
لطالما كانت العلاقات بين اللاعبين والمدربين محور حديث الوسط الرياضي، وفي عالم كرة القدم الحديثة لم يعد الاختلاف في وجهات النظر مجرد جدال بسيط بل يتحول إلى عامل حاسم يؤثر على مسارات اللاعبين ومستقبل الفرق. في هذا السياق، يتحدث الظهير الأيمن البرتغالي جواو كانسيلو، الذي تألق في عدة بطولات أوروبية مع أندية كبرى، عن تجربته الشخصية التي أدت به إلى اتخاذ قرار الانتقال إلى نادي الهلال السعودي، من خلال سرد الأسباب التي دفعته للابتعاد عن مدربه السابق بيب جوارديولا في مانشستر سيتي.
منذ بدايات مسيرته الاحترافية، عرف كانسيلو بقدرته على التأقلم مع المتغيرات الكروية والتكيف مع أساليب التدريب المختلفة. وعلى الرغم من أن الفترة التي قضاها مع مانشستر سيتي شهدت له نجاحات كبيرة على الصعيد الفني والبطولات المحلية والأوروبية، إلا أن الخلاف الذي نشب بينه وبين المدرب الكتالوني تحول إلى نقطة فاصلة في مسيرته. في مقابلة تلفزيونية مع قناة “Canal 11” البرتغالية، كشف كانسيلو عن أن خلافه مع جوارديولا لم يكن مواجهة شخصية بالمعنى التقليدي، بل كان نابعًا من اختلاف وجهات النظر حول أسلوب اللعب والتوزيع الفني للمهام داخل الملعب.
كانسيلو يذكر بأن الاختلافات التي ظهرت كانت نتيجة لاختلاف شخصيات قوية، حيث يتمتع كلاهما بشخصية قيادية وأسلوب فريد في إدارة الأمور الكروية. ومع ذلك، اعترف كانسيلو بأن المسؤولية تقع على عاتق المدرب، مؤكداً أن جوارديولا هو من قاد المسيرة التدريبية واتخذ القرارات النهائية في تلك الفترة. وفي تصريحاته، أشار إلى أن تصريحات المدرب بشأن ضرورة أن يكون اللاعب راضيًا عن المداورة وعدد الدقائق التي يحصل عليها كانت بمثابة إشارة صريحة إلى أنه ينبغي على كل لاعب أن يتكيف مع نظام الفريق، دون اعتبار للفروق الشخصية أو اختلاف أساليب اللعب.
من جانب آخر، تناول كانسيلو تجربته في مانشستر سيتي باعتبارها مرحلة ثرية بالدروس والتجارب التي شكلت تطوره الكروي. فقد أشار إلى أن أفضل لحظاته كانت حينما كان يحضر التدريبات والمباريات وهو يشعر بمدى أهميته في المجموعة، حيث كانت البيئة تنافسية ومحفزة تتيح له تطوير مهاراته الفنية والبدنية. ورغم هذه التجارب الإيجابية، جاءت مرحلة الخلاف لتضع علامة فارقة في مسيرته، إذ أدت إلى إعارة اللاعب إلى أندية كبرى مثل بايرن ميونخ وبرشلونة خلال موسمي 2022-23 و2023-24، مما سمح له بتجربة مستويات مختلفة من المنافسة الأوروبية قبل أن يقرر الانتقال بصورة نهائية إلى الهلال في الصيف الماضي.
ولعل أحد الأسباب المحورية التي دفعته للانتقال كان الشعور بعدم التوافق التام مع نظام إدارة الفريق في مانشستر سيتي، والذي أدى إلى تزايد الفجوات بين توقعات المدرب وأهداف اللاعب الشخصية. ففي تصريحات لاحقة، أوضح كانسيلو أن لديه رؤية مختلفة حول كيفية استغلال موهبته في الملعب، وأن اختلاف الرؤى أصبح عقبة أمام تحقيق التوازن المطلوب بين الجانبين الفني والشخصي. هذه الرؤية الشخصية كانت هي الدافع الذي دفعه للبحث عن بيئة جديدة تسمح له بإظهار كامل إمكانياته دون قيود تقنية أو شخصية قد تؤثر على أدائه.

