بيريز يحكم قبضته على مونديال الأندية ويكشف أسرار معركته من أجل إنجاز تاريخي

بيريز يحكم قبضته على مونديال الأندية ويكشف أسرار معركته من أجل إنجاز تاريخي

في ليلة كروية استثنائية في مدينة ميامي الأمريكية، وعلى أرض ملعب هارد روك ستاديوم، استعاد رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز بريقه الإعلامي عبر تصريحات نارية خلفت صدى واسعاً في أوساط عشاق الساحرة المستديرة وعالم كرة القدم بأسره. فقد واصل بيريز ما بدأه قبل سنوات من الصراع والمناورة السياسية وراء الكواليس، ليتوج جهوده بإطلاق بطولة كأس العالم للأندية 2025، التي جمعت بطل أوروبا بطل آسيا وسط حضور جماهيري وإعلامي منقطع النظير. ورغم تعادل ريال مدريد والهلال السعودي إيجابياً 1-1 في الجولة الافتتاحية، ترك بيريز تصريحه الأهم الذي يؤكد أنه لم يكدّل نفسه يوماً بكونه مجرد رئيس نادٍ بل المهندس الحقيقي لهذه المسابقة العالمية.

ولادة فكرة تاريخية

لم تخرج البطولة بأشكالها الحالية من فراغ، بل جاءت نتيجة سنوات من المناقشات المكثفة والمفاوضات الدؤوبة التي قادها بيريز مع مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ورؤساء الاتحادات القارية المختلفة. وشهدت تلك المفاوضات محطات حرجة، حين ظل طوال حقبته رئيساً لريال مدريد يدفع بفكرة توسيع قاعدة التنافس بين أبطال القارات وتوحيدها في مسابقة واحدة، بعيداً عن النسق التقليدي الذي كان يقتصر على بطولة مصغرة يحكمها جدول مزدحم وغير جذاب إعلامياً.

يقول بيريز في حواره مع شبكة “DAZN”: “قاتلت بكل ما أوتيت من قوة، وواجهت مقاومات داخل الفيفا وخلافات مع اتحاد الآسيوي وأوروبا، لكنني كنت أؤمن أن العالم يحتاج إلى بطولة تضاهي حجم كرة القدم اليوم، وتمنح الجماهير تجربة استثنائية تجمع أفضل الأندية على مسرح عالمي”. ومن خلال هذه الكلمات يتبين أن الرجل لم يكتفِ بالمدح اللفظي بل نفّذ استراتيجية عملَت على مدار مواسم، تضمنت عرض دراسات جدوى، وضمان حقوق تلفزيونية، وتأمين رعايات ضخمة، وصولاً إلى تقديم جدول مواعيد يراعي التزامات الأندية الكبرى دون إرباك تقاويمها المحلية والقارية.

استثمار النتيجة وحجم النفوذ

رغم عدم تحقيق ريال مدريد الفوز في أولى مبارياته، فإن بيريز بدا غير مكترث بنتيجة المباراة بقدر حرصه على إبراز حجم الالتزام التنظيمي والفني. فقد ظهر بوجه مترفٍ بالثقة، وكان حريصاً على الإشادة بالمنظومة الجديدة للبطولة، معتبراً أن التعادل أمام الهلال ليس عائداً لجودة المنافس فحسب بل دليل على قوة المنافسة التي نجح في إيجادها بعد جهده.

وأضاف في سياق تصريحه: “اليوم لا نأتي بهدف مجرد الفوز بل لتحقيق رؤية أكبر، وهي أن البطولات التي يشارك فيها ريال مدريد يجب أن تكون منصة للاحتفال بكرة القدم”. ولا يخفي من تابع الحدث كيف أن الكاميرات تتوق للتقاط كل تحركات بيريز، إذ بدا حضورُه بمثابة بارومترٍ يقيس مدى نجاح البطولة وسحب الاهتمام بعيداً عن الانشغال بنتيجة المباراة فقط.

تفاعل إعلامي وجماهيري غير مسبوق

لم تمر تصريحات بيريز مرور الكرام، إذ تهافتت وسائل الإعلام الأوروبية والآسيوية لنقل المقابلة وتحليل أبعادها. فقد خصِّصت صحيفة “ماركا” الإسبانية عموداً عنوانه “بيريز يضع العالم في سلة monocorde الخاصة به”، بينما نقلت “آس” الإسبانية تصريحاته تحت عنوان “المهندس الكبير يكشف عن خطط مونديال الأندية ويعتلي منصة التحدي”. أما في السعودية، فقد تناولت صحف رياضية محلية اللقاء بعنوان “بيريز يؤكد أن كأس العالم للأندية بات مشروعه الشخصي الأكبر”، مشيدةً بقدرته على جعل البطولة محط أنظار كل القارات.

وعلى الصعيد الرقمي، تولى مشجعو الريال نشر مقاطع الفيديو والصور التي تظهر بيريز وهو يتحدث بحماسٍ في ممرات ملعب هارد روك، فيما تبادل آخرون اقتباسات من تصريحاته على تويتر وإنستجرام وسناب شات، مرافقين كل منشور بهاشتاجات تقنية للترويج للحدث ولفتح نقاشات حول مستقبل البطولات العالمية.

