في واحدة من أكثر أمسيات الدوري الأوروبي إثارةً هذا الموسم، شهد ملعب أولد ترافورد عرضًا كرويًا استثنائيًا انتهى بتأهل مانشستر يونايتد إلى نصف نهائي البطولة بعد مباراة ملحمية أمام أولمبيك ليون الفرنسي، وفي الجهة الأخرى تعثرت آمال لاتسيو الإيطالي بعد إخفاقه في ترجمة ركلات الجزاء أمام بودو/غليمت النرويجي، ليغادر الدور ربع النهائي من الباب الضيق.
بداية مثالية وانطلاقة سريعة
لم يمضِ من زمن مواجهة الإياب في ربع نهائي الدوري الأوروبي حتى انفجر ملعب أولد ترافورد بأصوات الجماهير المحتشدة التي حضرت خصيصًا لدعم الشياطين الحمر بعد تعادل الذهاب 2-2 على أرض ليون. الدقيقة العاشرة كانت كفيلةً بأن تشعل الحماس، عندما راوغ مانويل أوغارتي دفاع الضيوف قبل أن يرسل كرة متقنة نحو المرمى، ليحرك شباك الحارس أنتوني لوبيز ويمنح فريقه الصدارة مبكرًا.
وقبل أن يلتفت الجميع إلى الشوط الثاني، ضاعف دييغو دالوت الغلة في الدقيقة 44 بتسديدة من داخل المنطقة، بعد تلقيه تمريرة طولية مميزة من كاسيميرو، منهيةً الشوط الأول بهدفين نظيفين لصالح أصحاب الأرض. بدا يونايتد على طريقٍ واضح نحو نصف النهائي، لكن المفاجآت لم تكن بعيدة.
ردّ سريع وضغوط فرنسية

مع انطلاق الشوط الثاني، خرج ليون بأسلوب هجومي أقوى مع إشراك صانع الألعاب تاتي زواني لتعويض تأخره في مجموع الذهاب، وهو ما أثمر هدف تقليص الفارق في الدقيقة 50 عبر كورنتين توليسو الذي استفاد من كرة مرتدة من القائم الأيسر لهوجو لوريس. ولم تمر سوى ثلاث دقائق حتى أضاف نيكولاس تاغليافيكو الهدف الثاني للضيوف، مستغلاً ارتباكَ دفاع يونايتد وسوء التغطية، ليُدخل المدرجات في نوبة من الترقب والخوف.
ردة فعل يونايتد وتركيز دفاعي
رغم الضغط المتواصل من الجانب الفرنسي، استعاد مانشستر توازنه سريعًا، فدخل إضافة ماركوس راشفورد وغيره من العناصر الشابة، ليُعيد الهدوء بشكل نسبي إلى الأداء. شهدت الدقائق التالية تنقلًا بين هجمات الطرفين، مع أفضلية نسبية لليون في الاستحواذ على الكرة (55% مقابل 45% ليونايتد) وتسديدات وصلت إلى 14 محاولة مقابل 11، لكن دون خطورة فعلية تكاد تُذكر.
امتداد الإثارة إلى الأوقت الإضافي
حافظ التعادل (2-2) على نتيجة مجموع المباراتين (4-4) حتى صافرة النهاية، ليُجبر الفريقين على خوض شوطين إضافيين، ما رفع منسوب التوتر في المدرجات. ومع حلول الدقيقة 105، بدا أن ليون سيحسم النتيجة حينما استغل النقص العددي لدى يونايتد وتقدم بهدف ثالث عبر ألكسندر لاكازيت، مكررًا سيناريو الصدمة الأول على أرض أولد ترافورد.
إلا أن الشياطين الحمر لم يرضخوا للأمر الواقع، فقاد برونو فيرنانديز الرد بوضع الكرة على علامة الجزاء في الدقيقة 117، مسددًا بقوة إلى الزاوية اليسرى، قبل أن يضيف كوبري ماينوز التعادل في اللحظات القاتلة (120+1)، صانعًا أجواءً هيستيرية بين الجماهير الحاضرة.
كلمة أخيرة قبل ركلات الجزاء
بينما كان الجميع يتهيأ لمعركة الحظ من علامة الجزاء، خطف هاري ماغواير الأنظار في الدقيقة 120+2 برأسية قاتلة إثر عرضية متقنة من كاسيميرو، مانحًا هدفًا خامسًا «مجنونًا» في مباراة ستُخلّد في تاريخ أولد ترافورد وعالم كرة القدم الأوروبي. احتفل اللاعبون والمدرب روبن آموريم بإنجاز تأهل الفريق إلى المربع الذهبي، حيث ينتظرهم مواجهة نارية أمام أتلتيك بلباو.
مأساة ركلات الجزاء تلاحق لاتسيو

على الجهة الأخرى، عاشت جماهير لاتسيو ليلة محزنة في نورسيا عندما أخفق فريقها في ترجمة ركلات الجزاء خلال مباراة الإياب أمام بودو/غليمت. انتهت المباراة بالتعادل السلبي للأوقات الأصلية والإضافية، لكن الفريق النرويجي كان الأدق من نقطة الجزاء، ما أنهى حلم النسور في التقدم إلى نصف النهائي وأشعل فرحة عارمة لدى المنافس الغير متوقع.
ماذا تعني هذه النتائج؟
- مانشستر يونايتد يثبت مجددًا قدرته على قلب الطاولات في اللحظات الحاسمة، ويبرهن على عمق قائمته وقدرة المدرب آموريم على إدارة المباريات الكبرى.
- ليون خرج بتجربةٍ أليمة من قلب أولد ترافورد، رغم الأداء القوي وردود الفعل السريعة، ويحتاج إلى مراجعة حسابات الدفاع والهجمات المنظمة.
- لاتسيو واجه وحظًا عاثرًا أمام ركلات الجزاء، ويفتقر إلى الهدوء النفسي في اللحظات الحرجة، ما يطرح تساؤلات حول استعدادات الفريق لمعالجة مثل هذه المواقف مستقبلًا.
- بودو/غليمت خطف بطاقة مفاجئة للربع النهائي، مؤكّدًا أن كرة القدم الأوروبية لا تعترف بحجم الأندية فقط، بل بالجدة والحظه الداعم للمجهود الفردي والجماعي.
التحديات المقبلة
ينتظر مانشستر يونايتد اختبارًا حقيقيًا أمام أتلتيك بلباو الذي أظهر بدوره تفوقًا تكتيكيًا في دور الثمانية، ما يجعل نصف النهائي مواجهة «نارية» يمكن أن تُحدّد مصير لقب الدوري الأوروبي لهذا العام. على الجانب النفسي، ستمنح ليلة أولد ترافورد دفعة معنوية هائلة للشياطين الحمر، في حين سيبحث بلباو عن التحدي الإسباني التقليدي في الأدوار الحاسمة.
ختامًا، رسّخت هذه الجولة من ربع نهائي الدوري الأوروبي مقولة أن البطولة مليئة بالمفاجآت واللحظات الدرامية التي تستحق الوقوف عندها، وأن كلمة الحسم لا تأتي دائمًا من أسماء الفرق الكبيرة، بقدر ما تعتمد على استعداد اللاعبين وقدرتهم على تحويل الفرص إلى انتصارات لا تُنسى.