
في جلسة حضرها عدد من المسؤولين والخبراء الرياضيين في الرياض، صدمت تصريحات الإعلامي القطري محمد سعدون الكواري الكثير من المتابعين، إذ أشار إلى ضرورة أن يكون الشخص الذي يتولى منصبًا رياضيًا في قطر من مشجعي نادي السد، بينما يجب على المسؤول في المملكة العربية السعودية أن يكون من عشاق نادي الهلال. جاءت هذه التصريحات في إطار جلسة تناولت رحلة المملكة لاستضافة كأس العالم 2034، وهي المناسبة التي أسفرت عن تصريحات أثارت جدلاً واسعًا في الوسط الرياضي والإعلامي.
أوضح الكواري خلال الجلسة التي نقلتها قناة “الإخبارية” السعودية أن المعايير التي يتم بها تعيين المسؤولين الرياضيين في قطر والسعودية تتأثر بشكل كبير بانتماءاتهم الكروية؛ إذ ذكر قائلاً: “في قطر لو أردت أن تتولى منصبًا رياضيًا لا بد وأن تكون سداويًا، وفي السعودية يجب أن تكون تُشجع نادي الهلال”. هذه العبارة التي أثارت الكثير من التساؤلات حول موضوع الانتماءات الرياضية وتأثيرها على الإدارة الرياضية، جعلت الآراء تنقسم بين مؤيد ومعارض لهذه الفكرة.
إن تصريحات الكواري جاءت في وقت حساس، إذ تشهد المملكة العربية السعودية تحضيرات مكثفة لاستضافة كأس العالم 2034، الذي أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” عن إسناده إليها في ديسمبر 2024. ويعد هذا الحدث الرياضي من أكبر المحافل العالمية، مما يستدعي وجود جهاز إداري رياضي يتمتع بالكفاءة والحيادية. إلا أن تصريحات الكواري، التي تربط التعيينات الرياضية بانتماءات أندية معينة، أثارت تساؤلات حول مدى إمكانية تحقيق العدالة والمساواة في الاختيارات داخل المؤسسات الرياضية.
على الرغم من أن تصريحات الكواري قد تبدو للوهلة الأولى مجرد آراء شخصية تحمل طابع الدعابة أو حتى السخرية، إلا أنها تحمل في طياتها رسالة تتعلق بعالم السياسة الرياضية والعلاقات بين الأندية والمسؤولين. ففي قطر، يُعرف عن نادي السد تاريخٌ حافل بالإنجازات والنجاحات، ما يجعله رمزًا يجذب إليه العديد من المحللين والمشجعين. وعلى النقيض من ذلك، يعد نادي الهلال في المملكة السعودية أحد الأندية التي لها قاعدة جماهيرية ضخمة، وقد حظي بمكانة خاصة في الأوساط الرياضية السعودية. وربط الكواري بين التعيينات الرياضية وهذه الانتماءات يفتح باب النقاش حول ما إذا كان من المناسب أن تؤثر الولاءات الكروية على قرارات التعيين والإدارة في الأجهزة الرياضية.
وتصاعدت ردود الفعل إثر تصريحات الكواري، حيث عبر عدد من مشجعي نادي الهلال عن آرائهم بشكل علني على مواقع التواصل الاجتماعي. ففي تعليق لافت، قال أحد المشجعين: “هذا هو السبب في أن الهلال عاقب نفسه بسبب كنو ومنح الفرصة للنصر للحصول على كريستيانو رونالدو؛ هذا ما يحتاج كلام من الخارج بل نحن داخل الدوري ونرى هذا الأمر”. وقد اعتبر البعض أن مثل هذه التصريحات تُظهر صراعًا داخليًا بين من يتبعون مبدأ الحيادية وبين من يرون أن الولاءات الكروية يجب أن تكون جزءًا من ثقافة الإدارة الرياضية في المنطقة.