وعندما تحدث كانسيلو عن مدربه السابق، لم يخفِ تقديره لعبقرية بيب جوارديولا في تطوير كرة القدم، خاصةً من خلال تقديمه لفكرة الظهير المقلوب التي أحدثت تحولًا كبيرًا في فهم دور الظهير داخل الملعب. فقد أشار إلى أن هذه الفكرة غيرت رؤيته للمباراة وجعلته ينظر إلى كرة القدم من زاوية جديدة، مما أكسبه خبرة لا تُقدر بثمن. ومع ذلك، فإن الاختلاف في الآراء حول كيفية تطبيق هذه الأفكار على أرض الملعب كان من بين الأسباب التي أدت إلى تباعد مساراتهما تدريجيًا.
انتقال كانسيلو إلى الهلال يمثل خطوة جريئة في مسيرته الاحترافية، خاصةً في ظل البيئة الكروية السعودية التي تشهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. هذا الانتقال لم يكن مجرد انتقال بين قارتين، بل كان بمثابة تغيير جذري في أسلوب الحياة والتعامل مع ضغوط المباريات الكبيرة. فالهلال يُعد من الأندية التي تسعى جاهدة إلى تعزيز مكانتها في البطولات القارية والدولية، وتوفير بيئة احترافية متكاملة للاعبين تمكنهم من التركيز على الأداء الفني دون التدخلات الإدارية أو الاختلافات الشخصية التي قد تؤثر على الروح الجماعية.
في حديثه عن الأسباب التي دفعته للانتقال، تحدث كانسيلو عن عدة عوامل جعلت من الهلال الخيار الأمثل له، منها الشعور بأن النادي يقدم له فرصة للعب دور أساسي في خطط الفريق المستقبلية، بالإضافة إلى البيئة التدريبية التي تتيح له العمل مع جهاز فني محترف يسعى لتحقيق أعلى النتائج. وأضاف أن وجود تحديات جديدة ورغبة في إثبات نفسه في بيئة جديدة كانا من الدوافع التي جعلته يتخذ قرار الانتقال، معتبرًا أن هذه الخطوة ستساهم في تعزيز مكانته كلاعب وإضافة تجارب جديدة إلى سجله الاحترافي.
على صعيد المسيرة الرياضية، يمتلك كانسيلو سجلًا حافلًا بالألقاب والإنجازات مع أندية مختلفة في الدوريات الأوروبية الكبرى. فقد توج بالعديد من البطولات، سواء في الدوري الإنجليزي أو الإيطالي أو الألماني، إضافة إلى تحقيقه للقب دوري الأمم الأوروبية مع منتخب البرتغال. كل هذه الإنجازات تشهد على مستوى الأداء العالي الذي يتمتع به، وأنه قادر على المنافسة في أعلى مستويات كرة القدم العالمية. ومنذ انضمامه للهلال، شارك كانسيلو في عدد كبير من المباريات وقدم أداءً مميزًا في مختلف المسابقات، حيث سجل هدفين وقام بصناعة العديد من الفرص الحاسمة، رغم التعرض لإصابة في العضلة الخلفية أدت إلى توقفه عن الملاعب لفترة مؤقتة.

وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجه أي لاعب خلال مسيرته، فإن التحديات التي مر بها كانسيلو مع جوارديولا ما تزال تُعتبر درسًا مهمًا في كيفية التعامل مع اختلاف وجهات النظر بين اللاعب والمدرب. فكل تجربة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، تُشكل جزءًا من رحلة النضوج الكروي والشخصي. ومن خلال تلك التجارب، استطاع كانسيلو أن يبني شخصيته كلاعب محترف يتمتع بجرأة اتخاذ القرارات وقدرة على إعادة توجيه مساره بما يخدم طموحاته الرياضية.
لا يمكن الحديث عن هذه التجربة دون الإشارة إلى أهمية التواصل والتفاهم بين اللاعب والمدرب، خاصةً في الفرق التي تسعى لتحقيق النجاح في البطولات الكبرى. فالتفاهم الواضح والاحترام المتبادل بين الطرفين يُعدان من أهم العوامل التي تسهم في تحقيق الانسجام داخل الفريق، وفي حالات الاختلاف قد يكون من الضروري البحث عن حلول وسط تضمن تحقيق الأهداف المشتركة دون المساس برؤية كل من الطرفين. وفي هذا السياق، كانت تجربة كانسيلو درسًا للجميع عن مدى تأثير الاختلاف في الآراء على الأداء الفردي والجماعي، وعن ضرورة وضع الخطط التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل لاعب.
