شهدت الجولة الثامنة والعشرين من دوري روشن السعودي تحوّلاً دراماتيكيّاً في مشهد الصراع على اللقب، بعد فوز الفتح الثمين على ضيفه الاتحاد بهدفين دون رد، إلى جانب تألق الهلال في فوزٍ كاسح، بينما تباينت نتائج بقية المواجهات لتعيد ترتيب أوراق المنافسة قبل المراحل الحاسمة.
الفتح يجهز الاتحاد ويعيد حسابات الصدارة
انبرى الفتح مبكرًا لصناعة المفاجأة على ملعبه، عندما خطف هدف التقدّم في الدقيقة العاشرة عبر المهاجم المغربي أمين سباعي بعد تلقيه تمريرةٍ طولية مميزة اخترقت دفاع الاتحاد. برهن سباعي على قدرة عالية في استغلال المساحات خلف المدافعين، ما أربك حسابات المدرب فابيو كارينيو ونوّع أساليب اللعب سريعًا حتى نهاية الشوط الأول.
ومع حلول الدقيقة 35، توالت الفرص الضائعة ليتلقى الفتح ضربة قوية بعد إهدار مراد باتنة لركلة جزاء احتسبها الحكم بدقة داخل منطقة جزاء الاتحاد. ولم تكد جماهير “الزعيم” تتنفّس الصعداء حتى جاءت الدقيقة 44 بفرصة مصيرية أخرى، لكن هذه المرّة للاتحاد عبر البرازيلي فابينيو الذي سدد فوق العارضة، ليلاًقي الفريقان نهاية الشوط الأول بتقدّم أصحاب الأرض رغم تفوّق الخصم في بعض فترات الضغط.
شهد الشوط الثاني أحداثًا مثيرةً، إذ ألغى الحكم هدفًا للكابتن كريم بنزيما في الدقيقة 61 بداعي التسلل بعد مراجعة تقنية الفيديو “فار”، ليعيش الاتحاد أزمةً دفاعية واضحة أمام سرعة ومهارة الثنائي سباعي وماتياس فارغاس. ونجح الأخير في ترجمة الهجوم المرتد في الدقيقة 69 إلى هدفٍ ثانٍ، مستغلًّا انفرادًا بالحارس ومنح الفتح الأمان لتثبيت نتيجة المباراة.
بتلك الزيادة إلى 29 نقطة، صعد الفتح إلى مركزٍ متقدم مؤقتًا، وأعاد الفارق إلى أربع نقاط بين الاتحاد المتصدّر (65 نقطة) والهلال الوصيف (61 نقطة)، ليدخل الثلاثي مرحلة حاسمة قبل الجولات المتبقية.
صحوة الملاعب الزرقاء: انتصار الهلال الكبير

على استاد الأمير فيصل بن فهد، فرض الهلال تفوّقه على الخليج بثلاثيةٍ نظيفة، معززًا صحوته في سباق اللقب. افتتح “الزعيم” التهديف عبر لاعبه الشاب عبد الرحمن الغامدي في الدقيقة 22، قبل أن يضيف كارلوس إدواردو الهدف الثاني برأسية متقنة في الدقيقة 50، مستغلاً تمريرة عرضية قلّما تُحاسبها دفاعات الخصم. واختتم سلمان الفرج ثلاثية الأمان في الدقيقة 77 من تسديدة قوية من خارج المنطقة، ما قوّى من رصيد الفريق إلى 64 نقطة وجعله على بعد نقطةٍ واحدة من المتصدّر، مُنبئًا بأن الجولة المقبلة قد تكون فاصلة في تحديد هوية حامل اللقب.
تعادل سلبي يشعل الصراع السفلي بين الشباب والأخدود
على الجهة الأخرى، اكتفى الشباب بنقطة التعادل السلبي أمام الأخدود في مباراةٍ تكتيكية بلغت فيها نسبة الاستحواذ ما يقارب 53% لصالح أصحاب الأرض، لكنها افتقرت للمسة الأخيرة داخل منطقة الجزاء. وبهذا التعادل، تجمد رصيد الشباب عند 38 نقطة، بينما يقبع الأخدود في مؤخرة الترتيب برصيد 20 نقطة، ما يزيد الضغط على الفريقين في محاولتهم الابتعاد عن منطقة الهبوط.
سقوط الرياض أمام الاتفاق يمنح الأخير دفعةً قوية
في مواجهةٍ أخرى جمعت الرياض بالاتفاق على استاد الملك عبدالله الثقافي، خطف فارس الدهناء ثلاث نقاط ثمينة بفوزه 1-0 بفضل هدفٍ فرديٍ للنجم فواز الصقور في الدقيقة 55. وبهذا الانتصار، ارتفع رصيد الاتفاق إلى 33 نقطة، فيما ظل الرياض في المركز ما قبل الأخير برصيد 21 نقطة، معقلًا عليه ضرورة مراجعة الأداء قبل الجولات المتبقية.
ماذا تعني النتائج بالنسبة للقب وأندية البقاء؟
1. صراع الثالوث:
بات الاتحاد في مواجهة ضغوط متصاعدة، إذ سيسعى إلى استعادة استقراره الدفاعي وتفادي إهدار الفرص السهلة، بينما يطارد الهلال بقوة مستفيدًا من ثقة لاعبيه وقدرتهم على ترجمة الفرص، في حين يقدم الفتح نفسه كطرفٍ مفاجئٍ قادرٍ على حسم البطولات.
2. الاحتمالات المفتوحة:
فارق النقاط القليل بين المتصدّرين يجعل من كل مباراةٍ فرصةً ذهبيةً لإعادة تشكيل مراكز المقدمة. وهنا، يبرز دور اللقاءات المباشرة كمعرّفات حاسمة في توزيع النقاط وتعديل الميزان النفسي للاعبين.
3. التهديد الأسفل:
مع دخول مناطق الخطر في ذروة المنافسة، أصبح كل نقصٍ في التركيز مكلفًا لأندية الشباب والأخدود والرياض، التي تبدو في حاجةٍ ماسةٍ إلى انتفاضةٍ سريعةٍ لضمان البقاء والابتعاد عن حسابات الهبوط.
ماذا ينتظرنا في المرحلة القادمة؟

تنطلق الجولة التاسعة والعشرين في غضون أيام، حاملةً معها مباريات مصيرية مثل قمة الهلال والاتحاد، والتي ستكشف الكثير عن قوة المنافسة هذا الموسم. أما الفتح، فسيكون مطالبًا بمواصلة صحوته أمام خصومه المباشرين، مع ضرورة تعزيز الخطوط الخلفية أمام ضغط الفرق الطامحة. وفي معارك البقاء، لازالت النتيجة الإيجابية ممكنة لأي فريق قادرٍ على ضبط أعصابه وتنظيم خطوطه قبل صافرة البداية.
بهذا التأرجح المستمر في الأداء والنتائج وازدياد حدة التنافس، يبدو دوري روشن السعودي أكثر إثارةً من أي وقتٍ مضى، حيث لن تُحسم الكلمة الأخيرة إلا مع نهاية آخر دقيقةٍ في الجولات المتبقية.