ولا تقتصر أهمية هذه التصريحات على الجانب الإداري فقط، بل تمتد إلى تأثيرها على أجواء المنافسة داخل الملاعب. ففي ظل التحضيرات لاستضافة كأس العالم 2034، يتطلع المسؤولون إلى تقديم صورة احترافية ومتميزة عن البيئة الرياضية في السعودية. إلا أن مثل هذه الآراء قد تُدخل عنصر التشويش في صورة الجهاز الإداري، خاصة إذا ما أدت إلى تفريق الآراء داخل صفوف العاملين والمشجعين على حد سواء. فالمجتمع الرياضي اليوم يتطلب مستوى عاليًا من الاحترافية والشفافية في اتخاذ القرارات، ما يجعل أي تصريحات قد تُربط بين الانتماءات الرياضية والاختيارات الإدارية أمرًا حساسًا يحتاج إلى دراسة دقيقة.
ومن جهة أخرى، يجب النظر إلى تصريحات الكواري في سياق أوسع يتعلق بالتاريخ الرياضي في كلٍ من قطر والسعودية. ففي قطر، يمتلك نادي السد إرثًا رياضيًا عريقًا، وقد ساهم في بناء الهوية الكروية للبلاد، بينما يمثل نادي الهلال رمزًا للتفوق في المملكة العربية السعودية. وفي هذا الإطار، يرى بعض المحللين أن انتماء المسؤولين الرياضيين لتلك الأندية قد يكون انعكاسًا لطبيعة المنافسة المحلية التي تتسم بالتنافس الشديد على الأماكن القيادية داخل المؤسسات الرياضية. ومع ذلك، فإن ربط التعيينات المهنية بتلك الانتماءات قد يؤدي إلى إعاقة تطور الجهاز الإداري وتقديم الخدمات الرياضية على مستوى عالمي، وهو ما يتعارض مع متطلبات استضافة حدث ضخم مثل كأس العالم.
وفي ضوء ما تقدم، يتبين أن تصريحات الكواري قد فتحت الباب لمزيد من النقاش حول موضوع معايير التعيين في الكيانات الرياضية. فمن ناحية، يرى البعض أن الانتماءات الكروية قد تكون مؤشرًا على الشغف والتفاني في العمل الرياضي، إذ إن الشخص الذي ينتمي لنادي معين غالبًا ما يكون لديه معرفة عميقة بثقافة هذا النادي وقيمه. ومن ناحية أخرى، يؤكد المعارضون على أن التعيينات يجب أن تستند إلى الكفاءة والاحترافية دون تدخل أي اعتبارات شخصية أو انتماءات نادٍ. وفي هذا السياق، يُذكر أن التجارب الدولية أثبتت أن النجاح في إدارة البطولات الكبرى يتطلب جهازًا إداريًا متماسكًا يخلو من التحيزات، ما يضمن تقديم أفضل الخدمات للرياضيين والمشجعين على حد سواء.
وفيما يتعلق بالاستعدادات الحالية لاستضافة المملكة لكأس العالم 2034، فإن هذه التصريحات تأتي في وقت يُنتظر فيه من المسؤولين الرياضيين تقديم رؤية واضحة حول كيفية تنظيم البطولة على أعلى مستوى، وضمان بيئة منافسة نزيهة وعادلة. فالاستضافة تُعد فرصة كبيرة لتعزيز البنية التحتية الرياضية وإبراز صورة المملكة كدولة رياضية عالمية، لكن ذلك يتطلب إدارة ناجحة تخلو من أي اعتبارات قد تؤثر على مصداقيتها.
من جانب آخر، تأتي تصريحات الكواري لتثير تساؤلات حول مدى تأثير السياسة والأندية الكبيرة على العمليات الإدارية في المنطقة. فقد شهدت السنوات الأخيرة تحولًا ملحوظًا في المشهد الرياضي، حيث أصبحت المنافسة بين الأندية والمؤسسات الرياضية على أعلى المستويات أكثر حدة، مما دفع بعض الجهات إلى التفكير في كيفية الحفاظ على حيادية الجهاز الإداري. وفي هذا السياق، تُعد تصريحات مثل تلك التي أدلى بها الكواري بمثابة مرآة تعكس التحديات التي تواجهها المؤسسات الرياضية في عصر تتداخل فيه السياسة والرياضة بشكل كبير.
