
في فصل جديد وغير متوقع من مسيرة أحد نجوم كرة القدم الفرنسيين، يظهر جيريمي ماثيو في صورة بعيدة عن الأضواء والألقاب، حيث يعمل اليوم كبائع أحذية في أحد متاجر “إنترسبورت” بمدينة بوش-دو-رون في جنوب فرنسا. هذا التغيير الجذري في نمط الحياة لم يكن ليتخيله أحد، خاصةً بعد سنوات من التألق في أندية أوروبية عريقة وعلى مستوى الأندية الكبرى.
رحلة حافلة بالإنجازات والبطولات
بدأت مسيرة جيريمي ماثيو الكروية مع نادي سوشو الفرنسي قبل أن ينتقل إلى تولوز، حيث استطاع أن يبرز كلاعب دفاع متميز. وقد جذب أداؤه المتميز الأنظار مما أهله للانتقال إلى الدوري الإسباني لتمثيل نادي فالنسيا، الذي كان بمثابة نقطة تحول في مسيرته الرياضية. ومع تألقه المستمر، وصل ماثيو إلى قمة النجاح بانضمامه إلى العملاق الكتالوني برشلونة عام 2014، حيث شارك في تحقيق العديد من البطولات المحلية والقارية.
خلال فترة وجوده في برشلونة، لم يكن ماثيو مجرد لاعب آخر، بل كان جزءاً من الفريق الذي حصد ثلاثية الدوري والكأس ودوري أبطال أوروبا موسم 2014-2015، وهو إنجاز لم يكن ليتكرر بسهولة في عالم كرة القدم الحديث. كما تلقى دعوة لمنتخب فرنسا، وكان من ضمن القائمة الأساسية لبطولة يورو 2016، رغم اضطراره للانسحاب بسبب إصابة تعرض لها في نهاية موسمه مع برشلونة.
الحياة بعد كرة القدم: دروس في التواضع والبساطة

بعد اعتزاله اللعب في يونيو 2020، والذي أنهى مسيرة استمرت لأكثر من 17 عاماً في الملاعب الأوروبية، اتخذ ماثيو قرارًا غير متوقع بالابتعاد عن أضواء الإعلام والشهرة. ففي حين يختار العديد من نجوم كرة القدم الانتقال إلى مجالات مثل التعليق الرياضي أو التدريب، لجأ ماثيو إلى العمل في متجر رياضي، حيث يقدم خدماته كبائع أحذية في قسم خاص بمنتجات كرة القدم.
أثارت هذه الخطوة إعجاب واستغراب الجماهير التي اعتادت أن ترى اللاعب الذي كان يلعب إلى جانب أسماء كبيرة مثل ليونيل ميسي وأسطورة برشلونة في مواقع البطولات الأوروبية، يتجه اليوم إلى العمل بدوام كامل في متجر رياضي. وقد التقط شابّان من محبي كرة القدم صورة له داخل المتجر، مما أثار موجة من الدهشة والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا المشهد لم يكن مجرد تحول وظيفي بل كان بمثابة درس في التواضع والعودة إلى الحياة البسيطة بعد سنوات من الشهرة والمجد.
استمرار الشغف بكرة القدم رغم الاعتزال
على الرغم من الابتعاد عن المنافسات الاحترافية، لم يقطع ماثيو علاقته بكرة القدم تمامًا. فهو لا يزال يمارس اللعبة على مستوى الهواة، حيث يشارك بانتظام مع نادي “لوين سبورت إف سي” في دوري الدرجة الإقليمية الأولى بالقرب من مدينة إيكس أون بروفانس. هذه المشاركة تبرز مدى شغفه الحقيقي بالرياضة، الذي لا يقتصر على الملاعب الكبرى فحسب، بل يمتد إلى حب اللعبة في كل تفاصيلها.
التغيير في نمط الحياة وتبني البساطة

اختيار جيريمي ماثيو للعمل كبائع أحذية بعد اعتزاله يُظهر جانبًا آخر من حياة الرياضيين بعد التقاعد، حيث يختار البعض منهم الابتعاد عن حياة الشهرة والضغوط الإعلامية والعودة إلى الأصول البسيطة. هذا القرار، الذي ربما يعتبره البعض تقليديًا أو غير مثير، يحمل في طياته رسالة قوية حول أن الحياة بعد كرة القدم يمكن أن تكون مليئة بالرضا والسعادة رغم البعد عن الأضواء والجوائز.
وقد أشار موقع Les-Violets.com إلى أن هذه الخطوة كانت نتيجة تفكير عميق ورغبة في تجربة نمط حياة مختلف، بعيداً عن متطلبات الاحتراف والدوري الاسباني والتنافس الشرس الذي يفرضه عالم كرة القدم. فبينما يستمر العديد من النجوم في البحث عن مشاريع تجارية أو فرص استثمارية تعكس بريقهم السابق، اختار ماثيو طريق البساطة والعودة إلى الجذور.
رسالة أمل وإلهام للرياضيين والشباب
تحكي قصة جيريمي ماثيو عن تحول قد لا يكون متوقعًا في عالم يتقلب فيه النجاح والضياع، وتبرز أهمية التحلي بالتواضع والقدرة على التأقلم مع التغيرات الحياتية. فكل مرحلة من مراحل حياة اللاعب تحمل دروساً وتجارب يمكن أن تلهم الشباب، سواء كانوا عشاق كرة القدم أو يسعون لتحقيق نجاحات في مجالات أخرى. هذا التحول يذكرنا بأن النجاح الحقيقي لا يقاس دائمًا بمدى تألقنا في مجالات معينة، بل بقدرتنا على التكيف وإيجاد السعادة في أبسط الأمور.
تأثير هذه الخطوة على صورة الرياضيين بعد الاعتزال
إن مسيرة جيريمي ماثيو تقدم نموذجًا يحتذى به في كيفية التعامل مع التحديات التي قد تواجه الرياضي بعد انتهاء مسيرته الاحترافية. ففي حين قد تبدو خيارات البعض من الانتقال إلى وظائف عادية بمثابة تراجع عن سابق العهد، إلا أنها في كثير من الأحيان تعكس قرارًا واعيًا بالابتعاد عن الضغوط النفسية وتبني حياة أكثر استقرارًا وبساطة. هذا النموذج يفتح آفاقًا جديدة أمام الرياضيين السابقين ليثبتوا أن الحياة بعد الاحتراف يمكن أن تكون ناجحة ومليئة بالرضا دون الحاجة إلى التباهي والظهور الإعلامي المستمر.
رحلة جيريمي ماثيو من ملاعب أوروبا الراقية إلى أروقة متجر أحذية تُعد قصة فريدة تحمل في طياتها الكثير من العبر والدروس. هي قصة تحول ناجح يذكرنا بأن الحياة لا تنتهي بانتهاء المشوار الرياضي، بل تبدأ مرحلة جديدة يمكن أن تكون مليئة بالتحديات والفرص الحقيقية للنمو الشخصي والمهني. هذه القصة تمثل أيضًا مثالًا على كيفية مواصلة حب الرياضة والاستفادة من خبراتها في الحياة اليومية، مما يجعلها مادة غنية لمحبي كرة القدم وكل من يسعى لتحقيق التوازن بين النجاح المهني والحياة الشخصية.