تعزيز بعد التطوير التقني

ولم يقتصر حديث بيريز على البُعد السياسي واللوجستي، بل تناول اليوم دور التكنولوجيا في الارتقاء بكرة القدم. فقد أشار إلى أن النسخة الحالية تعتمد على نظام “VAR” مطوَّر وبرمجيات تتعقب كل حركة داخل الملعب، فضلاً عن تطبيقات تفاعلية للجماهير تسمح بالمشاركة في الاستفتاءات اللحظية، ومتابعة الإحصائيات والبيانات المتقدمة للاعبين عبر هواتفهم الذكية. وأكد بيريز: “التكنولوجيا هي المستقبل، ونحن هنا لا نكتفي بالمشاركة، بل نعمل على جعل المشجع يعيش تجربة ممتعة قبل وأثناء وبعد المباراة”.

تلك الإشارات أغنت شمولية التصريحات، إذ لم تعد الكرة اليوم لعبة منقولة فقط عبر شاشات التلفزيون بل برنامج مستقل للمشاهدة يضيف لمسة ترفيهية للمشاهد، ويربطه بالحدث تفاعلياً، مع توفير ملخصات فيديو آلية وتغطيات خاصة حسب اهتمامات كل مشجع.

تنمية المواهب وفرص المشاركة

وفي إطار حرصه على تحقيق المكتسبات التنموية، تطرق بيريز إلى أن البطولة لن تكون حكراً على الكبار فقط، بل سُمح لأندية من قارات أقل شهرة بالمشاركة، ضمن توجهه الشخصي لتوفير فرص لشباب المواهب الإفريقية والأسترالية والآسيوية، ليلتقوا نجوم القارة الأوروبية من وجهٍ لوجه. وقال: “كنت دائماً أؤمن بأن المواهب بحاجة لتحديات قوية، وهنا نمنح Talents فرصة المنافسة، وهذا يرتقي بمستوى اللعبة بشكل عام”.

هذا الجانب التنموي أشاد به محللون رياضيون، معتبرين أن مشاركة أندية تمثل كرة القدم في قارات متعددة تعد استثماراً مستقبلياً، يزيد في شعبيتها ويخدم توجهات فيفا نحو تعزيز انتشار اللعبة، بعيداً عن هيمنة القليل من الدول.

خطط مستقبلية وتوسعة المسابقة

ولم يكن بيريز ليتحدث عن موقته الحاضر فحسب، بل كشف عن خطط لتوسعة المسابقة في المستقبل، بالحديث عن زيادة عدد الفرق من سبعة إلى اثني عشر فريقاً، وتوزيع المباريات على مدن أمريكية أخرى مثل لوس أنجلوس وميامي ونيويورك، مع دراسة إمكانية خلق نسخة مصغرة موازية للشباب دون تجاوز الشروط الاحترافية. جهود كهذه تصب في آلة تضخ مزيداً من جماهيرية المسابقة، وتمنحها عمراً أطول وخدمات تسويقية لا تنتهي بانتهاء المونديال.

وقال بيريز: “إننا لا نتوقف عند هذه النسخة بل نضع خططاً للسنوات الخمس المقبلة، تشمل انطلاق دوريات مصغرة للأندية الشريكة، وشراكات مع شركات تقنية لتقديم بث واقع افتراضي VR لكل مباراة، إضافة إلى فعاليات ترفيهية تقام قبل المباريات في Fan Zones تليق بالاسم”.

خاتمة: إرث بيريز بين الواقع والطموح

بين تعزيز نفوذه الإعلامي وصناعة بطولاتٍ جديدة، يثبت فلورنتينو بيريز أن دوره في عالم كرة القدم لا يقتصر على كونه رئيساً لنادي يحمل الرقم القياسي في بطولات أوروبا، بل أنه رجل رؤيةٍ واستراتيجية، قادر على تحويل أفكار إلى واقع ملموس يراها العالم بأسره. فحينما يؤكد أنه “ناضل كثيرًا من أجل هذا الحلم”، فإنه لا يتحدث عن انتصارات داخل المستطيل الأخضر فقط، بل عن تأسيس إرثٍ يجعل من ريال مدريد جزءًا من الحدث العالمي الأضخم، وعن صقل مستقبل البطولات بقالبٍ عصريٍ يستجيب لمتطلبات الإعلام والتكنولوجيا والجماهير في القرن الحادي والعشرين.

ومهما كانت نتائج المباريات، فإن إرث بيريز سيظل حاضراً في كل نسخة مقبلة من مونديال الأندية، تاركاً بصمته كشخصيةٍ صنعت تكييف كرة القدم مع زمن جديد، حيث لا يكفي أن تكون بطلاً على أرض الملعب، بل عليك أن تكون مهندس البطولات التي تجمع العالم كله حول شغفٍ واحدٌ لا ينتهي.