على صعيد آخر، يتزايد الحديث في الأوساط الرياضية عن ضرورة تطوير معايير احترافية لتعيين المسؤولين الرياضيين، تركز على الكفاءة والخبرة بعيدًا عن الانتماءات الشخصية. فالتجارب الدولية تشير إلى أن تحقيق النجاحات الكبرى في تنظيم البطولات يتطلب جهازًا إداريًا يتمتع برؤية استراتيجية واضحة وقدرة على اتخاذ القرارات بسرعة وحيادية تامة. ومن هذا المنطلق، يرى البعض أنه يجب إعادة النظر في أساليب التعيين الحالية والعمل على وضع آليات تضمن أن يتم اختيار الأشخاص الأكثر كفاءة ومهنية دون اعتبار لعوامل قد تُشوه صورة الجهاز الإداري.

وفي هذا السياق، يجدر الإشارة إلى أن تصريحات الكواري قد أدت إلى تفاعل واسع النطاق بين المشجعين والإعلاميين. فقد أثارت هذه الآراء نقاشًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تبادل المستخدمون وجهات نظرهم حول مدى تأثير الانتماءات الكروية على الأداء الإداري. وقد ظهر في هذه النقاشات تأييد من بعض الفئات ترى أن لكل نادي ثقافته الخاصة، بينما يدعو آخرون إلى ضرورة أن يكون الاختيار مبنيًا على الكفاءة فقط دون تدخل أي اعتبارات شخصية. وهذا التنوع في الآراء يعكس عمق التحديات التي تواجهها المؤسسات الرياضية في ظل بيئة تتسم بالتنافس الشديد والتأثير المتبادل بين السياسة والرياضة.
ولا يقتصر الجدل على الجانب الداخلي فقط، بل يمتد أيضًا إلى الأبعاد الدولية، حيث يشهد العالم اهتمامًا متزايدًا بمسألة الحيادية في الإدارة الرياضية خاصة في الدول التي تستعد لاستضافة أحداث كروية ضخمة مثل كأس العالم. ففي ظل هذه التوقعات، يُنظر إلى تصريحات مثل تلك التي أدلى بها الكواري على أنها إشارة إلى الحاجة الملحة لتعزيز معايير الحيادية والشفافية في جميع مستويات الإدارة الرياضية، مما يُعد خطوة ضرورية لتحقيق مستوى عالمي من الاحترافية.
من المؤكد أن مثل هذه التصريحات تفتح مجالاً واسعًا للنقاش حول مستقبل الإدارة الرياضية في المنطقة، خصوصًا مع اقتراب موعد استضافة كأس العالم 2034، والذي يمثل تحديًا كبيرًا للجهات المنظمة على كافة الأصعدة. فالمسؤولون مطالبون بتقديم نموذجٍ إداري ناجح يخلو من أي تحيز، ليكون قادرًا على تنظيم البطولة في أجواء متميزة تتماشى مع أعلى المعايير الدولية. وفي الوقت نفسه، تبرز الحاجة إلى تطوير برامج تدريبية وتطويرية تركز على تعزيز الكفاءة المهنية لدى المسؤولين الرياضيين، بحيث يكون الاختيار مبنيًا على معايير موضوعية تضمن تقديم أفضل أداء ممكن.
كما أن النقاش الذي أُثير من خلال تصريحات الكواري يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات الرياضية في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية الجارية. ففي عصر أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في نقل الأحداث وردود الفعل، أصبحت مثل هذه التصريحات تؤثر بشكل مباشر على الرأي العام وتُحدث تأثيرًا كبيرًا في المشهد الرياضي. وهذا يتطلب من المسؤولين والجهات المنظمة العمل على وضع استراتيجيات تواصل فعّالة تُقلل من تأثير التصريحات المثيرة للجدل، وتُعزز من صورة الجهاز الإداري ككيان محترف يسعى لتحقيق العدالة والشفافية.
