناء الفريق وتعزيز صفوفه بمواهب دولية.
نظرة مستقبلية: خطوات نحو إعادة الإحياء

في النهاية، يبقى ملف ستيفن بيرجفاين موضوعًا مفتوحًا للتداول بين النقاد والمحللين في الأوساط الكروية الهولندية. وبينما يواصل المدرب الحالي، رونالد كومان، التزامه بخططه الفنية التي تستبعد اللاعب في الوقت الراهن، تُظهر تصريحات وكيل بيرجفاين ورغبة اللاعب في العودة جانبًا آخر من الصورة. من الواضح أن المستقبل يحمل إمكانية لتغيير معالم الملف مع وصول المدرب الجديد للمنتخب، الذي قد يرى في تجربة بيرجفاين مع نادي الاتحاد فرصة لإعادة اللاعب إلى النظام الوطني في ظل خطة تكتيكية جديدة.
يطرح هذا الملف تساؤلات عميقة حول كيفية تفاعل اللاعبين الذين يختارون مواصلة مسيرتهم في البطولات العالمية خارج أوروبا مع متطلبات المنتخب الوطني، وكيف يمكن للإدارة الفنية إيجاد الحلول التي تحقق التوازن بين الخبرة والموهبة. ومن هنا، فإن النقاش حول عودة ستيفن بيرجفاين يمثل جزءًا من تحديات أكبر يواجهها المنتخب الهولندي في سعيه لتحقيق نتائج مبهرة في المنافسات الدولية القادمة.
إن ما يحدث الآن قد يكون بداية لفصل جديد في تاريخ المنتخب الهولندي، حيث تُمنح الفرصة للاعبين الذين يتألقون في بيئات مختلفة لإظهار مواهبهم على مستوى عالمي. والقرار الذي سيتخذه المدرب القادم سيكون له بالغ الأثر في تحديد مستقبل العديد من اللاعبين، بما في ذلك بيرجفاين، الذي يحمل في جعبته الكثير من الإمكانيات التي يمكن أن تثري تشكيلة المنتخب إذا ما تم استغلالها بالشكل الصحيح.