
في حادثة حزينة أثرت قلوب عشاق كرة القدم في الجزائر والعالم العربي، فقد توفي المهاجم الجزائري الدولي السابق جمال مناد عن عمر يناهز 64 عامًا، وذلك بعد معاناته مع مرض مفاجئ تدهورت حالته بسرعة في الأسابيع الأخيرة. جاء الخبر بعد إعلان فريقه السابق، شبيبة القبائل، عن وفاة اللاعب الذي أصبح رمزًا خالدًا في تاريخ الكرة الجزائرية، وقد وصف النادي في بيانه أن “العائلة الكبرى لكرة القدم الجزائرية وشبيبة القبائل في حداد بعد الإعلان عن وفاة جمال مناد، اللاعب السابق والأسطورة الحقيقية لكرة القدم الوطنية”.
تُعد وفاة جمال مناد خسارة كبيرة ليس فقط للنادي الذي انطلق منه مسيرته الكروية، بل للكرة الجزائرية بأسرها، إذ يحمل اسمه بين طيات التاريخ كأحد اللاعبين الذين تركوا بصمة لا تُنسى في الملاعب. فقد شارك مناد مع المنتخب الجزائري في 79 مباراة دولية وسجل خلالها 25 هدفًا، مما جعله من أبرز هدافي المنتخب وقد حصل على جائزة أفضل هداف في كأس أمم إفريقيا 1990 التي أحرزتها الجزائر على أرضها. كان لتلك البطولة مكانة خاصة في تاريخ البلاد، إذ شكّلت نقطة تحول في مسيرة المنتخب الوطني، حيث تألق مناد بشكل لافت في خمسة مباريات فقط، مثبتًا جدارته ومستحقًا لقب أفضل هداف رغم المنافسة الشديدة.
بدأ جمال مناد مسيرته الرياضية مع شباب بلوزداد، حيث أظهر إمكانياته الكبيرة وقدراته الهجومية المميزة، مما دفعه للانتقال إلى شبيبة القبائل. وهناك، برز تألقه الكبير وأسهم في تحقيق العديد من البطولات المحلية، إذ ساهم مع النادي في الفوز بلقب الدوري الجزائري عدة مرات بين عامي 1981 و1987، فضلاً عن تحقيقه لقب دوري أبطال إفريقيا عام 1981 الذي رفع اسم النادي وأرض كرة القدم الجزائرية إلى مصاف الفرق القارية. لقد كان مناد رمزًا للاعبي جيله، إذ كان يمتلك القدرة على تحويل المباريات من خلال أهدافه الحاسمة وتمريراته الذكية، ما جعله أحد الركائز الأساسية في بناء الفريق الوطني.

في عام 1987، خطت مسيرة مناد خطوة جديدة حين انضم إلى نادي نيس الفرنسي، مما أتاح له الفرصة للعب في أحد أندية الدوريات الأوروبية التي تُعد من بين الأقوى. وبعد هذه التجربة الأوروبية، واصل مسيرته الاحترافية في الدوري البرتغالي منذ عام 1990، حيث مثل أندية مثل فاماليكاو وبيلينينسيس، مما أكسبه خبرات دولية واسعة وأضاف إلى مسيرته العديد من اللحظات المميزة على المستوى الاحترافي. ورغم التحديات التي واجهته في المحافل الأوروبية، ظل اسمه محفورًا في ذاكرة الجماهير بفضل الأداء المتميز والروح القتالية التي أظهرها في كل مباراة.
عاد جمال مناد في عام 1994 إلى شبيبة القبائل ليختتم مسيرته الاحترافية في صفوف اتحاد العاصمة حتى عام 1997، مما جعله يعود إلى الوطن ليُنهِي مسيرته مع النادي الذي شهد بداياته وأول إنجازاته الكبيرة. خلال هذه الفترة، لم يكن مناد مجرد لاعب كروي فحسب، بل تحول إلى دور تدريبي وإداري، إذ شغل منصب مدير رياضي لشبيبة القبائل، مما أكسبه خبرة إضافية في مجال إدارة كرة القدم وساهم في نقل خبراته إلى الجيل الجديد من اللاعبين.
كانت مشاركة مناد مع المنتخب الوطني إحدى أهم محطات حياته الرياضية، حيث لعب دورًا رئيسيًا في تأهيل الجزائر لكأس العالم 1986، وقد تم اختياره كأفضل رياضي في البلاد قبل مشاركته مع المنتخب. هذه الإنجازات التي حققها مع المنتخب الوطني لم تكن مجرد أرقام قياسية، بل شكلت جزءًا من الهوية الرياضية للجزائر التي تفخر بتاريخها الكروي العريق. لقد كان جمال مناد مثالاً على الالتزام والإصرار والموهبة التي تُضيء الملاعب وتلهم الأجيال القادمة من اللاعبين.