وفي خضم هذه الأحداث، تستعد المملكة السعودية لمواجهة تحديات كبيرة على صعيد المنافسات المحلية والدولية. فإلى جانب الاستعدادات الكبيرة لاستضافة كأس العالم 2034، يواجه نادي الهلال منافسات شرسة في الدوري المحلي، حيث يترقب الجماهير مواجهات من العيار الثقيل، مثل المواجهة القادمة ضد الاتحاد في الكلاسيكو ضمن منافسات دوري روشن السعودي للمحترفين. وقد شهد الهلال في الفترة الماضية أداءً مميزًا، إذ ودع بطولة كأس خادم الحرمين الشريفين من دور الربع نهائي، كما حسم صعوده إلى دور الـ16 ببطولة دوري أبطال آسيا للنخبة، مما يزيد من الضغوط على الجهاز الإداري للتأكيد على الحيادية والكفاءة في ظل كل هذه النجاحات والتحديات.
ومن جهة المشجعين، يتجلى الانقسام بين الآراء حول تصريحات الكواري، إذ يرى بعضهم أن مثل هذه الآراء تساهم في تعزيز روح المنافسة بين الأندية، بينما يعتقد آخرون أنها قد تؤدي إلى انقسامات داخلية تُضعف من كفاءة الجهاز الإداري وتؤثر على صورة الرياضة بشكل عام. وفي هذا السياق، يصبح من الضروري على المسؤولين تناول هذه القضية بجدية والعمل على إيجاد حلول عملية تُعيد الثقة في النظام الإداري الرياضي، سواء على مستوى قطر أو السعودية.
يظهر أن تصريحات الكواري لم تكن مجرد كلمات تُقال عابرة، بل حملت في طياتها إشارة إلى واقع معقد تتداخل فيه السياسة مع الرياضة، حيث تلعب الانتماءات الكروية دورًا قد يكون أكبر مما يُعتقد في تشكيل قرارات التعيين والإدارة. وفي ضوء ذلك، يتوجب على الجهات المعنية البحث عن آليات جديدة لضمان أن يكون الاختيار بناءً على الكفاءة والقدرة على الإدارة، دون أن يترك المجال لأي تحيز نادٍ أو شخصي يمكن أن يؤثر سلبًا على مستوى الأداء الرياضي.
تأتي هذه الأحداث في وقت يتزايد فيه الحديث عن أهمية الحيادية والشفافية في جميع مستويات العمل الرياضي، لا سيما في الدول التي تسعى لاستضافة أحداث كبرى على المستوى العالمي. فالتحدي الذي تواجهه المؤسسات الرياضية اليوم يكمن في كيفية المحافظة على توازن دقيق بين الشغف الرياضي والانتماءات الشخصية، وبين الحاجة إلى تحقيق العدالة والموضوعية في عملية التعيين الإداري.
وبينما تستمر الجلسات والاجتماعات لمناقشة خطط الاستضافة والتحضيرات اللازمة لكأس العالم 2034، يبقى السؤال قائمًا حول مدى تأثير مثل هذه التصريحات على مستقبل الإدارة الرياضية في المنطقة. ففي النهاية، تعتمد نجاحات البطولات الكبرى على وجود جهاز إداري قادر على تجاوز الانقسامات الشخصية وتقديم نموذجٍ احترافي يُمثل الوجه الحقيقي للرياضة بكل معانيها الإيجابية.
تستمر النقاشات والتفاعلات بين المشجعين والمسؤولين على حد سواء، حيث يطالب البعض بإعادة النظر في معايير التعيين والتركيز على الكفاءة المهنية، في حين يرى آخرون أن الانتماء لنادي معين قد يكون بمثابة ميزة إضافية للمهام الرياضية. وفي النهاية، ستكون هذه النقاشات نقطة تحول كبيرة نحو وضع معايير جديدة للإدارة الرياضية في المنطقة.