في أجواء رياضية مشتعلة تتخللها الكثير من التوتر والانتقادات، خرج المدير الفني للنادي الأهلي، ماتياس يايسله، بتصريحات أثارت موجة من الجدل داخل الشارع الرياضي السعودي. جاءت هذه التصريحات بعد مباراة قوية جمعت الأهلي مع ضيفه نادي الخليج ضمن منافسات الجولة الرابعة والعشرين من دوري روشن السعودي للمحترفين لموسم 2024-2025، والتي انتهت بتعادل مثير (2-2). ورغم أن الهلال لم يكن طرفًا في تلك المباراة، إلا أن الحديث الذي دار بين يايسله والحكم البرتغالي كلاوديو بيريرا جاء ليكشف عن وجهة نظر مختلفة تمامًا تتعلق بما أسماه يايسله “مجاملة” الهلال في قرارات التحكيم.
منذ اللحظات الأولى للمباراة، بدا واضحًا أن النتائج لن تذهب بسهولة، فقد تكبد الأهلي خسارة فرص حاسمة جعلت من احتمالية التتويج بلقب دوري روشن مهمة صعبة التحقيق في هذا الموسم. ومع تسجيل التعادل، بات الفارق بين الأهلي وبقية الفرق المنافسة أكبر، خاصةً مع تفوق الاتحاد المتصدر بفارق عشرة نقاط تقريبًا. إلا أن ما أثار جدلاً كبيرًا ليس النتيجة بحد ذاتها، بل التصريحات الحادة التي أطلقها يايسله عقب المباراة خلال مؤتمر صحفي تم بثه عبر برنامج “برا 18”.
في هذا المقطع الذي انتشر بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي، ظهر يايسله وهو يتحدث بحماس شديد مع الحكم البرتغالي كلاوديو بيريرا، منتقدًا بشدة قراراته التحكيمية. إذ اعتبر يايسله أن الوقت بدل الضائع الذي احتُسب خلال المباراة كان “قليلًا” وغير عادل، مما منح الفريق المنافس فرصًا لتعويض الفارق وإحداث تغييرات في مجريات اللقاء. ولم يكتفِ يايسله بهذا الانتقاد، بل اتجه إلى اتهام حكام دوري روشن بأنهم يميلون إلى “مجاملة” نادي الهلال، وذلك بالرغم من أن الهلال لم يكن طرفًا في مباراة الأهلي والخليج.
وأوضح يايسله في حديثه أن الأمر لو تعلق بمباريات الهلال، لكان الوقت بدل الضائع قد زاد بمقدار 15 أو 30 دقيقة، مما يمنح الفريق فرصة أكبر لاستعادة التوازن في النتيجة. هذه التصريحات جاءت بمثابة صدمة للجماهير، التي تعتبر نادي الهلال واحدًا من أعرق الأندية في المملكة؛ إذ إن ذكر اسم “الزعيم” في سياق مثل هذا الحديث يفتح باب التساؤلات حول مدى حيادية القرارات التحكيمية في الدوري. يُذكر أن هذه الإشارة جاءت بعد مباراة كلاسيكو المملكة الأخيرة بين الأهلي والهلال، حيث انتهت المباراة بفوز الأهلي (3-2) على ملعب “المملكة أرينا” في الرياض، فيما احتسب الحكم عرفان بيليتو 14 دقيقة وقت بدل ضائع أثارت سخرية وانتقادات واسعة من قبل المسؤولين والمشجعين على حد سواء.
ومن الناحية الفنية، يُظهر هذا النقاش أن التحديات التي تواجهها الفرق في دوري روشن لا تقتصر على الأداء داخل الملعب فحسب، بل تمتد إلى الجوانب التنظيمية والإدارية التي تؤثر بشكل مباشر على نتائج المباريات. فبينما يسعى كل فريق لتحقيق الفوز بكل الوسائل المتاحة، تصبح قرارات التحكيم عاملاً حاسمًا قد يفصل بين الانتصار والهزيمة. وفي هذا السياق، أكد يايسله أن النتائج التي تحققت في المباراة الأخيرة لم تكن مجرد نقطة تُضاف إلى رصيد الفريق، بل كانت مؤشرًا على تفاقم المشكلات الفنية التي يعاني منها الأهلي في محاولته لاقتناص اللقب. إذ أن التعادل الذي تحقق أمام الخليج قلص من فرص الأهلي في التتويج، خاصةً في ظل تفوق الاتحاد الذي استطاع الحفاظ على صدارة الجدول بفارق نقاط كبير.
