
في مقابلة مطولة مع صحيفة “ليكيب”، فتح مدرب الديوك الفرنسي ديدييه ديشان صفحة جديدة تكشف عن أسرار قراراته الأخيرة مع منتخب فرنسا، في تصريحاته التي حملت مزيجًا من الحزم والرؤية الفنية الثاقبة. تناول ديشان خلال حديثه عدة مواضيع حساسة تتعلق بمستقبل الفريق، حيث تطرق إلى استبعاده للاعب النجوم كيليان مبابي من قائمة التجمعات الأخيرة، كما ناقش إمكانية تولي زين الدين زيدان لمهمة تدريب المنتخب في المستقبل. في حديثه، لم يترك ديشان أي مجال للشك حول اعتقاده بأن كأس العالم 2026 سيكون بمثابة الفصل الأخير لمسيرته مع الفريق الوطني، مؤكداً أنه ظل ملتزمًا بالأهداف التي رسمها لنفسه منذ شهر مارس الماضي.
أشار ديشان إلى أنه، بالرغم من عدم شعوره بالإرهاق البدني أو النفسي، إلا أن مرور خمسة وعشرين عامًا مع المنتخب الفرنسي جعله يشعر بأن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة جديدة. وصرح قائلاً: “كل الأشياء الجيدة تنتهي، وقد قضيت جزءًا كبيرًا من حياتي المهنية مع هذا الفريق، لذلك كان من الضروري أن أتخذ قراراً يقودني إلى تغيير نوعي في حياتي الكروية”. هذه الكلمات أظهرت مدى تعلقه بمسيرة المنتخب، إلا أنها كذلك تعكس رغبته في إعطاء الفرصة لجيل جديد من اللاعبين، وتحديدًا بعد التجارب التي عاشها مع بعض الأسماء الكبيرة خلال السنوات الماضية.
استبعاد مبابي من قائمة الفريق
وفي سياق متصل، تحدث ديشان عن موضوع حساس يتعلق بمستقبل أحد أبرز نجوم المنتخب، وهو كيليان مبابي. وأوضح أن قرار استبعاده من القائمة الأخيرة لم يكن قرارًا فرديًا بل جاء نتيجة لمجموعة من العوامل الفنية والشخصية. فقد أوضح أن اللاعب مر بفترة شخصية صعبة أدت إلى تراجع مستواه في بعض البطولات الأخيرة، مما اضطر الطاقم الفني إلى إعادة تقييم حالته قبل اتخاذ قرار بشأن استدعائه للمشاركة في التجمعات المقبلة. وأضاف ديشان: “بالطبع مبابي لديه ارتباط عميق بالمنتخب، وسأقوم بالتحدث معه كما أفعل دائمًا، وإذا ظهرت عناصر غير واضحة في أدائه، سننظر في ذلك بجدية”.
القيادة داخل المنتخب
ولم يتوقف حديث ديشان عند هذا الحد، إذ تناول أيضًا موضوع القيادة داخل المنتخب الفرنسي. ففي ظل رحيل الأساطير واعتزال بعض اللاعبين الكبار مثل هوجو لوريس ورافاييل فاران، أصبح دور قيادة الفريق موضوع نقاش دائم بين الجهاز الفني والإدارة. وفي هذا الإطار، أشار ديشان إلى أن مبابي قد تولى مسؤولية القيادة بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، مما دفع بعض النقاد إلى التشكيك في قدرته على أن يكون القائد الذي يحتاجه المنتخب. إلا أن ديشان نفى هذه الشكوك بشكل قاطع، مؤكدًا أن “مبابي لم يكن سببًا في تفكك الروح الجماعية، بل كان دومًا رمزًا للتزام الفريق وعمله الدؤوب”. وأضاف: “لم أقم بالتشكيك فيه، فهو يتحمل المسؤولية بشكل جيد، وستظل الأمور متروية في التجمع القادم لتحديد مكانته القيادية بشكل نهائي”.

تطلعات ديشان لاستقطاب زيدان
من جهة أخرى، كشف ديشان عن رؤيته المستقبلية للمنتخب، حيث أعرب عن رغبته في استقطاب زين الدين زيدان كمرشح رئيسي لتولي مهمة تدريب المنتخب بعد مغادرته. وفي حديثه الذي حمل طابعًا شخصيًا وفنيًا، قال ديشان: “طبعاً أريده أن يأتي، هناك الكثير من الاحترام بيننا. آخر مرة التقينا فيها كانت في صيف عام 2023، ونحن نخطط لمقابلة أخرى في الصيف المقبل”. وأكد أن قرار تولي زيدان للمهمة يعتمد في النهاية على رغبته الشخصية وقرار رئيس الاتحاد الفرنسي، مشيرًا إلى أن “ظهور اسمه طبيعي، لكن لا يمكنني القول ما إذا كان يرغب حقًا في تحمل هذه المسؤولية الكبيرة أم لا”.
