ظهر على الساحة الإعلامية في مصر جدل واسع بعد ظهور محمد أبو تريكة، النجم السابق للمنتخب ولاعب فريق الأهلي، في إعلان دعائي بمناسبة تدشين استاد الأهلي الجديد. هذا الظهور الذي جمع بين صورة من الماضي الكروي العريق والحاضر المليء بالتحديات القانونية والسياسية، أشعل موجة من النقاشات بين محبي الرياضة والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أثار تساؤلات عدة حول جدارة الشخصيات الرياضية بالمشاركة في الحملات الدعائية لبعض الأندية ذات التاريخ الطويل في المنافسة.
خلفية الجدل
على الرغم من أن أبو تريكة يعتبر رمزاً من رموز الكرة المصرية، إلا أن ظهوره في هذا الإعلان لم يخلُ من الجدل؛ حيث رأى بعض النقاد أن وجوده في الحملة الدعائية للنادي الأهلي يمثل تناقضاً مع بعض الوقائع التي تتعلق بملابسات سياسية وقانونية تاريخه. إذ يُتهم اللاعب سابقاً بتمويل جماعة الإخوان المحظورة التي صنفتها الجهات المختصة في القاهرة في عام 2013 كمنظمة إرهابية. هذا الاتهام الذي لم يُترتب عليه حكم قضائي نهائي، لكنه ظل يشكل جزءاً من الروايات التي تنتقل في الوسط الرياضي والسياسي.
ردود الفعل النقدية
يُشير المنتقدون إلى أن مشاركة أبو تريكة في الإعلان قد يُعد خطوةً غير محسوبة من الناحية القانونية والسياسية، خاصةً وأن هناك تساؤلات متعلقة بموقف النادي الأهلي نفسه من هذا الشأن. فقد اعتبر بعض الأصوات أن الإعلان يحمل طابعاً دعائياً يتجاهل الآثار المحتملة للظهور الإعلامي لشخصية مثيرة للجدل من حيث المواقف السابقة، فيما يرى آخرون أن حضور اللاعب يمثل جزءاً من سرد تاريخ النادي، خاصةً وأن أبو تريكة كان له دور بارز في تحقيق العديد من الانتصارات والألقاب التي توجت مسيرة النادي الأهلي في حقب زمنية ماضية.
التساؤلات القانونية
من جانب آخر، أفاد الناقد الرياضي محمد الهليس في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” بأنه لم يكن يتوقع ظهور أبو تريكة في مثل هذا السياق. وأوضح أن هناك عدة عوامل قانونية وإدارية قد تعرقل مثل هذه الخطوة، خاصةً بالنظر إلى حالة الانقطاع المعلنة بين إدارة الأهلي واللاعب السابق. وأضاف الهليس أن أبو تريكة لم يعد يقدم تحليلات لمباريات الأهلي على القناة التي يعمل بها حالياً، رغم أنه اعتاد التطرق لتاريخ الفريق خلال تحليلاته للمباريات الأوروبية. ما يجعل التساؤلات تزداد هو سؤال: هل تمت دراسة الجوانب القانونية قبل تحويل فكرة الإعلان إلى حقيقة؟ وهل تم التنسيق مع الجهات الرسمية داخل الدولة للتأكد من عدم خرق أي بنود قانونية؟
رأي الخبراء القانونيين

شرح د. إسلام قناوي، الفقيه الدستوري والقانوني، أن هناك عدة مراحل قانونية مرّ بها اسم أبو تريكة في قوائم الإرهاب؛ ففي عام 2018 صدر حكم من محكمة الجنايات يقيد مشاركته ضمن تلك القوائم لمدة خمس سنوات، ولكن مع انتهاء هذه الفترة وقيام محكمة النقض بقبول الطعون المقدمة من اللاعب وعدد من قيادات جماعة الإخوان في مايو 2024، أصبح الوضع القانوني له غير واضح تماماً. ورغم أن القرار الأخير لم يُغير من الوضع القانوني للمدرجين، إلا أنه أكد أن مسألة استمرار الإجراءات القضائية أو تمديد مدة الإدراج ما تزال قيد الدراسة، مما يضيف بُعداً آخر للجدل الدائر حول ظهوره في الإعلان.
ردود الفعل الجماهيرية
لا تقتصر التوترات على الجانب القانوني فقط، بل امتدت إلى ردود الفعل الجماهيرية والإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد شهدت صفحة “فيسبوك” العديد من المشاركات التي عبّرت عن استياء بعض المستخدمين من ظهور أبو تريكة في الحملة الدعائية للنادي الأهلي. من بين تلك المشاركات، جاءت تدوينة من مروة هشام بركات، التي تنحدر من أسرة لها تاريخ في الدفاع عن الوطن، حيث أبدت رفضها الشديد لاستخدام اسم اللاعب في إعلان يمثل النادي الأهلي، معتبرة أن ذلك لا يتماشى مع القيم الوطنية والرمزية التي يجب أن يحملها النادي.
تفاعل الإعلام
وفي سياق متصل، تفاعل الإعلامي الشهير عمرو أديب على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) مع الإعلان بأسلوب ساخر ومميز، معبراً عن سعادته بإبراز اسم أبو تريكة في الحملة الدعائية، مؤكداً أن ظهور اللاعب يمثل رمزاً تاريخياً للنادي، وأنه الوحيد القادر على إعطاء الإعلان طابعاً مميزاً يرتبط بعبق الماضي المجيد. هذا التباين في الآراء يعكس مدى تعقيد الوضع؛ إذ يجد بعض المشجعين في اسم أبو تريكة رمزية تجمع بين الأصالة والإنجاز، فيما يعتبر آخرون أن التجاوزات السابقة وتهم التمويل الغامض لعناصر ممن تعتبرها الدولة إرهابية لا يجب أن تمر دون مساءلة.
الخلاصة

تُظهر هذه القضية بوضوح الصدام بين منظورين مختلفين: من جهة، ينظر إدارة النادي إلى أبو تريكة كجزء من تاريخ الأهلي وإنجازاته التي لا يمكن نسيانها، ومن جهة أخرى، ينظر النقاد إلى تلك الصورة بعين الريبة ويرون أنها قد تحمل في طياتها مؤشرات على تجاوزات قانونية وأخلاقية. هذا الانقسام يبرز عمق الانقسام الذي يشهده الوسط الرياضي والسياسي في مصر، حيث يختلط في بعض الأحيان التاريخ الرياضي بالسياسة والقانون، مما يجعل من الصعب التمييز بين الحقائق والاتهامات غير المثبتة.
مستقبل العلاقات بين الأندية واللاعبين
وفيما يتعلق بتأثير هذه القضية على مستقبل العلاقات بين الأندية واللاعبين، يمكن القول إن هذا الظهور قد يُعيد فتح جدلٍ قديم حول مدى الالتزام بالقوانين واللوائح التنظيمية التي تحكم المشاركة في الحملات الدعائية. فبينما يرى البعض أن اللاعب يجب أن يُقيَّم على إنجازاته وإسهاماته في تاريخ النادي، يشدد آخرون على أن القضايا القانونية يجب أن تكون في مقدمة الاعتبارات عند اختيار الشخصيات التي تُمثل صورة النادي أمام الجمهور. وهذا يضع النادي أمام تحدي مزدوج؛ هو تحدي تعزيز الهوية التاريخية والثقافية للنادي دون التنازل عن المبادئ القانونية والأخلاقية التي تضمن مصداقية المؤسسة الرياضية.