وعلى الرغم من أن سنوات مشواره الاحترافي قد انتهت منذ سنوات طويلة، إلا أن تأثير جمال مناد لا يزال قائمًا في أروقة الكرة الجزائرية، إذ يُستذكر اسمه في المناسبات الرياضية والاحتفالات التي تُقام لتكريم أساطير الكرة الوطنية. فقد كان مناد رمزًا للأداء القوي والروح الرياضية العالية التي لطالما ميزت لاعبي الجزائر، وقد ترك وراءه إرثًا رياضيًا يُشكل مصدر إلهام للاعبين الشباب في كل أنحاء البلاد.
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت تقارير صحفية تشير إلى أن صحة جمال مناد قد تدهورت بشكل سريع خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب مرض مفاجئ أصابه قبل نحو شهرين. وقد نُقلت أن حالته الصحية لم تسمح له بمواجهة التحديات اليومية، وأنه توفي في عيادة في الجزائر العاصمة بعد نقله إلى المستشفى في 14 مارس، عقب عودته من بروكسل حيث تلقى العلاج لمدة شهر. هذه الأخبار أثارت موجة من الحزن والأسى بين محبي الكرة الجزائرية، الذين اعتبروا وفاة مناد خسارة كبيرة للأمة الرياضية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن وفاة جمال مناد تأتي في وقت تشهد فيه الكرة الجزائرية تحولات كبيرة، مع ظهور جيل جديد من اللاعبين الذين يسعون لتحقيق الإنجازات في المحافل الدولية. ومع كل تلك التحديات، يبقى إرث مناد بمثابة مرجع يُستند إليه في سبيل تطوير مهارات اللاعبين وتعزيز روح المنافسة في المنتخب الوطني. فالتجارب التي مر بها اللاعب السابق تُعلم الجيل الجديد أهمية الالتزام والتفاني في العمل، وتُظهر أن النجاح الرياضي لا يأتي بدون تضحيات كبيرة وتحديات جسدية ونفسية.
ومن خلال دوره كمدير رياضي في شبيبة القبائل بعد اعتزاله اللعب، تمكن مناد من نقل خبراته وتجربته إلى الكوادر التدريبية والإدارية، مما ساهم في تحسين الأداء الكروي للنادي والمساهمة في اكتشاف المواهب الشابة. هذا الجانب الإداري كان له أثر كبير في تعزيز الهيكل التنظيمي للكرة الجزائرية، وهو ما يعكس أن النجاح في عالم الرياضة يتعدى مجرد الأداء الفردي على أرض الملعب، بل يشمل أيضًا القدرة على تنظيم وإدارة العملية الرياضية بكفاءة عالية.
تظل قصة جمال مناد معبّرة عن رحلة ملهمة مليئة بالتحديات والإنجازات التي تتجاوز حدود الرياضة، فهي قصة رجل كرس حياته لكرة القدم وأصبح جزءًا لا يتجزأ من تاريخها في الجزائر. وبينما يظل إرثه حاضراً في الذاكرة الجماعية للجماهير، تُشكل وفاته فرصة لتكريم مساهماته وإنجازاته التي لا تُنسى، ولتعزيز روح الولاء والانتماء للكرة الجزائرية. وفي هذا السياق، يدعو محبو مناد وكل من عرفوه إلى استحضار روحه القتالية وشغفه الذي لا ينضب، والعمل على نقل هذه القيم إلى الجيل الجديد من اللاعبين الذين يسعون لإحياء المجد الرياضي في بلادهم.
لقد كانت مسيرة جمال مناد مثالًا يحتذى به في التفاني والإصرار على تحقيق الأحلام الرياضية، بغض النظر عن التحديات والعقبات التي قد تعترض طريق اللاعب. وما زالت ذكراه تُحيي الأمل في قلوب محبي الكرة الجزائرية، الذين يتمنون أن يكون لكل لاعب شباب قصة تلهمهم وتُعلمهم أن النجاح هو نتيجة للعمل الجاد والتضحيات الكبيرة. وبينما تظل الأساطير تُروى وتُخلد في صفحات تاريخ كرة القدم، يبقى جمال مناد واحدًا من تلك الأساطير التي لن يُنسى أثرها، سواء على مستوى المنتخب الوطني أو في صفوف الأندية التي شارك فيها خلال مسيرته المشرقة.
هذه القصة ليست مجرد خبر عن وفاة لاعب قديم، بل هي رسالة تاريخية تُبرز قيمة الإرث الرياضي والتحديات التي واجهها مناد وكيف ترك بصمة لا تمحى في عالم كرة القدم الجزائرية. وكل من يذكر اسمه يعرف أن هناك قصة من العزم والإصرار والنجاح، تُحفّز الجميع على مواصلة السعي نحو تحقيق الأحلام رغم الصعاب.