يظهر جواو كانسيلو في تصريحاته تقديرًا للخبرات التي اكتسبها خلال مسيرته مع مدربين كبار، لكنه يؤكد أن لكل مرحلة تحدياتها وفرصها الخاصة. فالانتقال إلى الهلال لم يكن بمثابة إنهاء لعهد معين، بل هو بداية فصل جديد يحمل في طياته الكثير من التحديات والفرص لتحقيق المزيد من الإنجازات. هذه الخطوة تُعد أيضًا تأكيدًا على أن لكل لاعب الحق في البحث عن البيئة التي تلبي تطلعاته الشخصية والمهنية، وأن النجاح لا يأتي إلا من خلال اتخاذ القرارات التي تخدم مسيرته وتساعده على تحقيق أحلامه.
من المؤكد أن تجربة كانسيلو تفتح باب النقاش حول العلاقة بين اللاعبين والمدربين وكيف يمكن للفروق الشخصية والاختلاف في الرؤى أن تُشكل تحديًا في الفرق الكبيرة. فبينما يعتبر بعضهم أن الاختلاف في الآراء يُثري بيئة العمل ويساهم في تطوير الخطط الفنية، يرى آخرون أنه قد يؤدي إلى انقسام داخلي يؤثر سلبًا على الأداء الجماعي. وفي هذه الحالة، تظهر أهمية إيجاد توازن بين الأسلوب الفني والروح الجماعية، وهو ما يجب أن يكون هدف كل فريق يسعى لتحقيق النجاح في المستويات العليا.
تجربة جواو كانسيلو هي بمثابة مرآة تعكس التحديات التي قد يواجهها أي لاعب في عالم كرة القدم الاحترافية. فكل مرحلة تحمل في طياتها قصصًا وحكايات تؤثر على مسار اللاعب، سواء كانت تلك القصص تتعلق بالنجاحات الباهرة أو بالتحديات الصعبة التي يجب تجاوزها. ومن خلال مشاركة تجاربه، يساهم كانسيلو في إضاءة بعض جوانب الحياة الكروية التي غالبًا ما تبقى خلف الكواليس، وتُظهر الجانب الإنساني الذي يتخلل كل قرار يتم اتخاذه في الملعب.
ما يجعل هذه القصة أكثر تأثيرًا هو القدرة على تحويل التحديات إلى دوافع للنجاح، وهو ما أثبته كانسيلو من خلال مسيرته المتعددة البطولات والإنجازات. ففي كل مرحلة، كان عليه أن يتعلم من تجاربه ويستخلص العبر التي تساعده على تطوير نفسه كلاعب وكشخص. وهذا ما يجعل قرار الانتقال إلى الهلال ليس مجرد تغيير في النادي، بل هو قرار يتسم بالجرأة والإصرار على البحث عن بيئة جديدة تتيح له الازدهار وإظهار أفضل ما لديه.
ومع استمرار مسيرته مع الهلال، ينتظر المشجعون والجمهور تحولات جديدة قد تُعيد تعريف مستقبل اللاعب في عالم كرة القدم العربية والدولية. إن هذه التجربة تُظهر أن الرياضة لا تقتصر على الأرقام والألقاب فقط، بل هي رحلة من التحديات والتعلم والنمو الشخصي والمهني. وبينما يستمر كانسيلو في مسيرته مع الهلال، فإن كل مباراة وكل تمريرة تُعد خطوة نحو تحقيق المزيد من النجاحات التي تضاف إلى سجله الحافل بالإنجازات.
في النهاية، تكشف قصة جواو كانسيلو عن صورة متعددة الأبعاد لعالم كرة القدم، حيث تتقاطع العواطف مع الأحلام والطموحات، ويصبح كل قرار خطوة نحو مستقبل جديد يتشكل من خلال تجارب الحياة المختلفة. هذه الرحلة الكروية تُعد درسًا في كيفية مواجهة التحديات بإصرار وتصميم، والقدرة على تحويل الفروقات في الآراء إلى دافع للنمو والنجاح على أرض الملعب.