التحديات المستقبلية والتطلعات الكبرى
تأتي هذه التصريحات في ظل أجواء سياسية ورياضية شديدة التنافس داخل المنتخب الفرنسي، حيث يُنظر إلى المرحلة المقبلة على أنها محطة فارقة قد تحدد مستقبل المنتخب في البطولات العالمية القادمة. وقد أشار ديشان إلى أن أهدافه لم تتغير، وأنه لا يزال متمسكًا بتحقيق التأهل إلى النهائي الرابع في دوري الأمم، ومن ثم المشاركة في كأس العالم بنفس العزيمة والطاقة التي عرف بها المنتخب الفرنسي على مدى السنوات الماضية. ورغم قراره المسبق بأن يكون كأس العالم 2026 هو موعد الوداع، فإن الشغف لتحقيق إنجازات رياضية كبيرة لا يزال يشغل فكره ويحفزه على تقديم الأفضل.
القرار الأخير بشأن مبابي
من جانب آخر، تناول ديشان حادثة تورط مبابي في فترة سابقة والتي أثارت الكثير من الجدل الإعلامي. ففي إحدى المناسبات، شهدت وسائل الإعلام تغطية واسعة لحادثة السويد التي تعرض فيها مبابي لمواقف عنيفة، حيث أصدرت “محكمة الإعلام” حكمها بعد أن استمرت القصة لثلاثة أسابيع أو أكثر دون أن يتم استجوابه رسميًا من قبل النظام القضائي. وأوضح ديشان أن هذا الحدث لم يكن مجرد حادثة عابرة، بل كان له تأثير كبير على مسار اللاعب وعلى كيفية تعامل وسائل الإعلام والجماهير معه. وقال: “كيليان يعلم جيدًا أنه سيظل موضوع الحديث، والأمر ليس سهلًا على أي لاعب أن يعيش مثل هذه الضغوط، لكن يجب أن نتعامل معها بعقلانية ونركز على الجانب الرياضي”.
الدعم الفني لمبابي
وأشار ديشان كذلك إلى أن دعم مبابي من قبل الجهاز الفني لم يكن محدودًا، بل حاول أن يقدم له كل الدعم الممكن لتجاوز تلك الفترة الصعبة. ورغم الإصابات التي ألمّت به والضغوط الإعلامية التي زادت من وطأة مشكلاته، فقد بذل ديشان قصارى جهده لضمان عودته إلى القائمة الرئيسية. وأضاف: “لقد قمت بدعم مبابي بكل الوسائل الممكنة، لكن التأثيرات السلبية التي تعرض لها بسبب الإصابات والوقت الذي احتاجه للتعافي بعد انتقاله إلى ريال مدريد كان لها دور في ابتعاده لفترة عن الفريق”.

التقييمات الفنية الخاصة بمبابي
كما كشف ديشان عن تفاصيل إضافية تتعلق بالقرارات الفنية التي اتخذت بشأن مبابي، خاصة في ظل التقييمات التي أُجريت خلال بطولة اليورو. إذ أوضح أن اللاعب لم يكن في أفضل حالاته خلال تلك الفترة، وأن تقييماته جاءت متأثرة بظروف مرّة قد مر بها اللاعب، وهو ما أدى إلى استبعاده مؤقتًا من التجمعات الدولية. وأشار إلى أن هناك محادثات مستمرة مع الطواقم الطبية حول ضرورة منح مبابي بعض الوقت للتعافي الكامل، حيث تم تسجيل مشاركته في مباراة لمدة ثلاثين دقيقة قبل أن يواجه صعوبات في استعادة مستواه.
الحديث عن عدم استدعاء مبابي في أكتوبر
وعن عدم استدعاء مبابي في أكتوبر، أفاد ديشان أن هناك احتمالًا في ذلك الوقت بأن ينتقل اللاعب إلى نادي ليل في دوري أبطال أوروبا، مما كان من الممكن أن يغير من وجهة النظر حول استدعائه. ومع ذلك، فإن المحادثات التي دارت مع الفريق الطبي كانت واضحة في أن اللاعب بحاجة إلى وقت إضافي لاستعادة لياقته البدنية والتكتيكية قبل أن يتمكن من العودة إلى ساحة المنافسة بأعلى مستوى.
قرارات ديشان الرياضية الدقيقة
أوضح ديشان أن جميع القرارات التي اتخذها تأتي من منظور رياضي بحت، وأنه لم يقم بمعاقبة مبابي بأي شكل من الأشكال خلال تلك الفترة. وأضاف قائلاً: “كل قراراتي تتخذ بناءً على معايير رياضية دقيقة، ولا يمكن لأحد أن يقول إنني لم أدعم اللاعب. إن العلاقة بيننا مبنية على الثقة والتفاهم، ونحن نعمل دائمًا معًا على تحسين الأداء”. هذه التصريحات جاءت لتوضح أن الأمور داخل الفريق ليست كما يتصورها البعض من خلال عناوين الصحف، وأن هناك توازنًا بين تقييم الأداء الفني والاهتمام بالحالة الشخصية لكل لاعب.
