
اتخذ نادي برشلونة اليوم خطوةً حاسمةً في مسارٍ عودته إلى القمة، من خلال الإعلان الرسمي عن تمديد عقد مدربه الألماني هانزي فليك حتى صيف عام 2027. هذا القرار لم يأتِ مصادفةً، بل ثمرةٌ حتميةٌ لما قدمه المدرب السابق لبايرن ميونيخ من إنجازاتٍ لافتةٍ في موسمِه الأول مع “البلوجرانا”، توّجها بالثلاثية المحلية ووصولٍ إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.
انتفاضة فليك: قفزةٌ من الفقر إلى السيادة
عندما تولى هانزي فليك قيادة الفريق في 1 يوليو 2024، وجد “كامب نو” يعيش أسوأ حالاته في السنوات الأخيرة: موسمٌ بلا ألقابٍ، أرقامٌ متواضعةٌ في الليغا، وإخراجٌ مخيبٌ من دوري الأبطال. لكن المدرب الألماني قام بثورةٍ تكتيكيةٍ ونفسيةٍ حقيقيةٍ:
1. تنشيط الدفاع: إعادة بناء الثنائي الدفاعي بثباتٍ صارمٍ سمح بتقليل الأهداف المستقبلة إلى أقل مستوىٍ في الدوري [إحصائيات الليغا، أبريل 2025].
2. ضغطٌ هجوميٌ منظمٌ: تطبيق خطة 4-2-3-1 متوازنةٍ مع ثلاثي ارتدادٍ سريعٍ (يامال–بيدري–رافينيا) خلف المهاجم المركزي، ما أنتج صفقاتٍ من الأهداف والمراوغات.
3. أجواءٌ مفعمةٌ بالثقة: اعتماد سياسة مشاركة المواهب الشابة (أنسو فاتي، إيليكس مور) جنبًا إلى جنب مع الخبرة، ما جعل النتائج تتوالى دون ضغطٍ مبالغٍ فيه.
الثلاثية المحلية: سلسلةُ انتصاراتٍ مدويةٍ

تُوِّج برشلونة مع فليك بلقب كأس السوبر في يناير 2025 بفوزٍ ساحقٍ 5-2 على ريال مدريد في النهائي، ليحقق انتصارًا هو الأول من نوعه على الميرينغي في نهائيٍ رسميٍ منذ عام 2011. ثم جاء نهائي كأس الملك في أبريل بفوزٍ مثيرٍ 3-2 على الغريم اللدود، حيث قلب البلوجرانا النتيجة من تأخرٍ بهدفٍ إلى انتصارٍ بطابعٍ دراميٍ. وختم الموسم مبكرًا بلقب الليغا بعد أن حسم الصدارة قبل جولتين من النهاية، معادلاً رقم ريال مدريد في 20 لقبًا تاريخيًا.
دوري الأبطال: نصف نهائيٌ مؤلمٌ ينسجم مع الرؤية
على الرغم من الخروج “القاسي” أمام إنتر ميلان في نصف نهائي دوري الأبطال، بنكهةٍ ملحميةٍ تفوق فيها برشلونة ذهابًا 4-3، ثم خسارة الإياب بهدفٍ نظيفٍ في “جوزيبي مياتيّا”، لم ينتقص ذلك من صورة فليك المدرب القادر على منافسة كبار أوروبا. بل على العكس، أثبت أن السيليساو يقترب خطوةً أخرى من استعادة أمجاد “الكامب نو” إقليميًّا وقاريًّا.
كلمات لابورتا وفليك بعد التوقيع
قال رئيس النادي جوان لابورتا في تصريحاتٍ للإذاعة الكاتالونية:
“لقد اتفقنا منذ فترةٍ طويلةٍ على استمرار هانزي. هو المدرب الذي يحتاجه برشلونة لمواصلة هذه الحقبة الناجحة”.
من جانبه، عبّر فليك عن سعادته بالتجديد:
“نحن عائلةٌ واحدةٌ هنا. الجميع يعمل بشغفٍ ويهتم ببعضه البعض. تمديد العقد يعني مواصلة العمل مع هذه المجموعة المذهلة”.
خريطة الطريق لما تبقى من 2025 وما بعده

مع بقاء عددٍ من المباريات قبل نهاية الموسم الحالي، يتجه برشلونة لإعداد العدة للموسم القادم:
• التعاقدات الذكية: تعزيز المراكز التي تحتاج إلى دعمٍ، مثل قلب الدفاع وقلب الهجوم، لاستثمار الفرص في كأس السوبر الأوروبية وكأس العالم للأندية.
• تطوير الشباب: استمرار منح الفرص للاعبين مثل إيليكس مور وأنسو فاتي، مع الحفاظ على توازن الخبرة بإشراك جيرارد بيكيه (إذا استمر).
• التوسع التكتيكي: تطبيق فلسفة “الضغط الموجه” في المباريات الكبرى، مستفيدين من الخيارات الثلاثية في الوسط والخطوط المتحركة.
أثر التجديد على حاضنات المشجعين والإعلام
سرّ التجديد جماهير “كامب نو” التي باتت تعيش حالةً من التفاؤل غير المسبوق، بعد موسمٍ ألبسه النادي ثوب الألقاب وأعاد الأمل قبل فترةٍ قصيرةٍ. كما رحبت وسائل الإعلام الإسبانية بـ”عقد فليك” بوصفه خطوةً نحو الاستقرار الفني، وانتقدت الصعوبات السابقة التي ربطت مستقبل الفريق بتغييراتٍ متكررةٍ في مقاعد التدريب.
ختامٌ.. حقبةٌ ذهبيةٌ على الأبواب
من دون شك، مع عقدٍ يمتد حتى صيف 2027، وبخلفيةٍ من الانتصارات المحلية وغيابٍ طفيفٍ في أوروبا، يملك برشلونة اليوم ما يحتاجه للانطلاق نحو استعادة أمجاد قارةٍ لطالما عشقتها كتالونيا. وها هو أنشيلوتي الكروي الجديد على موعدٍ مع أيامٍ من التحدّي والإبداع، وهو يقود سفينةٍ حمراء وزرقاء نحو شواطئٍ لم ترَ طعمها منذ عقود.