كما أن التصريحات التي أدلى بها يايسله لم تكن مجرد رد فعل فوري على قرار احتساب الوقت بدل الضائع، بل جاءت لتعكس رؤية أعمق حول كيفية إدارة الضغوط داخل الفريق. إذ أكد يايسله أن هناك الكثير من العوامل التي يجب مراعاتها عند اتخاذ قرارات تحكيمية مهمة، وأنه في حالة مباريات مثل مباراة الأهلي والخليج، يجب على الحكام أن يكونوا أكثر مرونة وحيادية لتفادي أي انحياز محتمل يؤدي إلى تأثير سلبي على نتيجة المباراة. وفي حديثه مع بيريرا، أشار يايسله إلى أنه لو كانت المباراة تتعلق بمباريات الهلال، لكان الحكم قد منح الفريق مزيدًا من الوقت بدل الضائع، مما يُبرز شعوره بأن هناك اختلافًا في معاملة الفرق الكبرى في الدوري.
هذه التصريحات أثارت تفاعلات واسعة بين محبي كرة القدم، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن يايسله يطلق هذه الانتقادات لحماية مصالح الأهلي ومنافساته المحلية، وبين من يعتبرها محاولة لتسليط الضوء على ما يرونه انحيازًا واضحًا في قرارات الحكام لصالح بعض الأندية. وفي هذا السياق، جاء تعليق خالد العيسى، رئيس مجلس إدارة شركة الأهلي “غير الربحية”، الذي سخر من قرار احتساب 14 دقيقة بدل ضائع في كلاسيكو المملكة، مؤكدًا أن هذه القرارات تُظهر بوضوح الفجوة بين توقعات الجماهير والواقع الذي يعيشه الدوري.
على صعيد آخر، يبدو أن الوضع في الدوري يتأزم مع اقتراب نهاية الموسم، إذ وصل الأهلي إلى 48 نقطة في المركز الخامس، بينما يبقى الاتحاد المتصدر متقدمًا بفارق عشرة نقاط تقريبًا. كما أن الأهلي تمكن من التأهل إلى ثمن نهائي دوري أبطال آسيا “النخبة” بعد فوزه ذهابًا على الريان القطري بنتيجة (3-1)، مما يضيف بُعدًا آخر للنقاش حول أهمية الحفاظ على الأداء المستقر في كل المسابقات. ففي ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري على الجهاز الفني للنادي الأهلي أن يعيد النظر في أساليبه التكتيكية والإدارية لتلافي الهدر في النقاط الذي قد يكلف الفريق فرصًا ثمينة للتتويج.
لا شك أن تصريحات يايسله تحمل رسالة واضحة إلى جميع معجبي الأهلي وأوساط الصحافة الرياضية: إنه في مواجهة التحديات الكبيرة، يجب على الحكام واللجان التنظيمية إعادة النظر في معايير اتخاذ القرارات التحكيمية لتكون أكثر عدالة وشفافية. فقد أصبح من الواضح أن كل دقيقة تُحتسب كوقت بدل ضائع يمكن أن تشكل الفارق بين الفوز والتعادل أو حتى الخسارة، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على ترتيب الفرق في الجدول وعلى فرص الحصول على اللقب.
ومن هنا، نجد أن الموضوع ليس مجرد حادثة فردية في مباراة واحدة، بل هو انعكاس للعديد من المشكلات الهيكلية التي يعاني منها الدوري السعودي للمحترفين في التعامل مع القرارات التحكيمية. ففي عالم كرة القدم الحديث، أصبح من الضروري تبني تكنولوجيا مثل تقنية الفيديو المساعد (VAR) لتحسين دقة القرارات، وتوفير تدريب متخصص للحكام يتماشى مع المعايير الدولية. هذا ما يأمله الكثير من المحللين الذين يرون أن تطبيق مثل هذه الحلول سيساهم في تقليل الفوارق في معاملة الفرق، مما يُعيد الثقة إلى الجماهير ويضمن نزاهة المنافسات.