الختام والتحديات المقبلة
من المؤكد أن تصريحات ديشان أثارت جدلاً واسعًا بين محبي المنتخب الفرنسي والمتابعين للأحداث الرياضية، حيث يُنظر إلى هذه التصريحات على أنها تعكس مزيجًا من الصراحة والشفافية التي قد تساعد في فهم ما يجري خلف الكواليس. فبينما يظل مستقبل مبابي ضمن الفريق قضية مفتوحة للنقاش، يظهر جليًا أن ديشان يحاول أن يضع الأمور في نصابها الصحيح من خلال تقييم دقيق للأداء ومستوى الجاهزية البدنية والنفسية للاعبين.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال حول مستقبل الجهاز الفني للمنتخب الفرنسي مفتوحًا على مصراعيه. فبالرغم من ترك ديشان للمنتخب بعد إعلان رحيله الرسمي منذ نحو شهر، إلا أن الآفاق المستقبلية لا تزال تنطوي على تحديات كبيرة، خاصةً في ظل الضغط الإعلامي والجماهيري لتحقيق الانتصارات في البطولات الكبرى. ومن هنا، يبرز دور الأسماء الكبيرة مثل زيدان، الذي أشار إليه ديشان كمرشح محتمل لتولي المهمة، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة قد تحمل معها تجديدًا فنيًا وروحيًا للفريق.
إن الحديث عن انتقال المسؤوليات في المنتخب الفرنسي يُعد موضوعًا حساسًا للغاية، إذ يتداخل فيه ما بين الإرث التاريخي والتطلعات المستقبلية. ورغم أن ديشان يؤكد احترامه الكبير لزين الدين زيدان ويأمل في أن يكون هو الخيار الأمثل للمستقبل، فإن القرار النهائي سيعود في النهاية إلى رئيس الاتحاد الفرنسي وما يحمله من رؤية استراتيجية تتماشى مع تطلعات اللعبة على المستوى الدولي.
تأتي تصريحات ديشان في وقت حاسم يواجه فيه المنتخب تحديات كبيرة في المنافسات الدولية، ويحتاج فيه إلى استعادة التوازن والتماسك الذي كان يُميز الفريق في فترات سابقة. وفي هذا السياق، تعد القرارات الفنية التي يتخذها الجهاز الفني جزءًا لا يتجزأ من محاولات إعادة بناء الثقة داخل الفريق، وتقديم أداء يليق بتاريخ منتخب فرنسا الذي يعد من أعظم المنتخبات في تاريخ كرة القدم.
وتُظهر هذه التصريحات أيضًا جانبًا إنسانيًا للفنان الرياضي، إذ لا يخفي ديشان مشاعره ورغبته في إنهاء مرحلة طويلة من حياته المهنية مع المنتخب بشعور من الإنجاز والرضا، مما يعطي انطباعًا بأنه ترك بصمة إيجابية ستظل حاضرة في ذاكرة عشاق كرة القدم. وبينما تستمر النقاشات حول مستقبل مبابي والدور القيادي الذي يجب أن يتولاه اللاعب في التجمعات القادمة، يبقى من الواضح أن القرارات التي اتخذها ديشان لم تكن عشوائية، بل جاءت نتيجة تقييمات دقيقة واعتبارات شخصية وفنية متعمقة.
في نهاية المطاف، تُعد هذه المقابلة التي أجرها ديشان بمثابة نافذة تتيح للمشجعين وللأوساط الرياضية فهم الأسباب وراء بعض القرارات التي قد تبدو غامضة للعلن. إن الحوار المفتوح الذي دار بين ديشان والصحافة يؤكد أن هناك دائمًا أكثر مما يُرى على السطح من خلف الكواليس، وأن كل قرار يُتخذ له جذور عميقة في التجارب الشخصية والظروف الرياضية التي يمر بها الفريق.
هذا المزيج من الصراحة والرؤية الفنية يجعل من تصريحات ديشان مادة دسمة للنقاش والتحليل، ويُبرز كيف يمكن للمدرب أن يتخذ قرارات جريئة في سبيل الحفاظ على هوية المنتخب ومستقبله، حتى وإن كان ذلك يعني اتخاذ خطوات قد تُثير الجدل في الأوساط الرياضية. وبينما يظل مستقبل مبابي ودوره القيادي في الفريق من القضايا التي ستظل محل تساؤل، يؤكد ديشان على أن كل ما يقوم به يُتخذ بروح التحدي والالتزام بمبادئ العدالة الرياضية، مما يعطي الأمل بأن المنتخب الفرنسي سيستمر في تحقيق الإنجازات رغم كل التحديات التي تواجهه.