ومن جهة أخرى، يتساءل النقاد عن مدى تأثير مثل هذه التصريحات على العلاقات بين الأندية والحكام، خاصةً في ظل المنافسة الشديدة على صدارة جدول دوري روشن. فبينما يسعى كل نادي إلى تحقيق أفضل النتائج، يُعتبر النقاش حول حيادية التحكيم جزءًا لا يتجزأ من المناقشات التي تُطرح في كل مباراة. وهذا ما يجعل تصريحات يايسله نقطة انطلاق لحوار واسع بين مختلف الأطراف في عالم كرة القدم، حوار قد يؤدي إلى تغييرات إيجابية في كيفية إدارة المباريات واتخاذ القرارات الحاسمة.
وعند النظر في الصورة الأكبر، يظهر أن مشكلات التحكيم ليست مقصورة على مباراة واحدة أو على فريق معين، بل تمتد لتشمل النظام بأكمله في دوري روشن. فمن خلال التحليل الدقيق للنتائج، يمكن ملاحظة أن بعض الفرق تعاني من خسارة نقاط قيمة نتيجة قرارات تحكيمية مثيرة للجدل، وهو ما يضع ضغوطًا إضافية على تلك الفرق في سعيها للتتويج. وهذا الواقع يُظهر بوضوح أن هناك حاجة ماسة لإصلاحات شاملة تُعيد التوازن إلى المسابقة وتضمن تحقيق العدالة لجميع الفرق المتنافسة.
في هذا السياق، يُعد موقف النادي الأهلي من المباراة التي انتهت بتعادل 2–2 مع الخليج مثالاً حيًا على تأثير القرارات التحكيمية على مسار الفريق خلال الموسم. ففي حين أن الفوز كان من الممكن أن يكون نقطة تحول إيجابية تعيد للفريق آماله في التتويج بلقب دوري روشن، فإن التعادل الذي تحقق قلص من فرص الأهلي بشكل كبير، مما يزيد من حدة المنافسة مع الفرق المتصدرة مثل الاتحاد. هذه النتائج تؤكد على أن كل نقطة تُحتسب لها وزن كبير في تحديد مصير الفريق في نهاية الموسم، وأن أي تراجع في الأداء أو اختلاف في تطبيق معايير التحكيم يمكن أن يؤدي إلى تغيير جذري في ترتيب الجدول.
بينما يستمر النقاش حول هذه التصريحات وتداعياتها، يبقى السؤال الأكبر معلقاً: كيف ستتعامل الجهات المنظمة مع هذه الانتقادات؟ وهل ستتخذ خطوات جادة لتحسين معايير التحكيم وضمان تحقيق العدالة في المباريات؟ هذه الأسئلة ليست مجرد تساؤلات نظرية، بل هي من أهم القضايا التي تشغل أذهان المشجعين والمسؤولين على حد سواء، إذ أن إجابة هذه الأسئلة ستحدد إلى حد كبير مستقبل الدوري ومستوى المنافسة فيه.
من جهة أخرى، يجب الإشارة إلى أن مثل هذه التصريحات تأتي في وقت حساس من الموسم، حيث يتصارع الأندية الكبرى على نقاط ثمينة تتوقف عليها فرص التأهل والبطولات المحلية والقارية. وفي ظل هذا الضغط الكبير، يُصبح من الضروري أن يعمل الجميع – من الحكام واللجان التنظيمية والأندية – بروح واحدة لضمان نزاهة المنافسات وتحقيق مستوى عالٍ من الاحترافية. هذا التعاون المشترك يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في تحسين جودة المباريات واستعادة الثقة بين الجماهير والأطراف المشاركة في المسابقة.
تُعد تصريحات ماتياس يايسله بمثابة نافذة تكشف عن التحديات التي يواجهها الدوري السعودي للمحترفين في مجالات عدة، بدءًا من القرارات التحكيمية وصولاً إلى تأثيرها على ترتيب الفرق وفرص التتويج. وبينما يستمر النقاش حول ما إذا كانت هناك مجاملة حقيقية لصالح نادي الهلال، تبقى الحاجة ماسة إلى إصلاحات جذرية تُعيد للمنافسة رونقها وشفافيتها، بما يضمن تحقيق العدالة والنجاح لجميع الفرق. وبينما تبقى الجماهير على أهبة الاستعداد لمتابعة كل جديد في عالم كرة القدم، ينتظر الجميع بفارغ الصبر خطوات الجهات المنظمة لتحقيق ذلك، آملين أن تكون هذه التغييرات بمثابة بداية لعصر جديد ينعم فيه الدوري بالاحترافية والنزاهة التي يستحقها.
